*كتب/ د. محمد أبوسنينة،
إن ما تم نشره لا يتعدى كونه أرقاما مطلقة، لسنة واحدة (2022) وغير مقارنة بالسنة التي سبقتها (2021) مما يقلّل من أهمية تحليلها، فضلا عن غياب القيم المقدّرة المستهدفة لمختلف هذه البنود الواردة بالجدول، باعتبارها أرقاما غير مبرمجة أصلاً ضمن ميزانية عامة معتمدة للدولة، وفي غياب أهداف محددة ومعلنة للإنفاق العام .
ومن ثم فان ما يقال حولها نسبي، ويحتمل الصواب والخطأ .
هذه الأرقام المنشورة، مالم توضع في إطارها الموضوعي، من حيث وجود أهداف موضوعة مسبقاً لمختلف بنود الإنفاق العام، تكون قابلة للقياس والتقييم، وبرامج مرسومة للإنفاق يمكن ملاحظة نتائجها ومتابعتها، ومعدلات نمو مستهدفة يمكن الوقوف عليها، وهذه كلها مفقودة، وهذه ليست من ضمن مهام مصرف ليبيا المركزي، فلن يتعدى التعاطي مع هذه الأرقام مجرد وصفها (أرقام كبيرة أو صغيرة) وهناك فرق بين الوصف والتحليل. في هذه الحالة لن يتفق اثنان على دلالة هذه الأرقام.
والحقيقة أن الاقتصاد الليبي يعتبر في حالة أزمة ويعاني من ركود تضخمي، ومن ثم فإن التدفقات النقدية للحكومة، ومن باب تبسيط الأمور نسميها الإنفاق العام، والذي قدّر بمبلغ 127.9 مليار دينار، هو نتيجة حتمية لسعر الصرف الذي أصبح 5 دينار للدولار الواحد، وهو سعر، في تقديرنا، غير توازني، ولا يعبر عن القوة الشرائية الحقيقية للدينار الليبي، أو حالة ميزان المدفوعات.
سعر الصرف هو الذي موّل الإنفاق العام وأوصله إلى ما وصل إليه، وكل ما تعبر عنه هذه الأرقام، بالرجوع إلى بيانات السنة المنصرمة، هو أن رقم الإنفاق العام زاد بنسبة 48% مقارنة برقم الإنفاق العام لسنة 2021م، ويتضمّن معدل تضخم يصل إلى 17٪. ونتيجة لذلك سيكون من الصعوبة بمكان إقرار ميزانية أو برنامج للإنفاق العام خلال السنة المالية 2023 بأقل من هذا الرقم. كما أنه لا يوجد ما يضمن تحقيق إيرادات بنفس المبلغ الذي تحقق خلال العام 2022 والذي قُدِّر بمبلغ 134 مليار دينار، في ظل الأوضاع التي تمر بها سوق النفط العالمية والأزمة التي يمر بها العالم اليوم.
وهذا يعني أن الاستدامة المالية غير مضمونة، وأن الفائض الذي تظهره الأرقام غير حقيقي، نظرا لوجود التزامات أخرى على الخزانة العامة لم يتم الإيفاء بها خلال السنة المالية محل الاعتبار. أمّا بالنسبة لأرقام مختلف بنود الإنفاق مثل المرتبات والدعم فهو أمر متوقع، في ظل عدم كفاءة الإنفاق العام وغياب سياسات الإصلاح الاقتصادي، ومعالجة التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني.
وبالنسبة لبند التنمية الذي قُدِّر بمبلغ 17.5 مليار دينار، يتطلب تحليله معرفة المشروعات التنموية التي كانت مستهدفة، ونسبة الإنجاز فيها، ومكان تواجدها، والالتزامات التي ترتبت عليها وهذه معلومات كلها غائبة .