الحرة-
أثارت استقالة وزير الصحة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، علي الزناتي، تساؤلات حول مصير العملية السياسية في البلاد، بعد أن حكومة عبد الحميد الدبيبة، بـ”المنتهية ولايته”.
الزناتي، كان محل مساءلة قانونية إثر الاشتباه في تورطه في قضايا فساد، قبل أن تتم تبرئته ويطلب منه العودة لمنصبه، لكنه آثر الاستقالة وقدم خطابا مثيرا، وفقا لما يراه متابعون.
وفي شهر يناير الماضي، أصدر مكتب النائب العام أمرا بحبس الزناتي ونائبه سمير كوكو، احتياطيا، بسبب تهم تتعلق بقيامهما بأعمال توريد وحدات إنتاج الأوكسجين بنسبة زيادة في السعر وصلت إلى 1000% من سعر بيع السوق، والتعاقد بطريق التكليف المباشر مع شركة أسست بتاريخ أغسطس 2021، على الرغم من عدم توافرها على الملاءة المالية والخبرة الكافية لتنفيذ الأعمال المتعاقد عليها، بحسب بيان مكتب النائب العام في ليبيا، نقلت فحواه وقتها وكالات الأنباء.
بعد تبرئته، ظهر الزناتي في مقطع فيديو تداولته وسائل إعلام محلية، معلنا استقالته مما وصفه بـ “الحكومة المنتهية ولايتها” بينما شكر القضاء “النزيه” وفق تعبيره.
الزناتي قال إن مرحلة التوافقات السياسية والوحدة الوطنية انتهت، رغم كونه من أوائل الداعمين لها، وفق تعبيره.
وفي خلفية المكتب الذي كان يجلس عليه لدى إعلان استقالته، لفت متابعون لصورة المشير خليفة حفتر، كدليل على استمرار الانقسام بين الليبيين والتشظي الذي تعرفه الساحة السياسية رغم مساعي تنظيم الانتخابات التي يؤيدها المجتمع الدولي.
وخليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق، يسير في منحى معاكس لخط حكومة الوحدة الوطنية، ووجود صورته في خلفية مكتب الزناتي له دلالات عديدة، وفق متابعين.
ومن أهم ما أثار الانتباه في خطاب الزناتي قوله إن حكومة الدبيبة انتهت ولايتها وفقًا لاتفاق جنيف السياسي وقرارات السلطات التشريعية، وأن ليبيا تعاني من عودة الانقسام السياسي الحاد وانتهاء مرحلة التوافقات السياسية والوحدة الوطنية.
“كنت في مقدمة صفوف حكومة الوحدة كوزير للصحة حتى اتجهت الأمور للانقسام والتشظي” يؤكد الزناتي قبل أن يضيف “شاركت في حكومة الوحدة لاعتقادي أنها مرحلة مهمة وحكومة تمثل كل الليبيين تحتم علينا المشاركة”.
“استقالة لا تقدم ولا تؤخر“
يرى المحلل الليبي المقيم في لندن، عبد الله الكبير، أن مقطع الفيديو الذي سجل وفقه في مدينة بنغازي، وآثار الكدمات في عين الزناتي التي لفت إليها حتى معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد أن الرجل بصدد التعبير عن غضبه من حكومة الوحدة الوطنية التي لم تسانده خلال مساءلته، مؤكدا في المقابل أن “حركته لا تعني أي شيء” وفق تعبيره.
وفي حديث لموقع الحرة، لفت الكبير إلى أنه بينما يلوم الزناتي الحكومة لعدم مساندته، يؤكد أنه لم يكن بإمكانها تقديم يد المساعدة له حيث كان محل متابعة قضائية، وأن أي حركة من الحكومة غير الحياد الذي أظهرته “كانت ستمس بمصداقية التحقيق والقضاء”.
لكنه تساءل في المقابل عن سر انتقال الزناتي لمعسكر حفتر المناوئ لحكومة الوحدة الوطنية واصفا استقالته بكونها “لا تقدم ولا تؤخر، حيث جاءت في زحمة من الأحداث”.
في المقابل لفت الكبير إلى أن الغضب الشعبي العارم الذي جاء بسبب التسويف الذي يمارسه المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بخصوص الانتخابات، هو الذي يهم الساحة الليبية أكثر من أي شيء آخر.
وقال الكبير: “الاستقالة لن تؤثر في حكومة الوحدة الوطنية التي ستستمر في عملها حتى إجراء الانتخابات”.
وكان يفترض بالانتخابات الرئاسية، التي لم تحصل، أن تكون تتمة لعملية سياسية انتقالية رعتها الأمم المتحدة على أمل أن تليها انتخابات تشريعية ترسي الديمقراطية والاستقرار.
وتعذر إجراؤها في موعدها المقرر، بسبب عقبات أمنية وسياسية وقضائية شكلت “قوة قاهرة” منعت من إقامتها، بحسب المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا.
وهذه الانتخابات تبقى الهدف الأساسي للعملية السياسية في ليبيا وهي نفسها التي أثارت الانقسام في المشهد العام الذي يتسم بوجود حكومتين.
ويوجد في ليبيا حكومتان متنافستان، الأولى في طرابلس وجاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام برئاسة الدبيبة الرافض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عينها البرلمان في فبراير الماضي ومنحها الثقة في مارس، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقراً موقتاً لها، بعد منعها من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
مستجدات
من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، أحمد المهدوي أن استقالة الزناتي تحمل دلالات عديدة، منها ما هو شخصي، ومنها ما يؤشر على مستجدات المشهد الليبي عموما، ووضع حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة، على وجه التحديد.
وفي حديث لموقع الحرة، أوضح المهدوي أن الزناتي، بتقديمه استقالته، حاول أن يقفز من المركب قبل أن يغرق.
وأشار المهدوي إلى أن تصريحات الزناتي ليست هي من تؤشر على نهاية حكومة الوحدة الوطنية، وفق تصوره، “بل الواقع على الأرض يقول إن حكومة الدبيبة انتهت ولايتها منذ فشلها في تنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر الماضي”.
ولفت ذات المتحدث إلى أن انتهاء ولاية حكومة الدبيبة يأتي بموجب استنفاد التواريخ السياسية التي حددها اتفاق جنيف.
وبموجب اتفاق جنيف، انتهت في 22 يونيو الماضي، صلاحية خريطة الطريق التي جاءت بحكومة الدبيبة قبل عام ونصف.
في السياق، يشير المهدوي إلى أن الوزير المستقيل، أقدم على الخروج من حكومة الدبيبة، لأنه يعلم أن هناك اتجاها جديدا أملته توافقات دولية حديثة، يقضي بضرورة وجود حكومة موحدة أخرى غير التي يقودها الدبيبة.
وقال: “الزناتي يعلم جيدا أن هناك اتجاه جديد يقوده المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، ويحظى بتأييد العديد من الدول” ثم أردف “الدبيبة بدأ يخسر حلفاءه على الساحة الدولية، ولا سيما تركيا” مشيرا إلى أن ذلك نتيجة “تغير في خارطة التحالفات الدولية”.
المهدوي لفت إلى أن تصريح رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الذي قال فيه إن من جاء “باتفاق سياسي يخرج باتفاق سياسي” يتوج هذه التغيرات ويوحي بأن نهاية حكومة الوحدة الوطنية قريب.
ولدى تعيين المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، جددت الأمم المتحدة سعيها للوساطة بين الحكومتين المتنافستين على السلطة، للتوصل إلى إطار دستوري يسمح بإجراء انتخابات.
ودعا مجلس الأمن شهر أكتوبر، جميع الأطراف المعنية إلى “الاتفاق على خريطة طريق للسماح بإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن في جميع أنحاء البلاد”، بهدف تشكيل “حكومة موحدة”.
وتبقى أبرز التحديات لاستقرار البلد هو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كانت مقررة في ديسمبر 2021 ثم تأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات قوية على أساسها الدستوري.