أولها دعوة.. وآخرها.. ملك و سلطان وغنيمة
(سنة التغيير وشيعة المصالح)
* كتب/ أنس أبوشعالة
انتخاب رئاسة المجلس الأعلى للدولة و فوز مرشح حزب العدالة و البناء الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وهذا الفوز جاء على حساب “الغريم الحليف” (سابقاً) الدكتور عبدالرحمن السويحلي و ظهور العملية الانتخابية على نحو شفاف بنقلها على الهواء مباشرة وبشكل هادئ خلا تماماً من مظاهر الفوضى والمشاغبة وتقبل السويحلي للنتيجة رغم “مرارتها” وتسليمه للمنصب رغم شكليته وعدم فعاليته “تشريعياً” حسب وجهة نظري إلا أنه يبقى مرتكزاً من مرتكزات العملية السياسية بقواعدها الحالية التي أطرتها الأمم المتحدة ومن ثم فإن رئاسة حزب العدالة والبناء لإحدى روافد العملية السياسية أمر لم يتم على سبيل الصدفة أو مجرد النكاية في السويحلي، بل هو مقدمة لتطور المشهد السياسي.
التصريحات الجريئة لرئيس حزب العدالة و البناء التي أدلى بها بالمناسبة على قناة 218 المملوكة والممولة من قبل تيار وتوجه مضاد تماماً لتيار الإسلام السياسي بالعموم والإخوان المسلمين تخصيصاً.. تلك التصريحات التي أطلقت العنان لمبدأ الحوار مع الآخر دون وضع أي شروط عن كنه الآخر بل والإقرار بقبوله للآخر مهما كان كشريك في عملية سياسية تدار فيها الدولة وتقتسم فيها السلطة بملاءمة ما ستظهر ملامحها قريباً خصوصاً أن إعلان الإصدار الجديد لخطاب الحزب جاء عبر منبر إعلامي من ضمن منابر الخصوم الإعلامية، وفي هذا إشارة هامة.
المتأثر الأبرز لما حصل اليوم للسويحلي هو رديفه ونظيره في الضفة المقابلة ألا وهو المستشار عقيلة الذي سيتحسس حرارة المنصب وغليانه على نحو سيؤدي إلى إنهاء حالة استفراده واستمراره برئاسة السلطة التشريعية وإفراغها من محتواها المفترض حتى شكلياً في شخصه.. والتغيير هناك سيكون في ذات السياق والمخطط لإطلاق حالة سياسية جديدة تماماً سيرضخ فيها كل طرف للآخر وفق قواعد الملاءمة والواقعية بعيداً كل البعد عن الشعارات و المزايدات.
السيناريو الذي أتوقعه سيكون مغايراً للسيناريو المصري الذي انتهى فيه الإخوان من الوجود السياسي على صعيد السلطة وصاروا ملعونين قانونياً وسياسياً ومحلاً للحظر والسجن والإعدام بسبب تصلب مواقفهم وتعنتهم ومراهنتهم على التنظير المؤسس على وهم الحق والفضيلة مقابل الحقيقة والواقعية.. ومغايراً كذلك للسيناريو التونسي الذي آثر فيه إخوان النهضة التراجع خطوة للوراء والخروج من الدائرة الرسمية للسلطة مقابل ضمان وجودهم المادي والسياسي الهافت إن صح التعبير، المتربص بأي نسيم محتمل ومفترض للتغيير، وإلى ذلك الحين هم مجرد ساسة “سابقاً” نجحوا في النفاذ بأعناقهم وحرياتهم من الشنق والسجن، وهذا الخيار صار نموذجاً يشار إليه بالبنان والإعجاب لدى عديد النخب والساسة.
إلا أن السيناريو الليبي سيكون مختلفاً في رأيي.. انتشار السلاح والتشكيلات الغير منظمة واختلاط الأيديولوجيا بالمعارضة “السابقة” مع انعدام العمل السياسي المنظم بالذات على الصعيد الحزبي وتقاطع المصالح وتناقض وتعارض القوى المسلحة على الأرض لتلك التوجهات السياسية وجمود المشهد وسقوط العديد من الأصنام والأساطير، كل ذلك أكسب حزب العدالة والبناء هامشاً واسعاً من المناورة يتبرأ فيه من أفاعيل المتطرفين ويستغرب رئيسه من استغراب من استغرب تصريحاته التي أطلق فيها جرعة مركزة من الانفتاح و الإيجابية والاستعداد لقبول الآخر بل مشاركته والعمل معه وتأييده في مسعاه مع التحفظ على المآرب التي لا زالت بحاجة إلى تسويات حتى لا تتعارض وتتداخل، ويصادف ذلك “عن سبق نية” تحضيرات تولي رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وكأن تلك التصريحات كانت إعلاناً عن برنامج العمل السياسي ورؤية الحزب الجديدة عند توليه قيادة مجلس الدولة بل وإعلان قدرته واستمرار نفوذه داخل أروقة المجلس و حسن إدارته لاستحقاق الانتخابات أو بالأحرى القدرة على “الكولسة” على نحو فعال وبالتالي قدرته حتى على خوض معترك الانتخابات الشعبية إن لزم الأمر.
قريباً سنرى بوادر تقارب بين الفرقاء وستظهر نتائج تفاهمات تتسم بالواقعية بعيداً عن الشطحات والمزايدات في سبيل هدفين أولهما للساسة، وثانيهما للشعب، ولعل الهدف الثاني هو مرادنا و أملنا ألا وهو الاستقرار والأمن والهدوء واستعادة الدولة لعافيتها بما يعود على المواطن بالنفع.. أما الهدف الأول فليس لنا فيه شأن ولا رأي، ألا وهو الأنصبة السياسية لاقتسام السلطة والمناصب بين قادة السلاح والمال والسياسة. أولها دعوة.. وآخرها.. ملك و سلطان وغنيمة.