أمريكا وبريطانيا وفرنسا تقصف سوريا بعد مزاعم عن هجوم كيماوي
أمريكا وبريطانيا وفرنسا تقصف سوريا بعد مزاعم عن هجوم كيماوي
(رويترز) – أطلقت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية أكثر من 100 صاروخ يوم السبت في أول ضربات غربية منسقة موجهة إلى الحكومة السورية، واستهدفت ما وصفته بأنه مواقع للأسلحة الكيماوية قائلة إن ذلك رد على هجوم بالغاز السام في مدينة دوما السورية.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن العمل العسكري من البيت الأبيض وقال إن الحلفاء الثلاثة “نسقوا قوتهم المستندة إلى الحق لتواجه الهمجية والوحشية”.
وكتب على تويتر في وقت لاحق “المهمة أنجزت”.
ويمثل القصف تصعيدا كبيرا في مواجهة الغرب مع روسيا، أكبر حلفاء الأسد، لكن من المستبعد أن يغير مسار حرب متعددة الأطراف أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن نصف مليون شخص في الأعوام السبعة الماضية.
ويطرح هذا بدوره سؤالا عن المدى الذي ستصل له الدول الغربية بعد سلسلة من الضربات نددت بها دمشق وموسكو ووصفتاها بأنها طائشة وعقيمة.
ومع مطلع النهار قالت الدول الغربية إن القصف انتهى في الوقت الراهن. ونشرت سوريا مقطعا مصورا يظهر أنقاض معمل أبحاث تعرض للقصف لكنه يظهر أيضا الرئيس بشار الأسد أثناء وصوله لمكتبه كالمعتاد مع عنوان مرافق للمقطع يقول “صباح الصمود”.
ولم ترد تقارير حتى الآن بسقوط قتلى حيث يقول حلفاء لدمشق إن المباني أخليت قبل القصف.
وكانت روسيا قد وعدت بالرد على أي هجوم يعرض قواتها للخطر وقالت يوم السبت إن الدفاعات الجوية السورية اعترضت 71 صاروخا.
لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قالت إن الولايات المتحدة أجرت اتصالات “عدم اشتباك” مع روسيا قبل الضربات وبعدها وإن أنظمة الدفاع الجوية السورية لم تتأثر إلى حد كبير وإنه ليس هناك ما يشير إلى استخدام الأنظمة الروسية.
ووصفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الضربة بأنها “محدودة وموجهة” لا تهدف لإسقاط الأسد أو التدخل على نطاق أوسع في الحرب. وقالت إنها أمرت بتحرك بريطاني بعدما أشارت معلومات مخابرات إلى أن الحكومة السورية مسؤولة عن هجوم بالغاز على مدينة دوما الواقعة على مشارف دمشق قبل أسبوع.
وفي كلمة ألقتها قدمت وصفا تفصيليا مؤثرا لضحايا الهجوم الكيماوي المزعوم الذي أسفر عن مقتل عشرات تكدسوا في أقبية بينما ينهمر عليهم الغاز.
وقالت إن روسيا أحبطت الجهود الدبلوماسية الرامية لردع الأسد عن استخدام الغاز السام ولم تترك خيارا آخر سوى اللجوء للقوة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الضربات اقتصرت حتى الآن على منشآت الأسلحة الكيماوية السورية. ونشرت باريس ملفا قالت إنه يظهر أن دمشق مسؤولة عن الهجوم بغاز سام في دوما، آخر معاقل المعارضة في منطقة كان يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بالقرب من دمشق قبل أن تستردها قوات الحكومة السورية في أكبر هجوم لها منذ بداية العام الحالي.
* ”ضربة واحدة“
قالت واشنطن إن الأهداف عبارة عن مركز قريب من دمشق لأبحاث وتطوير وإنتاج واختبار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وموقع تخزين أسلحة بالقرب من مدينة حمص وموقع آخر قريب من حمص لتخزين معدات الأسلحة الكيماوية ويضم أيضا مركزا للقيادة.
ووصف وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الضربات بأنها “ضربة واحدة فقط” لكن ترامب أثار احتمال تنفيذ المزيد من الضربات إذا استخدمت حكومة الأسد أسلحة كيماوية مجددا.
وقال الرئيس الأمريكي في كلمة بثها التلفزيون “نحن مستعدون لتكرار هذا الرد ما لم يتوقف النظام السوري عن استخدام مواد كيماوية محظورة”.
ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاجتماع لمجلس الأمن بالأمم المتحدة لمناقشة ما تصفه موسكو بأنه هجوم غير مبرر على دولة ذات سيادة.
وقالت وكالة الأنباء العربية السورية الرسمية (سانا): “العدوان انتهاك فاضح للقانون الدولي”. ووصف الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الهجوم بالجريمة وقال إن قادة الغرب مجرمون.
وسيحاول مفتشون من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية زيارة دوما في وقت لاحق يوم السبت لتفقد الموقع الذي يشتبه أنه شهد هجوما بالغاز في السابع من أبريل. وانتقدت موسكو رفض الدول الغربية إطلاعها على النتائج التي توصلت إليها.
* ”استوعبنا الضربة“
وقال مسؤول كبير في تحالف إقليمي يساند الأسد لرويترز إن الحكومة السورية وحلفاءها “استوعبوا” الضربة وإنه تم إخلاء المواقع المستهدفة منذ أيام بناء على تحذير من روسيا.
وقال المسؤول “إذا كان قد انتهى ولن تحدث جولة ثانية فسيعتبر محدودا”.
وقال ديمتري بيليك عضو البرلمان الروسي الذي كان في دمشق وشهد الضربات لرويترز عبر البريد الإلكتروني “الهجوم له طبيعة نفسية أكثر منها عملية. لحسن الحظ لم تحدث خسائر في الأرواح أو أضرار كبيرة”.
قال شاهد من رويترز إنه سُمع دوي ستة انفجارات على الأقل في دمشق وشوهد الدخان يتصاعد فوق المدينة.
وقال شاهد آخر إن الضربات استهدفت حي برزة في دمشق.
وأظهر مقطع بثته قناة الإخبارية السورية الرسمية منشأة أبحاث علمية في برزة تبدو مدمرة بالكامل. وتصاعد الدخان من بين الأنقاض بينما كانت حافلة تعرضت لتلفيات شديدة متوقفة أمام المبنى.
لكن لا توجد فرصة فعليا على ما يبدو في أن يغير التدخل الغربي ميزان القوة العسكرية نظرا لأن الأسد في أقوى وضع له منذ الشهور الأولى للحرب الأهلية.
* الأسد قوي
وفي دوما، حيث وقع هجوم الغاز المشتبه به في الأسبوع الماضي، قال التلفزيون الرسمي السوري إنه من المنتظر أن تغادر يوم السبت آخر حافلات تقل مقاتلي المعارضة الذين وافقوا على تسليم المدينة وعائلاتهم. وينهي هذا فعليا أي وجود للمقاومة في المناطق الواقعة على مشارف دمشق المعروفة بالغوطة الشرقية مما يمثل أكبر انتصار تحرزه الحكومة السورية منذ بداية الحرب.
وعلى الرغم من أن جميع الدول الغربية قالت منذ بداية الحرب الأهلية السورية إن الأسد ينبغي أن يتنحى عن السلطة إلا أنها أحجمت عن تنفيذ أي هجوم ضد حكومته في السابق بسبب غياب استراتيجية أوسع نطاقا لهزيمته.
وتوخت القوى الغربية الحذر الشديد يوم السبت لتجنب المزيد من التصعيد بما في ذلك نزاع غير متوقع مع روسيا.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي إن باريس “أخطرت الروس مسبقا” بالضربات لتفادي أي نزاع.
وشمل الهجوم الأمريكي البريطاني الفرنسي المشترك صواريخ أكثر من هجوم مماثل أمر به ترامب قبل عام ردا على هجوم سابق بأسلحة كيماوية. لكن يبدو أن أحدث هجوم ضرب أهدافا أقل. ولم يكن للهجوم الأمريكي في العام الماضي، الذي قالت واشنطن وقتئذ إنه سيقوض الدفاعات الجوية للأسد، أثر يذكر على الحرب.
وقال ماتيس إن الولايات المتحدة نفذت الضربات الجوية استنادا فقط إلى أدلة حاسمة على استخدام غاز الكلور في هجوم السابع من أبريل نيسان في سوريا.
وأضاف أن الأدلة على استخدام غاز السارين غير مؤكدة.
وقال ماتيس إن الضربات نفذت مرة واحدة فقط لردع الأسد عن “تكرار ذلك”. وقال مسؤولون أمريكيون إن ماتيس حذر من قبل أثناء نقاشات بشأن التدخل في سوريا من أن الهجوم قد يهدد بمواجهة مع روسيا إذا كان كبيرا جدا.
لكن مسؤولا أمريكيا مطلعا على التخطيط العسكري قال إنه قد يكون هناك المزيد من الضربات الجوية إذا أكدت المخابرات أن الأسد لم يتوقف عن تصنيع أو استيراد أو تخزين أو استخدام أسلحة كيماوية بما في ذلك غاز الكلور.
وقال المسؤول إن هذا قد يستلزم المزيد من الوجود الجوي والبحري الأمريكي المستمر في المنطقة.
*الخروج من سوريا؟
يواجه قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مشكلات سياسية داخلية تتعلق بقرار استخدام القوة في سوريا.
ولا يحبذ ترامب التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط ويريد سحب قرابة ألفين من أفراد القوات الأمريكية من سوريا المشاركين في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال ترامب في خطابه “لا تسعى أمريكا لوجود لأجل غير مسمى في سوريا بأي حال”.
وفي بريطانيا أطاح قرار ماي المشاركة في القصف دون التشاور مع البرلمان بتقليد متبع منذ غزو العراق في عام 2003. وضعف الموقف السياسي لسلفها ديفيد كاميرون بعدما خسر تصويتا برلمانيا بشأن قصف سوريا.
وقالت ماي يوم السبت إنه كان من الضروري التحرك بسرعة دون انتظار موافقة البرلمان. واتهمها زعيم المعارضة جيريمي كوربين بالانسياق وراء ترامب نحو قتال دون انتظار الأدلة. ولا يتمتع ترامب بشعبية تذكر في بريطانيا.
وفي فرنسا يهدد الرئيس ماكرون باستخدام القوة ضد الأسد منذ وقت طويل إذا استخدم أسلحة كيماوية وواجه انتقادات بشأن ما وصفه خصومه بأنه تهديد أجوف.