العربي الجديد-
دخلت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا على خط الجدل حول قوانين الانتخابات الواردة في اتفاق بوزنيقة، مطالبة بإجراء تعديلات عليها قبل إصدارها من مجلس النواب، وانضمت بذلك إلى العديد من الدعوات المطالبة بضرورة مراجعتها وإعادة النظر في القضايا الأساسية الخلافية فيها، لا سيما شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.
قضية مزدوجي الجنسية
ووجه رئيس مجلس إدارة المفوضية، عماد السايح، خطاباً إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ضمنه جملة من الملاحظات حول القوانين الانتخابية التي أعدتها لجنة 6+6 المشكّلة من المجلسين، وأكد أن اللجنة لم تطلع المفوضية على القوانين قبل تصويتها عليها وإقرارها في ختام اجتماعاتها في مدينة بوزنيقة المغربية.
وأكد السايح في خطابه الموجه للمجلسين في 12 يونيو، أنّ المفوضية لم تتسلم من اللجنة القوانين الانتخابية وأن ملاحظاتها رصدتها اعتماداً على النسخ المتداولة “عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي” والمتداولة “خارج الدوائر الرسمية للدولة”.
وأشار السايح في خطابه إلى العديد من الملاحظات على صيغة القوانين التي أنتجتها لجنة 6+6، منها ما يتعلق بعدم قدرة المفوضية على إجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية بغرفتيها؛ مجلس النواب ومجلس الشيوخ، في وقت واحد تلافياً للتزوير وخروجها عن سيطرة لجان الاقتراع، كما طالب بإعادة النظرة في جوانب تتعلق بعملية تقديم الطعون إلى الجهات القضائية.
وتصدرت ملاحظات المفوضية قضية مزدوجي الجنسية المترشحين لانتخابات رئيس الدولة، مشيرة للتضارب بين الفقرة الثانية من المادة 15، التي تنص على أن يكون المترشح “لا يحمل جنسية أي دولة أخرى”، وبين المادة 17 من “شروط وإجراءات الترشح” التي تسمح لمزدوج الجنسية دخول الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على “أن يقدم إلى المفوضية خلال أسبوعين من إعلان النتائج النهائية للجولة الأولى إقرار كتابي مصدق عليه من محرر عقود يفيد عدم حمله جنسية دولة أجنبية”.
وأكد السايح أنّ العديد من “النصوص والمواد التي وردت بتلك القوانين تتطلب ضرورة إعادة النظر، بما يمكّن المفوضية والشركاء وذوي المصلحة من الانخراط في تنفيذها”.
وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أكد، الإثنين الماضي، أن مجلسه لم يتسلم “أي قانون بشكل رسمي” من لجنة 6+6، إلا أنه طالب ممثلي مجلس النواب في اللجنة بالاستماع لملاحظات النواب حول القوانين الانتخابية، مبدياً رفضه شرط تنازل مزدوج الجنسية عن جنسيته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وقال: “وجدت أن نص انتخاب الرئيس من جولتين، المقصود به تعطيل الانتخابات”.
وتزامناً مع تصريحات صالح عن عدم تسلم مجلسه القوانين الانتخابية، أعلن المجلس الأعلى للدولة، الإثنين الماضي، إحالته القوانين الانتخابية إلى مجلس النواب “وذلك لإصدار القوانين طبقاً لما نصّت عليه المادة (30) من التعديل الدستوري”.
ويصف الباحث في الشأن القانوني والسياسي، عماد الدين اللافي، في حديث لـ”العربي الجديد”، اليوم الخميس، خطاب المفوضية للمجلسين بأنه “سياسي أكثر منه فنيا أو قانونيا”، لافتاً إلى أن مواقف السايح أثبتت في أكثر من مرة ميله لصالح رئيس مجلس النواب، مضيفاً: “الجميع تابع كيف كانت تفاصيل القوة القاهرة التي أعلن عنها السائح، وبموجبها تعرقل إجراء الانتخابات عام 2021، وبأنها تسير وفقاً لمصالح حلف مجلس النواب، واليوم يسير في ذات الركاب ولخدمة ذات المصالح”.
سياسية وليست قانونية
وقال اللافي: “الخطاب جاء في هذا التوقيت لإخراج صالح وحلفائه، كخليفة حفتر وغيره، من توريط مجلس الدولة لهم عندما أحال لهم نسخة القوانين، فالإحالة تعني أن مجلس الدولة تسلم نسخته، وليس من المنطقي أن تسلم اللجنة نسخة القوانين لمجلس الدولة ولا تسلمها لمجلس النواب، فأصبح عقيلة صالح يعاني مأزق ضرورة إصدار القوانين، وهو ما لا يستطيعه ما دامت الشروط تمنع حفتر من الترشح”.
وتساءل اللافي: “خطاب المفوضية فيه أوهام تريد تمريرها للتهرب من تسلمها هي الأخرى نسخة من القوانين، ومنها أنها اعتمدت في ملاحظاتها على نسخة متداولة إعلامياً، وهي التي تستطيع طلبها من لجنة 6+6، كما أن مندوبيها كانوا ضمن فريق العمل في بوزنيقة”.
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، خليفة الحداد، لـ”العربي الجديد”، إنه “بصرف النظر عن تحيز المفوضية لأي طرف سياسي وتأثير خطابها على مسار تمهيد الطريق للانتخابات، فإن القضية باتت قضية سياسية وليست قانونية، فلن تصل الأطراف لأي اتفاق قانوني ما لم يتم حل الأزمة السياسية”.
وأضاف الحداد: “الأمر لا يتعلق بعقبة مزدوج الجنسية والمواقف المحلية من حفتر أو غيره (يحمل الجنسية الأميركية)، بل القوانين لن تكون مقبولة حتى من أطراف دولية، فشروطها الأخرى تسمح لشخصية مثل سيف القذافي بالترشح وربما توصله حاضنته الاجتماعية للفوز، وهو ما لن تقبله عواصم غربية”.
وفي خضم تعقد مشهد الإعداد للانتخابات في ليبيا وعودة الخلافات بين المجلسين، أعرب الحداد عن اعتقاده بعدم “قدرة اللجنة على استئناف مشاوراتها لتضمين مثل هذه التعديلات، فالوضع بات واضحاً أنه يتمحور حول وضع حفتر الذي لن يجد قبولاً من أطياف غرب البلاد السياسية”، وعليه يرى الحداد “قرب تولي البعثة الأممية لقيادة حوار موسع حول تشكيل قاعدة دستورية للانتخابات”.
وقال: “لا يمكن الخروج من مأزق العراقيل والشروط الخلافية، إلا بإجراء الانتخابات الرئاسية والذهاب إلى انتخابات برلمانية لتجديد الشرعية وللعمل على سد الفجوات المتعلقة بالقوانين الانتخابية الرئاسية”.