على ذكر إفلاس مصرف سيلكون فالي (SVB) الأمريكي، الذي تبلغ أصوله نحو 209 مليار دولار أمريكي:
* كتب/ د. محمد أبوسنينة،
لا يوجد بنك بمنأى عن الإفلاس مهما كبر حجمه، عندما تغيب الحوكمة و تتخذ الإدارة قرارات استراتيجية خاطئة، تعرض المصرف لمخاطر جسيمة تهدد ملاءته وسلامة مركزه المالي، وعندما يعجز عن تلبية طلبات أصحاب الودائع في سحب ودائعهم الجارية أو تسييل ودائعهم الزمنية.
جاء إفلاس مصرف سيلكون فالي لعدة أسباب لعلّ أهمها قيامه بشراء سندات غير مضمونة باستخدام أموال المودعين، بمبلغ كبير، تعرض على إثرها لخسائر تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى عجزه عن دفع الفوائد لأصحاب الودائع، بسبب قيام البنك الأحادي الفدرالي برفع أسعار الفائدة عدة مرات حتى لامست حاجز 5%
وبالرغم من أن انهيار مصرف سيلكون فالي، يعتبر ثاني أكبر عملية إفلاس بعد إفلاس بنك ليمان- برذرز، إبّان الأزمة المالية في عام 2008، إلا أن قطاع البنوك في الولايات المتحدة يشهد إفلاس العديد من البنوك الصغيرة بشكل مستمر.
وقد جاء إفلاس مصرف سيلكون فالي لعدة أسباب لعلّ أهمها قيامه بشراء سندات غير مضمونة باستخدام أموال المودعين، بمبلغ كبير، تعرض على إثرها لخسائر تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى عجزه عن دفع الفوائد لأصحاب الودائع، بسبب قيام البنك الأحادي الفدرالي برفع أسعار الفائدة عدة مرات حتى لامست حاجز 5%، إلا أن هناك العديد من الأسباب والعوامل الأخرى التي تؤدي إلى إفلاس المصارف وانهيارها. لهذا وضعت سياسات احترازية جزئية يجري تطبيقها في إطار الرقابة المصرفية المكتبية والميدانية التي تمارسها المصارف المركزية، تلزم المصارف التي تتلقى الودائع من الجمهور الالتزام بها، سواء كان ذلك في إطار مايعرف بمبادئ بازل (1) أو بازل (2) أو حتى بازل (3)، أو السياسات المصرفية والائتمانية التي يقرها المصرف المركزي.
هذه المبادئ تعتبر ضرورية، ولكنها لن تكون كافية في ظل الممارسات الخاطئة لإدارة المصارف، والقرارات غير المدروسة التي تتخذها، أو التهاون في تطبيق أحكام قانون المصارف. ولهذه الأسباب، يتم إلزام المصارف بإجراء اختبارات تحمل ( stress testing ) من وقت لآخر للتأكد من قدرتها على تحمل الصدمات، بإخضاع مراكزها المالية لسيناريوهات شديدة محتملة تتعلق بأوضاع ومستويات أسعار الفائدة، وأسعار الصرف، أو ما يعرف بمخاطر السوق، بالإضافة إلى نسب السيولة القانونية والاحتياطيات الإلزامية. وتتولى لجان المخاطر المنبثقة عن مجالس الإدارة في المصارف متابعة نتائج اختبارات التحمّل، وعرضها على مجالس الإدارة لاتخاذ السياسات المناسبة حيالها. كما تلزم المصارف المركزية، من خلال إدارات الرقابة على المصارف بها، المصارف التجارية بتقديم تقرير سنوي عن التقييم الداخلي لكفاءة رأس المال والحوكمة. كل ذلك، بهدف الحيلولة دون تعرض المصرف لمشاكل مالية قد تؤدي إلى تصنيفه تحت ما يعرف ب Problem Bank Resolution .
أعطى قانون المصارف الليبي عدة خيارات، يمكن لمجلس إدارة المصرف المركزي اللجوء إليها، للتعامل مع المصارف المتعثرة، فله أن يطالب المُلاّك بضخ أموال لدعم رأس مال المصرف، وله أن يقوم بدمج المصرف المتعثر في مصرف آخر. وإذا استنفد المصرف المركزي كل السبل الكفيلة بتصحيح أوضاع المصرف، فلا مناص من سحب الترخيص الممنوح له، وأن يضع يده عليه، وإعلان إفلاسه وفقا للقانون.
أمّا أن يعجز مصرف عن تكوين المخصصات المطلوبة في مواجهة محفظة ديونه المتعثرة، والمقدّرة وفقا لتقارير مراجعي حسابات المصرف، أو أن يستخدم أموال المودعين لشراء أصول ثابتة، مبالغ في قيمتها، ولا يستطيع، فيما بعد، التصرف فيها بالبيع إلا بخسارة، من خلال صفقات مشبوهة؛ أو أن يتأخر في عقد جمعيته العمومية العادية، لاعتماد حساباته الختامية لعدة سنوات متتالية بالمخالفة لأحكام القانون، أو أن يقوم كبار المودعين بسحب ودائعهم لديه دفعة واحدة لأسباب ترتبط بسمعة المصرف أو لأي سبب آخر، في حال تعرض المصرف لمخاطر التركز، أو أن لا تتواءم أصوله السائلة، أو القابلة للتسييل، مع التزاماته، أو ما يعرف ب assets – liability mismatch ، متعرضا لفجوات سيولة تراكمية، وفقا لدورية استحقاق التزاماته، بحيث يصير المصرف في حالة إعسار ( insolvent ) أو أن يكون معدل نمو ودائعه التي ترتب دفع فوائد دائنة، أكبر من معدل نمو محفظة القروض التي يمنحها المصرف مقابل حصوله على فوائد مدينة، أو أن يوظف المصرف أموال المودعين في استثمارات في شكل سندات غير مدرجة، أو غير مجدية، وذات مخاطر عالية، أو أن يقوم المصرف بتأسيس شركات أو المساهمة فيها بنسب تتجاوز السقف المسموح به وفقا للقانون، وفي هذه الحالة يؤدي إفلاس الشركة إلى إفلاس المصرف كنتيجة لمساهمته فيها – هذا المصرف، الذي يندرج تحت أي من الحالات المذكورة، يعتبر معرضا للإفلاس، وإن بدا كأنه يعمل بنجاح (يذكرني هذا الوضع بمقولة أستاذ النقود والمصارف بجامعة بنغازي، الدكتور عبد المنعم البيه رحمه الله، في سبعينيات القرن الماضي، التي كان يرددها في محاضراته “وما فتئ المصرف يعمل بنجاح حتى أفلس” للتحذير من مغبة السياسات والقرارات المصرفية الخاطئة. وعندما يقع الإفلاس، سواء بقرار من المصرف المركزي، أو بانهيار مفاجئ للمصرف يؤدي لتفليسه، تتجه الأنظار أولا إلى الرقابة المصرفية، التي تتعرض لعديد الأسئلة، للتأكد من قيامها بإحكام الرقابة على المصارف من عدمها، وإذا تبين وجود تقصير في هذا الجانب تتحمل الرقابة المصرفية مسؤوليتها عن ذلك. كما يسأل كذلك المراجعون القانونيون، للتأكد من مدى التزامهم بتقديم تقارير دورية عن الأوضاع المالية للمصرف، بالإضافة للتأكد من عدم تواطؤهم مع إدارة المصرف من خلال إظهار مراجعة الحسابات الختامية للمصرف خلافا لما هي عليه.
كما أن مجلس إدارة المصرف يعتبر المسؤول الأول المباشر عما آل إليه وضع المصرف، أمام المصرف المركزي، وأمام الجمعية العمومية، في حال ثبوت تعد أو تقصير. أمّا أن تعلم سلطة الرقابة المصرفية بمؤشرات تنذر بإفلاس أي مصرف، وتغض النظر عنها، لمختلف الأسباب، فذلك يعرضها للمساءلة القانونية، ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون. وقد يتدخل المصرف المركزي، أو الحكومة ممثلة في وزارة المالية، لإنقاذ المصرف من الإفلاس، عندما يكون المصرف كبيرا، أي يستحوذ على نسبة مهمة من أصول القطاع المصرفي، ويدير شبكة كبيرة من الفروع والوكالات، ويحتفظ بنسبة من الأموال العامة ضمن خصومه الإيداعية، ويرتب إفلاسه خسائر ومخاطر كبيرة على القطاع المصرفي برمته .
يتولى ضمان الودائع، الذي يتولى أمر المصرف الذي أفلس، ويتولى تعويض أصحاب الودائع بدفع نسبة من ودائعهم وفقا لما ينص عليه نظامه الأساسي، وبطبيعة الحال لا مجال للتعويض بنسبة 100 % من قيمة الودائع
وينطبق هذا الوضع على المصارف الكبيرة التي توصف بأنها to big to fail . لأن انهيار هذه المصارف الكبيرة يهدد بتعرض النظام المصرفي برمته لمخاطر نظامية systemic risk ، قد تدخل النشاط الاقتصادي في حالة ركود .وقد أعطى قانون المصارف الليبي عدة خيارات، يمكن لمجلس إدارة المصرف المركزي اللجوء إليها، للتعامل مع المصارف المتعثرة، فله أن يطالب المُلاّك بضخ أموال لدعم رأس مال المصرف، وله أن يقوم بدمج المصرف المتعثر في مصرف آخر. وإذا استنفد المصرف المركزي كل السبل الكفيلة بتصحيح أوضاع المصرف، فلا مناص من سحب الترخيص الممنوح له، وأن يضع يده عليه، وإعلان إفلاسه وفقا للقانون.
وإذا وقع الإفلاس أو التفليس لمختلف الأسباب، يأتي دور صندوق ضمان الودائع، الذي يتولى أمر المصرف الذي أفلس، باعتباره الوكيل عن المودعين، ويقوم بوضع يده على أصول المصرف للتصرف فيها، ويتولى تعويض أصحاب الودائع بدفع نسبة من ودائعهم وفقا لما ينص عليه نظامه الأساسي، وبطبيعة الحال لا مجال للتعويض بنسبة 100 % من قيمة الودائع.
وما يقوم به صندوق ضمان أموال المودعين يشبه إلى حد كبير ما تقوم به شركات التأمين، إلا أن وعاء التعويض يختلف في هذه الحالة، حيث يلتزم صندوق ضمان أموال المودعين بالتعويض وفقا لنظام الشرائح الذي يحدده نظامه الأساسي، وهو الإجراء المعمول به لدى كافة صناديق ضمان الودائع في مختلف دول العالم. لهذه الاعتبارات تعد سلامة النظام المصرفي أمر حيوي، ينبغي أن ينتبه إليه المصرف المركزي ويضعه على رأس سلم أولوياته، للمحافظة على مدخرات المواطنين، ودعم النشاط الاقتصادي، والمحافظة على الاستقرار المالي في الدولة، وينطبق هذا القول على جميع الدول، المتقدمة والنامية على حد سواء .