العربي الجديد-
يتزايد الاهتمام الأميركي والأوروبي بقضية أمن الجنوب الليبي، وتوحيد المؤسسة العسكرية، في الوقت الذي تستعد فيه اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) للقاء مجدداً في سبها، جنوب البلاد، برعاية البعثة الأممية، خلال الأسبوع الحالي.
ويواصل القادة العسكريون من شرق وغرب البلاد منذ فترة المشاورات الهادفة لتوحيد المؤسسة العسكرية، وآخرها اجتماع رئيس أركان القوات البحرية بطرابلس نور الدين البوني، مع نظيره التابع لحفتر، شعيب الصابر، السبت (06 مايو 2023م)، في بنغازي، والذي يتواصل لمدة ثلاثة أيام.
وسبق أن التقى رئيسا أركان الجيش عن غرب وشرق البلاد، الفريق محمد الحداد والفريق عبد الرزاق الناظوري، مرات عدة، كان آخرها منتصف إبريل الماضي في بنغازي.
وعلى الرغم من كثرة اجتماعات (5+5) منذ تكوينها عام 2020، فإن ما ميز اجتماعات اللجنة الأخيرة في طرابلس، في مارس الماضي، وبنغازي مطلع إبريل الماضي، وقريباً في سبها، برعاية البعثة الأممية، هو انضمام عدد من القادة العسكريين والأمنيين من شرق وغرب البلاد إليها.
وتعهّد المجتمعون في طرابلس وبنغازي بدعم المسار الانتخابي، والاستعداد لتأمين إجراء الانتخابات، بالإضافة لمطالبة المجتمع الدولي بضرورة دعم “جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ولجنة التواصل الليبية المنبثقة عنها، في إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب”.
لكن اللافت في عزم لجنة (5+5) وقادة عسكريين وأمنيين على الاجتماع في سبها، جنوب البلاد، أنه يأتي متزامناً مع نشاط كبير لعدد من العواصم الغربية في لقائها بالأطراف العسكرية الليبية. فبينما استضافت روما حفتر، نهاية الأسبوع الماضي، وبحثت معه جملة من القضايا، منها تأمين الحدود الجنوبية، ومنع تدفق المزيد من المهاجرين، تستعد باريس لاستضافة قمة تضم القادة العسكريين والأمنيين أنفسهم، ولجنة (5+5)، بحسب وسائل إعلام فرنسية.
وبالتزامن، زار وفد أميركي يضم مسؤولين من وزارة الدفاع الأميركية طرابلس الثلاثاء، والتقى عدداً من القادة العسكريين في غرب البلاد، بمن فيهم الحداد، لبحث العلاقات بين الجيشين الليبي والأميركي وإمكانية تطويرها، وقد أثنى الحداد على الدور الذي تقوم به قوات “أفريكوم”، بحسب المكتب الإعلامي لرئاسة أركان الجيش بطرابلس.
وفي بيان لها، أشادت السفارة الأميركية لدى ليبيا بـ”جهود القادة العسكريين الليبيين لبناء جيش موحد، قادر على حماية الشعب الليبي، والدفاع عن سيادة البلاد، والتزام واشنطن بتعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي”، بحسب حسابها على “تويتر”.
وكانت آخر التحركات الأميركية المتصلة بقضية الأمن والجيش الليبي زيارة أجراها المبعوث الأميركي الخاص والسفير لدى ليبيا ريتشارد نورلاند إلى تشاد، التقى خلالها الرئيس التشادي، محمد ديبي، مساء الجمعة الماضي.
وفيما أعرب نورلاند عن امتنانه للرئيس التشادي حيال “ضم صوت تشاد إلى الدعم القوي للعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة في البلد المجاور ليبيا”، أكد أن “استعادة الوحدة والاستقرار والسيادة في ليبيا ستعزز الأمن الإقليمي في الأوقات الصعبة، وتضمن عدم إساءة استغلال الأراضي الليبية من قبل الأطراف ذات المصلحة لتأجيج الصراع أو زرع عدم الاستقرار في المنطقة”.
ويلفت الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية أحمد العاقل إلى أن أهمية الاجتماع العسكري في مدينة سبها تتمثل في أنها مدينة تقع في قلب الجنوب الليبي، وتزامن الاجتماع في هذا التوقيت مع ما يعيشه الجنوب الليبي من مخاوف، على وقع تهديد تداعيات الأزمة في السودان، معتبراً أن آثاره ستكون إيجابية، حتى وإن لم يتمكن من إحراز أي تقدم جديد.
ويؤكد العاقل، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن الجنوب، وإن بدا تحت سيطرة مليشيات حفتر، إلا أن قادة الجنوب باتوا على قناعة بوجوب الاتصال بمركزي الصراع في طرابلس وبنغازي، و “هم يتعاملون أمنياً وإدارياً مع الحكومتين… الجنوب في الحقيقة طرف ثالث، لكنه ليس ضمن الصراع، ولا يوالي في الواقع حفتر بشكل تام”.
ووفقاً لمصادر ليبية مقربة من لجنة (5+5)، فإن اجتماع اللجنة في سبها كان مقرراً الأسبوع الماضي، لكنه تأجل إلى الأسبوع الحالي. وقال أحد المصادر لـ”العربي الجديد” إن “بعض القادة العسكريين من جنوب وشرق وغرب البلاد، وبعض أعضاء لجنة (5+5)، تلقوا بالفعل دعوات فرنسية لعقد لقاء في باريس من دون تحديد موعد”، في إشارة إلى أن الدخول الفرنسي على خط أعمال لجنة (5+5) أربك الإعداد لاجتماع سبها.
لكن العاقل يعتقد أن تأجيل موعد اللقاء ليس له علاقة بجهود باريس فقط، “بل بالجهود الأميركية التي بدأت تنصب في اتجاه الاقتراب من ملف الجنوب الليبي، وقضية تأمين الحدود الجنوبية، وقد ربط المبعوث الأميركي في زيارته الأخيرة لتشاد بشكل صريح بين استعادة الوحدة والاستقرار، وهي مسألة لن تحصل إلا بتوحيد الجيش والحكومة، وبين استغلال الجنوب الليبي في زعزعة استقرار العمق الأفريقي”، معتبراً أن اتساع حركة مسؤولي واشنطن لتضم دولاً أفريقية كتشاد “يعني أن قضية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية باتت ملحة”.
ويرى العاقل أن استضافة روما لحفتر، وعزم باريس على استضافة قمة أمنية ليبية قريباً، لا ينفصلان عن الهدف الأميركي للتموضع قريباً من ساحة الأحداث في السودان، بهدف تطويق النفوذ الروسي فيها. وقال: “عواصم الغرب تحاول استثمار أحداث السودان لتطويق الحراك الروسي من خلال مجموعة “فاغنر” من البوابة الليبية: توحيد الجيش، وعلى الأقل إنشاء قوة مشتركة، وتوحيد السلطة من خلال الانتخابات”.
ووفقاً لرأي العاقل، فملف الانتخابات ليس منفصلاً عن مسار توحيد المؤسسة العسكرية، موضحاً أن “إقصاء الوجوه المتنفذة في المشهد الليبي لن يكون بالانتخابات فقط، بل لتوحيد المؤسسة العسكرية دور أيضاً”، لافتاً إلى أن “حفتر يسيطر على الجنوب، فلماذا إذاً تشارك مع قوى الغرب الليبي العسكرية لتكوين القوة العسكرية المشتركة؟”، مضيفاً “هذا الاشتراك العسكري للوجود في الجنوب قد يشير إلى أن واشنطن وفرنسا وإيطاليا لا تثق بحفتر وانفراده بالسيطرة على الجنوب، بسبب علاقاته الغامضة مع “فاغنر”، والقوى التشادية والسودانية”، متوقعاً أن يكون للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” دور في تعزيز سيطرة القوة المشتركة الليبية الجديدة في الجنوب الليبي.
عقبات
وفي مقابل ذلك، يتساءل الخبير الأمني السيد عبد الحفيظ عن جدوى اجتماع سبها العسكري “إذا كان الجنوب الليبي لا يشارك في عضوية هذه اللجنة ولا تمثيل له فيها”، مشيراً إلى أن “المليشيات في الجنوب تابعة لحفتر، وبالتالي اجتماع سبها مجرد دعاية إعلامية، يريد من خلاله المبعوث الأممي تسجيل نقاط إيجابية في إدارة الملف الليبي في عهده، ولهذا لن ينتج أي تقدم جديد عن اجتماع سبها”.
وعن إمكانية نجاح الاجتماعات العسكرية في توحيد المؤسسة العسكرية، عبّر عبد الحفيظ في حديثه لـ”العربي الجديد” عن اعتقاده بعدم نجاحها، موضحاً أن “قضية توحيد الجيش لا تتعلق بإدارة الداخل فقط، بل باعتبارات وحسابات خارجية، فالقاهرة استضافت اجتماعات هذه القضية ولم تنجح، وعُقدت اجتماعات أيضاً في روما، وكذلك في تونس برعاية واشنطن، وكلها لم تنجح بسبب اختلاف المصالح”.
وحول النشاط الأميركي والأوروبي الجديد المتصل بالمؤسسة العسكرية الليبية، يرى عبد الحفيظ أن الأزمة في السودان هي من فرضت هذا الحراك، معقباً “مع ذلك، تدرك تلك الدول أن قضية توحيد الجيش مستحيلة في ظل وجود القادة الحاليين، ولذا فهدفها تكوين قوة مشتركة من بعض الفصائل القوية، بهدف تأمين الجنوب فقط، ليس تخوفاً من التغول العسكري الروسي، بل ربما لخدمة أهداف استراتيجية مهددة، كالنفط الليبي الذي أصبح مهماً لهم”.
وأوضح أن توحيد المؤسسة العسكرية تعترضه العديد من العقبات، كـ”حفتر الذي لن يتنازل عن حلم قيادة الجيش، ومسألة التسليح التي تتطلب رفع حظر توريد الأسلحة عن ليبيا، وتحتاج اجتماعاً دولياً، خصوصاً أن أي أسلحة يمكن أن تتسرب إلى جماعات متطرفة، أو إلى “فاغنر”، أو أي مرتزقة آخرين”.