اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. واقع “مروع” في الشرق الأوسط خلال 2022
الحرة-
تأتي الذكرى السنوية لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ظل ظروف “مروعة” ببعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان آخرها تنفيذ حكم الإعدام بحق المتظاهر الإيراني الشاب محسن شيكاري، في خطوة استنكرتها منظمة العفو الدولية.
ومن عمليات إعدام متظاهرين بإيران وواقع اللاجئين في مخيمات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وزيادة قمع المتظاهرين، وصولا إلى واقع مجتمع الميم في بلدان المنطقة، والتقارير الصادرة بشأن العمالة الأجنبية ببعض البلدان، يمكن الاستنتاج أن “قضايا حقوق الإنسان في المنطقة تنزف”، بحسب خبراء تحدث معهم موقع الحرة.
الوقائع والأرقام التي تشاركها المنظمات الدولية عن المنطقة صادمة، فمنذ بداية العام 2022 قُتل ما يقرب من 580 طفلا بسبب النزاعات والعنف في العديد من الدول في المنطقة، بمعدل يزيد عن 10 أطفال كل أسبوع، وفق ما تشير منظمة اليونيسيف.
وتشير مفوضية اللاجئين إلى وجود 103 مليون لاجئ ونازح في جميع أنحاء العالم، وقد تعهدت الحكومات بتقديم 1,13 مليار دولار لتوفير المساعدة للأشخاص الذين نزحوا من ديارهم بسبب الحرب والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، دعما لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، في عام 2023. إلى جانب التزام بقيمة 400 مليون دولار من الشركاء الوطنيين من القطاع الخاص للمفوضية، وبذلك يبلغ إجمالي المبلغ المعلن عنه 1,53 مليار دولار.
واقع مروع
وفي حين أن شعار هذه السنة ليوم حقوق الإنسان هو “الكرامة والحرية والعدالة للجميع”، وفق ما أعلن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة، اعتبر الباحث والناشط في قضايا حقوق الإنسان طه الغازي في حديث لموقع “الحرة” أن “بعض بلدان المنطقة بعيدة عن أهداف الأمم المتحدة الثلاثة”، مضيفا أنها “بحاجة إلى منظومة مجتمعية تترافق مع منظومة حكم تؤمن بالكرامة والحرية والعدالة”.
الأطفال ومخيمات النازحين
وتُقدِّر اليونيسيف أن عدد الأطفال الذين هُجّروا من منازلهم بسبب النزاعات والعنف وأزمات أخرى في العالم بلغ 36,6 مليون طفل بحلول نهاية عام 2021 وهو أعلى عدد يُسجّل منذ الحرب العالمية الثانية.
ويشمل هذا العدد 13,7 مليون طفل لاجئ وطالب لجوء وزهاء 22,8 مليون طفل مهجّر داخليا بسبب النزاعات والعنف. ولا تشمل هذه الأعداد الأطفال المهجّرين بسبب الصدمات المناخية والبيئية أو بسبب الكوارث، كما لا تشمل الأطفال الذين هُجّروا منذ بداية عام 2022، بما في ذلك من جراء الحرب في أوكرانيا، وفق ما تفيد اليونيسف.
وعلى صعيد بلدان المنطقة، أشار الباحث والناشط في مجال حقوق الإنسان أيمن سرور في حديث لموقع “الحرة” إلى “معاناة الأطفال اللاجئين في سوريا والصومال والحدود السورية- العراقية، وليبيا”، موضحا أن “العام 2022 كان سيئا جدا بالنسبة لهم”، مشددا على أن معاناة هؤلاء لا تنتهي إلا بانتهاء الصراع.
وأوضح سرور أنه “نتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا وتركيز العالم على هذا الصراع، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية، انحرفت الأنظار عن واقع النازحين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وانخفض التمويل”.
وأكد أن “أوليات التمويل الإنساني تغيرت بالنسبة للدول الكبرى الآن، واتجهت نحو أماكن جديدة، إضافة إلى أن مصادر المساعدة أصبحت محدودة”.
ولفت إلى أن “بعض دول المنطقة لا تهتم بتمويل مساعدة اللاجئين وقضية هؤلاء ليست أولوية بالنسبة لهذه الدول”.
من جهته، اعتبر الغازي أن “أزمة الأمن الغذائي ضربت دول المنطقة حيث يعاني أطفال أيضا من عدم الحصول على التعليم، والعيش بالمخيمات بظروف صعبة”، لافتا إلى أن “ظاهرتي البطالة والتسرب المدرسي وصلتا إلى مستويات مخيفة”.
وشدد على أن “المعضلة الأساسية هي في الأمن الغذائي، فحصة الطفل من الغذاء في المخيمات باتت أقل بكثير من الحدود الدنيا التي يحتاجها الطفل لبنية جسدية سليمة”، معتبرا أنه “لو وزعت المساعدات بشكل عادل لكانت كافية، إلا أن مسار التوزيع فيه خلل”.
زيادة عمليات الإعدام
حذرت منظمة العفو الدولية قبل بدء الاحتجاجات في إيران، منتصف سبتمبر، من ارتفاع “مروّع” في عمليات الإعدام، حيث قتلت السلطات ما لا يقل عن 251 شخصا في الأشهر الستة الأولى من عام 2022.
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات من دون استثناء بغض النظر عن طبيعة الجريمة أو خصائص الجاني أو الطريقة التي تستخدمها الدولة لإعدام السجين. فعقوبة الإعدام تشكل انتهاكا للحق في الحياة وأقصى أشكال العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وفق ما تقول المنظمة في بيانها.
وتطبق العديد من دول المنطقة عقوبة الإعدام، وتشير تقارير إلى زيادة في تنفيذ هذه الأحكام.
وضمن هذا الإطار اعتبر سرور أن “إنهاء العقوبات البدنية مسألة مستحيلة في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأنها تشكل جزءا من الثقافة العقابية في هذه البلدان، خصوصا لجهة الاحتكام إلى الشريعة الدينية في كثير من الأحيان”.
وربط الأمر أيضا بالاستغلال السياسي للجرائم، موضحا أن “بعض الأنظمة في المنطقة تستخدم هذه العقوبة سياسيا للتخويف من التعبير عن الرأي المخالف للنظام، والأمر لا يقتصر على الإعدام فحسب، بل بالسجن لمدة طويلة والمحاكمة بأدلة واهية”.
من جهته، قال الغازي إنه ” بالنسبة إلى التعنيف الجسدي أو النفسي وبدرجة متقدمة الإعدام، لا تزال بعض دول المنطقة تعتمد هذه العقوبات ضمن قوانينها الجنائية”، شارحا أنه “لشطب هذه العقوبة من القوانين يجب تغيير نظرة المجتمع إلى قانون العقوبات، لتصبح نظرة تأهيلية للمحكوم عليه”.
الحق بالتظاهر وأنظمة المنطقة
لإظهار التهديد العالمي المتصاعد الذي يُداهم الحق في التظاهر، وفي ضوء ارتباطها بالحملة العالمية الجديدة لمنظمة العفو الدولية، “لنحمِ التظاهر”، أشارت المنظمة إلى أن حملة “لنكتب من أجل الحقوق” تناضل لعام 2022 من أجل 13 شخصا دفعوا ثمنا باهظا بسبب المُجاهَرة بآرائهم.
وتشمل حملة هذا العام، وفق البيان، محامية من هونغ كونغ سُجنت بسبب تشجيع أشخاص على إضاءة الشموع إحياء لذكرى ضحايا القمع في ميدان تيانانمن، ورجلا إيرانيا سُجِن وتعرَّض للتعذيب بسبب تظاهره سلميا احتجاجا على انعدام المساواة والقمع السياسي واحتُجز رهن الحبس الانفرادي لأكثر من عامين، وثلاث ناشطات من زيمبابوي تَعَرَّضن للاختطاف والضرب والاعتداء الجنسي وسُجنّ بسبب نشاطهن.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: “أينما نظرتم حول العالم، ستَرَون أن الحق في التظاهر يتعرَّض للهجوم؛ فعلى مدى الأشهر الـ12 الماضية فقط، شهدنا، من إيران إلى كوبا وبلدان أخرى، مجموعة كبيرة من التحركات الاحتجاجية التي قوبلت باستجابات قمعية من قبل الحكومات، لذا، من المناسب تماما أن يعلن النشطاء في إطار حملة (لِنَكتُب من أجل الحقوق) لعام 2022 تضامنهم مع أولئك الذين يدفعون ثمنا باهظا بسبب مُجاهَرتهم بآرائهم”.
وضمن هذا الإطار، اعتبر سرور أنه “إذا أرادت السلطات الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تتبنى قضايا حقوق الإنسان وتطبق هذه الحقوق فيها فهي لديها القدرة وتستطيع ذلك. لكن الإرادة السياسية غائبة في غالبية دول المنطقة”.
من جهته، يشدد الغازي على أن “قمع التظاهرات في سوريا ولبنان ودول أخرى مجاورة، هو امتداد لنظام الحكم الإيراني وسيطرته على دول في المنطقة”، معتبرا أنه “في ظل إمداد النظام الإيراني إلى دول في المنطقة يصعب العمل على تثبيت قضايا حقوق الإنسان في هذه الأماكن”.
حقوق مجتمع الميم
تؤكد منظمة الأمم المتحدة على أن حقوق النساء ومجتمع الميم ليست مميزة أو جديدة في إشارة إلى أنها من صلب قضايا حقوق الإنسان.
وأوضح سرور أن “قضايا حقوق الإنسان لا تتجزأ، فإذا ترسخت حقوق الإنسان في دولة معينة، لا يمكن أن تأتي من دون حقوق مجتمع الميم والإجهاض وحقوق المرأة، لأنه لا يمكن الانتقاء من الحقوق ما يرغبه مجتمع معين”.
وأكد سرور أن ما يعوق التقدم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على صعيد هذه الحقوق، هي المراجع الدنيا التي تحكم في بعض دول المنطقة.
من جهته، أوضح الناشط في حقوق مجتمع الميم، جورج قزي، في حديث لموقع “الحرة” أن “أفراد مجتمع الميم الذين يطالبون بحقوقهم هم أبناء المنطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليست أي جهة أخرى أجنبية، والمثليين موجودين في كل البلدان العربية”، سائلا: “لماذا لا يعتبرون من خصوصية المنطقة؟”.
واعتبر أنه “لو بقيت دول العالم على خصوصياتها القديمة لما حصل أي تطور في المنطقة، ففي أوروبا كانت المثلية الجنسية جرما، لكن هناك من ناضل وغير القوانين”.
ولفت إلى أن “القوانين يجب أن تتغير كي يتقدم المجتمع. والإنسان أهم من الثقافة والعادات الموروثة، ولا يجب أن ننسى أن العبودية كانت ضمن ثقافتنا وعاداتنا الإقطاعية وتخلينا عنها”.
وأشار قزي إلى أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أسوأ منطقة للمثليين بالعالم، فكل البلدان تجرم فيها المثلية الجنسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فمثلا مصر والأردن لا يوجد فيهما قانونا يجرم المثلية الجنسية، لكنها هذه الممارسة تجرّم بموجب قانون الأخلاق العامة”.
وقال إن “هناك 6 بلدان تعدم المثليين، لذلك منطقة الشرق الأوسط هي من أسوأ وأخطر المناطق بالنسبة لحقوقهم”.
وختم أن “هناك نحو 16 جمعية في الدول العربية تدفع بقضية مجتمع الميم لذلك، (..)، ومن الدول التي حققت تقدما على هذا الصعيد، المغرب وتونس ولبنان والأردن، وحتى في العراق يحكى أكثر عن تغيير القوانين بطريقة تحترم حقوق الإنسان”.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن “الاحتفال بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعيد إلى الحياة الخبرات الشخصية للنشطاء الذين يقومون بذلك بالتحديد، من خلال العمل في مجتمعاتهم المحلية ومكافحة هذه التفاوتات في قضايا حقوقية مختلفة مثل حقوق مجتمع الميم، والبيئة وتغير المناخ، وحقوق المرأة وحقوق ذوي الإعاقة والحق في التعليم. كما يسلّط الاحتفال بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الضوء على التقدم المحرز في هذا المجال وكيف أثّرت المفوضيّة في هذا العمل. إنّ الدعوة إلى العمل ضمن إطار الاحتفال بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي (قوموا ودافعوا عن حقوق الإنسان)”.
وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، نتيجة لما اختبره العالم في الحرب العالمية الثانية.
وتألفت لجنة حقوق الإنسان من 18 عضوا يمثلون شتى الخلفيات السياسية والثقافية والدينية. وقد قامت إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت برئاسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واشترك معها رينيه كاسين من فرنسا، الذي وضع المشروع الأولي للإعلان، ومقرر اللجنة، وشارل مالك من لبنان، ونائب رئيسة اللجنة بونغ شونغ شانغ من الصين، وجون همفري من كندا، ومدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أعد مخطط الإعلان.