العربي الجديد-
عبّر رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب الليبي، فتحي باشاغا عن مخاوفه من أن تكون عملية تسليم المواطن الليبي، أبوعجيلة مسعود المريمي، المطلوب لدى واشنطن في قضية لوكربي، قد تمت “خارج الأطر القانونية، ودون إشراف القضاء الليبي”، يأتي ذلك فيما طالب 88 عضوا من مجلس النواب، اليوم الإثنين، بدعوة مجلس النواب لعقد جلسة “طارئة” لمناقشة “اختفاء المريمي وانقطاع تواصله بعائلته”.
وفي تغريدة ليل الأحد (11 ديسمبر 2022م) على حسابه بموقع “تويتر”، اعتبر باشاغا ذلك “خرقاً قانونياً فاضحاً ومساساً بسيادة الدولة الليبية واستقلال قضائها الوطني”.
وفيما لم تصدر أية توضيحات من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس حول مصير المريمي وظروف اختفائه من طرابلس، قال باشاغا: “رفضنا للدكتاتورية والاستبداد وتطلعنا لترسيخ دعائم الديمقراطية ودولة القانون يحتمان علينا جميعاً ضرورة احترام حقوق الإنسان ومحاكمة أي متهم تحت مظلة قانونية وبإجراءات قضائية شفافة تضمن للمتهم حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه”.
وأضاف: “نحن نرفض بشدة أي شكل من أشكال الإرهاب وندعم مبدأ المحاسبة ومحاكمة كل من ارتكب جريمة مخالفة للقانون وعدم تمكين المجرمين من الإفلات من العقاب، شريطة أن يتم كل ذلك وفق أسس من الشفافية والشرعية الإجرائية والقضائية. فكل من ساهم في مخالفة القانون وانتهاك سيادة الدولة والمساس باستقلال القضاء الوطني تطاوله المسؤولية الأخلاقية والوطنية التي لن يمحوها التاريخ الوطني من الذاكرة”.
دعوة لجلسة طارئة في مجلس النواب
وفي وقت لاحق طالب 88 عضوا من مجلس النواب، بدعوة المجلس لعقد جلسة “طارئة” لمناقشة “اختفاء المريمي وانقطاع تواصله بعائلته”.
وأشار النواب الى استنادهم في مطالبة بالجلسة الطارئة إلى الأنباء المتداولة عبر وسائل الإعلام الدولية حول استلام السلطات الأميركية للمريمي لـ”التحقيق معه في قضية لوكربي”.
وأكد بيان الأعضاء أن “تسليم أي مواطن ليبي لدولة أجنبية خارج إطار القانون جريمة نكراء ومخالفة لكل الأعراف والمواثيق المحلية والدولية”، مشيرين الى أن قضية لوكربي “أقفلت بشكل قانوني كامل”، وأن “إعادة فتحها يعد تخليا عن المواثيق والعهود الدولية ويعد تعديا سافرا من الحكومة الأميركية واستغلالا سيئا للظروف التي تمر بها ليبيا”.
وفيما ذكّر البيان أن مجلس النواب سبق وأن اعتبر أن “كل من يحاول فتح ملف لوكربي مجدداً”، توجه له “تهمة الخيانة العظمى”، طالب مكتب النائب العام بـ “التحقيق” في الحادثة للكشف عن الجهة المتورطة في تسليم المريمي، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمتابعة القضية محليا وخارجيا.
من جهته، علق مستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم بوشناف، على أنباء احتجاز واشنطن للمريمي، مذكرا بنصوص الاتفاق المبرم في لندن بين السلطات الليبية والإدارة الأميركية سنة 2008.
وعبر صفحته بموقع فيسبوك اعتبر بوشناف، المريمي “أسيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية”، معلقا بالقول: “ليس لنا في هذا المقام إلا تذكير المسؤولين الأميركيين بتعهداتهم وتشريعاتهم الصادرة بالخصوص”.
وفي سياق ردود الأفعال أدان حزب تحالف القوى الوطنية تسليم المريمي للسلطات الأميركية، معتبراً أن تسليمه “انتهاك لسيادة الدولة والعهود والاتفاقات”، داعيا إلى “بناء العلاقات الليبية الدولية على أساس احترام القوانين والمواثيق الدولية، واتفاقيات تسليم المجرمين والمشتبه بهم”.
كما دعا الحزب السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى سرعة الكشف عن ملابسات الحادث بشفافية تامة، واتخاذ ما يلزم من إجراء يحفظ لليبيا سيادتها وأمنها القومي.
وفي ذات الشأن، استنكر الحزب الديمقراطي ما وصفه بــ”خطف” المريمي وتسليمه لدولة أجنبية، مؤكدا أن تسليمه “تم خارج إطار القانون”.
وحمل الحزب حكومة الوحدة الوطنية المسؤولية القانونية والأخلاقية عن ذلك، معبرا عن رفضه “أي محاولة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة أو السعي للاستمرار في السلطة عبر التفريط في السيادة الوطنية، وتوريط الدولة بفتح ملفات أقفلت سابقًا بشكل نهائي”، داعيا المؤسسات التشريعية والقضائية والأحزاب والمجتمع المدني للتكاثف واتخاذ موقف واضح من هذه التجاوزات.
وتداولت وسائل إعلام ليبية إعلامية ودولية، أمس الأحد، تأكيدا من جانب القضاء الاسكتلندي عن احتجاز المريمي في الولايات المتحدة الأميركية، من بينها قناة “ليبيا الأحرار” التي نقلت عن النيابة العام في اسكتلندا تأكيدها أنها “ستعمل مع حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لمتابعة التحقيقات”، مشيرة إلى أن هدفها “تحقيق العدالة لضحايا لوكربي”، وأشارت القناة إلى أن النيابة امتنعت عن تقديم تفاصيل أكثر بسبب التحقيقات الجارية.
وأكدت وزارة العدل الأميركية احتجاز المريمي، وقالت إنها تتوقع “أن يمثل لأول مرة أمام المحكمة الجزئية الأميركية لمنطقة كولومبيا”.
ومنذ سنة 2020، يواجه رجل المخابرات الليبية المتقاعد تهما في أميركا بتصنيع القنبلة التي أدى انفجارها لإسقاط طائرة الخطوط الأميركية “بانام” فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية عام 1988، ووفاة 270 شخصا، بينهم 190 أميركيا.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت أسرة المريمي عن اختفائه من سجنه بطرابلس في ظروف غامضة، ولقي الحدث جدلا ورفضا شعبيا ورسميا، حيث أعلن مجلسا النواب والدولة رفضهما فتح قضية لوكربي، فيما شددت وزارة العدل بحكومة الوحدة الوطنية على أن ملف لوكربي قد أقفل بالكامل من الناحيتين السياسية والقانونية، مستدلة بنص الاتفاقية التي أبرمت بين ليبيا والولايات المتحدة الأميركية سنة 2008، والتي تم تعزيزها بموجب الأمر الرئاسي من الرئيس الأميركي، جورج بوش، رقم 13477 والصادر في أغسطس 2008.
وعلى المستوى غير الرسمي، أثارت أخبار اختفاء المريمي جدلا واسعا في البلاد، وسط تنامي الشكوك حول احتمال اختطافه وتسليمه بشكل غير قانوني، ما قد يشكلّ ضغطا إضافيا على الدولة الليبية، وهي مخاوف عزّزتها تصريحات إعلامية لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش قبل عام، وقالت فيها إن “بلادها مستعدة للتعاون مع واشنطن لتسليمها مشتبها به في قضية تفجير لوكربي”، مشيرة إلى أن هناك “نتائج إيجابية آتية” في هذا الصدد.
ويحظى ملف لوكربي باهتمام الليبيين، خاصة بعد تسببه في محاصرة ليبيا اقتصاديا في تسعينيات القرن الماضي، ودفع تعويضات لأسر الضحايا بقيمة 2.7 مليار دولار.