العربي الجديد-
مع تطور التقنيات التكنولوجية في مجال الصحة، تبين أن جزءاً لا يستهان به من الأمراض والإعاقات يعود سببها إلى زواج الأقارب الذي ينتشر في مجتمعات بلدان عدة بينها ليبيا التي تعيش بعض مناطقها أنماط عيش قبلية تشكل نسجيها الاجتماعي.
تؤكد الطبيبة في مستشفى طرابلس المركزي، جميلة القاضي عدم وجود أي نوع من الإحصاءات للأمراض والإعاقات المنقولة عائلياً، رغم الانتشار الواسع والواضح لآثارها السلبية.
وتقول لـ”العربي الجديد”: “لا اهتمام بنتائج هذا النوع من الزيجات على صعيد الأمراض، أو حتى بإحصاءاتها التي ستظهر بالتأكيد في حال إجراء أحدها وجود أعداد كبيرة جداً من الأمراض المنقولة من الأبوين للأبناء، والمتوارثة منذ أجيال”.
تتابع: “ليس طبيعياً أن أكشف على طفل، وأجد أنه يعاني من داء السكري، فهذا بالتأكيد نتيجة خلل جيني حدث بسبب ارتباط زوجين يكونان عادة أبناء العم، وينتميان إلى سلسلة جينية واحدة، علماً أن الأمراض المرتبطة بزواج الأقارب يزيد عددها عن عشرة، ومنها متلازمة داون وضغط الدم واضطراب التمثيل الغذائي والصرع.
ويقول مراد قرقد، أحد المتضررين من زواج الأقارب، لـ”العربي الجديد”: “عندما جاءت أختي مع زوجها لخطبة ابنتي لابنهم وجدت نفسي في موقف صعب لأنّ أعراف قبيلتي رفضت طلبهم باعتباره قطيعة أسرية تترتب عليها أضرار كثيرة”. يضيف: “سمعت مع زوجتي منذ زمن أمي وخالتي تتحدثان أنّ ابنتي البكر ستكون لابن أختي البكر، علماً أنّ أمي زوجتني ابنة خالتي، وقد عانى طفلي الثاني منذ أنهى عامه الثالث من مرض هشاشة العظام، وهو حالياً في الـ13 من العمر، ويدرس في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الإعاقات التي زادت مع تقدمه في السن”.
كذلك، يبدي مراد قلقه لمصير ابنته وابن أخته اللذين لا يزالان في مرحلة الخطوبة ولم يتزوجا، فهو بين مطرقة التقاليد المجتمعية التي تقيده مع أسرته وسندان عقله والتجربة الأليمة التي يعيشها ابنه.
وفي حديثه لـ “العربي الجديد” يطالب أستاذ علم الاجتماع عبد العزيز الأوجلي بضرورة نشر ثقافة صحية مجتمعية تحارب ظاهرة زواج الأقارب، وتحذر الناس من مخاطرها، وتدعو الشباب المقبلين على الزواج إلى إجراء تحاليل طبية تستخدم لإقناع ذويهم بالمخاطر الصحية في حال أظهرت التحاليل بيانات غير سليمة تمهيداً لتفادي نشر أي أمراض ذات أصل جيني”.
ويؤكد الأوجلي أهمية فرض السلطات الصحية إحضار بيانات التحاليل الطبية كشرط أساسي لعقد القران، ويقول: “هذا الشرط موجود لكن كثيرين من كاتبي عقود الزواج لا يتقيدون به، لذا من الضروري فرض تنفيذه والتشديد عليه ومراقبته باعتباره بين وسائل مواجهة استمرار ظاهرة الأمراض المنقولة عائلياً”.
ويسرد الأوجلي تبعات أخرى لهذا النوع من الزواج، مثل مشاكل ضياع الأولاد المرضى، “فالخلافات الأسرية والمجتمعية المرتبطة بالأمراض قد تضغط على الزوج كي يطلق زوجته فيبقى هؤلاء الأطفال بلا عائلات. وبين أضرار هذه الزيجات أيضاً تحوّلها إلى قيد يمنع الزوجين من الاقتران في حال لم ينجبا أطفالاً وتطلقا، أو إذا طلبت الزوجة الطلاق كي تبحث عن حياة مع زوج آخر إذا كان يعاني من مشكلة تمنعه من الإنجاب. يضيف: “يجب أن يتوقف الارتباط بالأقارب بالكامل، لكن هذا الأمر صعب في وقت تحارب بعض أسر ظاهرة العنوسة عبر محاولة تزويج بناتها من أبناء العمومة ستراً لهن.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الخوف من العنوسة، يدفع شباناً وشابات إلى قبول طلبات التعارف عبر مواقع التواصل مثل “فيسبوك”، في طريقة تتعارض مع تقاليد العائلات المحافظة.
وينتشر التعارف من خلال العالم الافتراضي بهدف الزواج أيضاً في شكل كبير في الأرياف والمناطق المحافظة، علماً أن باحثين اجتماعيين يؤكدون أن “المدن تسمح بحرية أكبر للتعارف في الجامعات أو غيرها، لكن هذا الخيار ليس متاحاً للفتيات في الأرياف بسبب الضغوط الاجتماعية” ويحذر هؤلاء من احتمال فشل زواج مبني على التعارف عن بعد، أو من دون غطاء مجتمعي، مؤكدين “أهمية الحاضنة الاجتماعية في بناء الأسر الجديدة، وضرورة تجنب العلاقات المتسرعة عبر العالم الافتراضي، واحتمال استغلال الفتيات بسبب مخاوفهن من العنوسة”.
ويؤكد الأوجلي: “إمكان تنفيذ خطوات أولية لوقف زواج الأقارب، بينها مقاومة الأعراف التي اعتاد المجتمع عليها. وانطلاقاً من تجربتي الشخصية، أؤكد ان ظاهرة زواج الأقارب، وتحديداً أبناء العم القريبين جداً موجودة في المدن أيضاً، ومنها طرابلس وبنغازي، وتعكس تفكيراً سلبياً من الآباء الذين يريدون الحفاظ على وحدة الأسرة، وتجنب انصهارها الطبيعي في المجتمع المدني”.