العربي الجديد-
تطرح اللقاءات الأخيرة التي تجمع، في العاصمة المصرية القاهرة، بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، أسئلة حول مصير حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبدالحميد الدبيبة، الذي لا يزال يتمسك بالسلطة ويرفض التسليم للحكومة المكلفة من النواب، برئاسة فتحي باشاغا.
وشرع صالح والمشري، منذ الثلاثاء (29 نوفمبر 2022م)، في لقاءات يرعاها المبعوث الأممي الجديد، عبدالله باثيلي، وتستضيفها القاهرة، وفقا لتأكيد عضو مجلس النواب وعضو اللجنة الدستورية المشتركة، الهادي الصغير.
وتأتي أهمية هذه اللقاءات بعد تصاعد الخلاف بين المشري والدبيبة، واتهامات من جانب المشري للدبيبة بعرقلة عقد المجلس الأعلى للدولة جلسة كانت من المقرر أن تنظر في ملف السلطة التنفيذية، كما أن هذه اللقاءات تأتي لمتابعة اللقاءات السابقة بين صالح والمشري، وآخرها في المغرب، التي جرى خلالها التأكيد على عزمهما مواصلة جهودهما لحسم ملفي المناصب السيادية والسلطة التنفيذية.
ويتساءل متابعة عن “ما هي صيغة التوافق التي يمكن أن يصل إليها المشري وصالح بشأن السلطة التنفيذية، خصوصا مع استمرار تحفّظ المشري حيال حكومة باشاغا؟ وهل ستتجه الأوضاع نحو تشكيل حكومة ثالثة تكون بديلا عن التشظي الحكومي الذي تجاوز التسعة أشهر حتى الآن؟”.
ورغم تأكيده على تمسّك مجلس النواب بالحكومة المكلفة منه برئاسة باشاغا، إلا أن الصغير لم ينف “احتمال أن تسير المفاوضات نحو حكومة جديدة”، وفق تصريحه لـ”العربي الجديد”.
ومن اللافت أن تصريحات صالح خلت، في الآونة الأخيرة، من ذكره لحكومة باشاغا، في وقت شدد فيه من هجومه على الدبيبة، مستمرا في رفضه بقاء حكومته في المشهد، وآخرها تصريح للصحافيين في القاهرة، الاثنين الماضي، في ملمح قد يشير إلى بداية انطفاء وهج حكومة باشاغا، والتفكير في مدخل جديد، بحكومة جديدة.
ومن اللافت أيضا أن المشري، الطرف الثاني في لقاءات القاهرة الحالية، سبق وأن تحدث في العديد من المناسبات عن أهمية تشكيل حكومة ثالثة بديلا عن الحكومتين الحاليتين لإنهاء الأزمة الحكومية، خاصة مع وجود إشارات لرغبة المشري في تقلد منصب تنفيذي، بحسب تصريح سابق أدلى به عضو مجلس الدولة، إدريس أبو فايد، لـ”العربي الجديد”.
ورغم التعتيم الإعلامي على لقاء صالح والمشري في القاهرة، إلا أن الصغير كشف، لـ”العربي الجديد”، عن محاوره الثلاثة الرئيسية: “المناصب السيادية، وتوحيد شامل للسلطة التنفيذية، وملف القاعدة الدستورية”.
وحول ملف السلطة التنفيذية، أشار الصغير إلى تطور جديد فيه، يتمثل في إمكانية أن يناقش صالح والمشري أيضا “تشكيل مجلس رئاسي جديد”، كون المجلس الرئاسي يعد النصف الثاني للسلطة التنفيذية مع حكومة الدبيبة، وهو تطور لم يسبق أن تطرقت الأطراف السياسية إليه، في حين ركزت على وضع الحكومة فقط.
ونتج المجلس الرئاسي الحالي ورئيس حكومة الوحدة “كقائمة واحدة” عن اتفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف وتونس، والذي نص على أن مدة ولايتهما كسلطة تنفيذية تمتد إلى 18 شهرا، يتم خلالها إجراء الانتخابات، والتسليم للسلطة المنتخبة.
ويتكون المجلس الرئاسي من محمد المنفي رئيسا، وموسى الكوني وعبد الله اللافي كنائبين، وقد حاول طيلة سنتين انتهاج سياسة وسطية بين الأطراف، والنأي عن الخلافات السياسية، الأمر الذي أبعده، وفق أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد، عن واقعية المشهد الليبي، ودفع إلى إهمال المجتمع الدولي تصريحات المنفي التي ألمح فيها أكثر من مرة إلى عزمه إصدار قاعدة دستورية للانتخابات وفرضها بقوة القانون.
وتعليقا على التطور الجديد في ملف السلطة التنفيذية، لا يستبعد الحداد أن “ينشأ خلال المدة القادمة حلف جديد بين المجلس الرئاسي والدبيبة، في حال أصبح مصير مغادرتهما المشهد مشتركا”، موضحا أن “المجلس الرئاسي لم يتنحَّ عن السلطة ولم يبين موقفه حيال الجدل الذي صاحب أجل انتهاء خارطة الطريق في يونيو الماضي، ما قد يدل على تشبثه بالسلطة أيضا، أو أقله التماهي مع رغبات الدبيبة في الاستمرارية، لكن بشكل غير معلن”.
وإذا ما توافق صالح والمشري على مجلس رئاسي جديد، فليس أمام المنفي وشركائه في المجلس الرئاسي إلا أحد خيارين، وفق ما يذهب إليه الحداد في حديثه لـ”العربي الجديد”: “الأول التحالف مع الدبيبة، وهذا يعني مزيدا من تعقيد الخلاف الحكومي، ويعني أيضا تقوية شوكة الدبيبة، خصوصا وأن المنفي له ظهيره القبلي في شرق البلاد”، والثاني “تسليم السلطة وإحراج الدبيبة ودفعه للتسليم”.
وفيما يبدو ردا على لقاءات صالح والمشري غير المعلنة، أكد الدبيبة، في كلمة له أمس، على هامش لقائه مع عدد من النشطاء في مؤتمر مدني لدعم الانتخابات في طرابلس، رفضه لما وصفه بـ”الصفقات المشبوهة”، دون أن يبينها، وشدد على أن أي حوار “يجب أن يكون وطنيا”، وقال: “أي حوار لا يقود إلى إنهاء المراحل الحالية هو حوار غير مقبول”.
وأكد الدبيبة على استعداده لـ”التواصل مع الجميع، وتجاوز كل الخلافات، وتقبل أي مبادرة تفضي إلى الانتخابات”، وهي تصريحات قد تعكس ما يدور في لقاءات صالح والمشري واتجاهها نحو تشكيل سلطة تنفيذية جديدة وشاملة.
وفيما يبدو أن التقارب بين صالح والمشري يهدف إلى تضييق الخيارات أمام الدبيبة، يعلق الحداد بأنه “من السابق لأوانه القول بذلك، فنحن شهدنا اليوم اتجاه الدبيبة إلى تونس بشكل عاجل فيما يبدو، إذ قبل أيام صرح بأن زيارته ستكون عقب زيارة نظيرته التونسية لطرابلس؛ لكن تقديمها قد يعكس عجلة لدى الدبيبة في تقوية أذرعه في المغرب العربي وضمان موقف تونسي يعزز الموقف الجزائري الداعم لبقائه في السلطة، والهدف خلق توازن عربي مغاربي يوازي الثقل المصري في الضفة الأخرى”.
من زاوية أخرى، يرى الناشط السياسي خميس الرابطي أن مسار تغيير السلطة التنفيذية والملفات الأخرى لا يزال أمامها الكثير، ولن يتم حسمها بسهولة، شارحًا ذلك في حديثه لـ”العربي الجديد” بأنه “محليا لن يترتب الكثير على تفاهمات صالح والمشري في ظل انقسام المواقف بين أعضاء مجلس النواب، وكذلك مجلس الدولة، وخارجيا فالتفاهمات المصرية التركية في الملف الليبي لا تزال غير واضحة، وهما طرفان لهما ثقلهما الكبير”، لافتا إلى أن اصطحاب الدبيبة لمحافظ البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة معه إلى تونس، وهما أهم شخصيتين في المناصب السياسية، “رسالة واضحة لرفض أي تغيير في ملف المناصب السيادية”.