العربي الجديد-
يكشف تحقيق “العربي الجديد” الاستقصائي عن تفاصيل حسابات بنكية مملوكة لرجل أعمال ليبي كان مقربا من القذافي، وساهم في الترويج لنظامه بأميركا، ثم بدل معسكره بعد الثورة، وصولا إلى تأييد حفتر ومن ثم الترشح للرئاسة.
– في عالم السياسة الليبية المضطرب، أثبت رجل الأعمال الليبي حسن طاطاناكي قدرته على استغلال التحولات المختلفة، إذ أمضت أسرته أعواما في مصر بعد تأميم ممتلكاتها في السبعينيات، لكن بحلول التسعينيات تمكن من استئناف أعماله في ليبيا. وبعدما مول حملات الترويج لنظام القذافي في الولايات المتحدة، غيّر معسكره حين اندلعت الثورة، وانحاز لاحقا إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي نوفمبر 2021، تصاعد طموحه معلنا عن رغبته في الترشح لرئاسة ليبيا.
ويكشف التحقيق أن طاطاناكي كانت لديه ثمانية حسابات في بنك “كريدي سويس” السويسري، بلغت قيمة أكبرها نحو 530 مليون فرنك سويسري في 2010، بحسب بيانات من مشروع “أسرار سويسرية” الصحافي الدولي، والذي يعتمد على تسريبات من البنك السويسري تشمل أكثر من 18 ألف حساب، تلقتها صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، وشاركتها مع مؤسسة “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP “.
ويصف مُسرب البيانات قوانين السرية المصرفية السويسرية بأنها “غير أخلاقية”، معتبراً أنها تسمح بالفساد وحرمان الدول النامية من إيراداتها.
وبينما رفض بنك كريدي سويس التعليق على أسئلة محددة بشأن طاطاناكي، قال إنه “يرفض بشدة المزاعم والاستدلالات بشأن الممارسات المزعومة للبنك”، مضيفا أنها “تستند إلى معلومات جزئية وانتقائية”.
سنوات الترويج للقذافي
عادت أنشطة حسن طاطاناكي الاقتصادية إلى ليبيا عام 1991، ليؤسس مع شقيقيّه شركة “تشالينجر ليميتيد” المختصة بحفر آبار النفط، والمسجلة في جزيرة آيل أوف مان، الملاذ الضريبي التابع للتاج البريطاني، بحسب ما تكشفه وثائق تسجيل الشركة بالسجل التجاري للجزيرة، وعملت الشركة في ذات العام في حقل السرير النفطي عبر تعاقد مع شركة الخليج العربي للنفط المملوكة للدولة الليبية.
بعدها بعام، وتحديدا في مارس 1992، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على ليبيا بسبب واقعة تفجير طائرة فوق لوكيربي في اسكتلندا، وفي الشهر نفسه، بدأ حسن طاطاناكي مهمة تنظيم أنشطة الضغط السياسي “اللوبينغ”.
وقع طاطاناكي عقداً مدته عام مع شركة GBM Consulting Ltd، والتي يملكها العضوان السابقان بالكونغرس الأميركي، ديفيد بوين وجون ميرفي، لتعمل على “تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وليبيا”، وفي المقابل، يدفع طاطاناكي نحو 3 ملايين دولار عبر أقساط، بحسب وثائق من قاعدة بيانات “تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)” المنشورة على موقع وزارة العدل الأميركية.
وجاء في الصفحة 5 من العقد التي تحمل توقيع طاطاناكي وبوين وميرفي بعد اجتماعهم في المغرب بتاريخ 26 مارس 1992، أن: “شركة جي بي إم جروب ستتعامل مع حسن طاطانكي بوصفه مسؤول الارتباط/الاتصال، بشأن كل أوجه التعاون”.
في عام 1993، حُكم بإدانة مالكي الشركة الأميركية GBM Consulting Ltd، النائبان السابقان بوين وميرفي، لانتهاكهما العقوبات الدولية على ليبيا، ودفعا غرامات مدنية بقيمة 30 ألف دولار.
وعلى الرغم من نشر الخبر في وسائط إعلام دولية، فإن تعاملات طاطاناكي استمرت مع “كريدي سويس”، وتحديدا عبر ثلاثة حسابات أنشئت بين عامي 1988 و1991، ثم قام بفتح حساب رابع في 1999، رغم أن البنوك تتحمل مسؤولية فحص “العملاء السياسيين” أو ذوي “المخاطر العالية”، وذلك عبر متطلبين أساسيين، أولهما التأكد من مصدر ثروة العميل بشكل عام، وثانيهما التأكد من أن الأموال المودعة في البنك جاءت من مصدر شرعي وحُوّلت بطريقة شرعية، كما يوضح جراهام بارو، مستشار مكافحة الجرائم المالية في المملكة المتحدة.
وانتقد بارو نهج بنك كريدي سويس الذي اعتمد على قوانين السرية المصرفية السويسرية، مشيراً إلى أنه كان يجب منح دور أكبر لدائرة الامتثال بالبنك لفحص العملاء ذوي المخاطر، مضيفاً: “علينا التخلص من توجيه اللوم دائمًا إلى الدول الفاسدة فقط، لأنها لن تكون فاسدة إذا لم تسهل البنوك في الغرب الفساد. إنها علاقة تكافلية”.
لكن طاطانكي يعلق على ما سبق قائلا: “لم تكن لدي أي علاقة شخصية بالقذافي، ولم أعمل لصالحه”، مؤكداً أن أنشطته تلك كانت قانونية، ولم تهدف للترويج له ولكن “لمساعدة الشعب الليبي، الذي كان يتحمل الأضرار الأكبر للعقوبات”.
لكن مصدرين ليبيين، كانا على صلة بأسرة طاطاناكي أثناء إقامته في مصر، قالا لـ”العربي الجديد” إنه نسج علاقات شخصية بأسرة القذافي، وكان ينظم أنشطة ترفيهية وفنية للمعتصم بالله نجل القذافي.
بعدها، وفي عام 2003 عقب الغزو الأميركي للعراق، قرر القذافي تطبيع علاقاته مع الغرب، وسلم برنامجه النووي، وبدأ التعاون في قضية لوكيربي، لترفع الأمم المتحدة العقوبات، ويعود طاطاناكي إلى الواجهة.
وقال رجل أعمال ليبي مقيم في دولة غربية أن طاطاناكي تواصل معه في تلك الفترة لدعوته للعودة إلى المساهمة في الإصلاحات التي يقودها سيف القذافي.
امتدت صلات طاطاناكي الأميركية إلى عالم الفن، إذ دعا روبرت دي نيرو وميريل ستريب إلى جولة في مدينة قورينا القديمة في عام 2005.
بعدها بعامين، أُعلن عن مشاركة طاطاناكي في تمويل مشروع حكومي كبير في عام 2007، تحت إشراف سيف، الذي تناول تفاصيل المشروع في خطاب ألقاه في سبتمبر من العام ذاته، مشيرا إلى أنه سيحول مدينة قورينا القديمة في منطقة الجبل الأخضر إلى “مركز للسياحة البيئية”.
ومباشرة بعد الإعلان عن المشروع بثلاثة أشهر، وقع طاطاناكي عقدا جديدا للضغط السياسي بالولايات المتحدة مع شركة “براون لويد جيمس”، في يناير 2008، مقابل 35 ألف دولار شهريا، بالإضافة إلى تغطية التكاليف، نظير خدمات تشمل تسهيل التواصل مع السياسيين، و”مساعدة جهود سيف في تنظيم برامج التبادل الطلابي والبحثي” بحسب وثائق فارا.
لاحقاً، أفصحت الشركة عن مساعدتها في تنظيم زيارة القذافي إلى نيويورك عام 2009 لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، (حين مزق نسخة من الميثاق الأممي)، وتلقت الشركة 1.25 مليون دولار من ميزانية البعثة الليبية، وفق وثائق فارا، لكن طاطاناكي نفى أي علاقة له برحلة القذافي إلى نيويورك.
جوازات سفر متعددة
منح الرئيس المصري الراحل أنور السادات أسرة طاطاناكي جوازات سفر مصرية، وقال مصدر ليبي على صلة بالأسرة لـ”العربي الجديد” إن علاقتها تعمقت بالسلطات المصرية، بعد صلة نسب مع أسرة المشير أبوغزالة في الثمانينيات، حين تزوج نجله بابنة رجل الأعمال الليبي حسن سفراكس، قريب أسرة طاطاناكي من جهة الأم.
وتكشف برقية رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2003، نشرها موقع ويكيليكس، عن استلام طلب تأشيرة من طاطاناكي للسفر إلى الولايات المتحدة مع وفد من الإمارات العربية المتحدة.
وحسب البرقية، قدم طاطاناكي جواز سفر برازيلي، وقال أيضاً إنه يحمل جوازات سفر ليبية ومصرية وتركية، لكن السلطات الأميركية وجدت أن جواز السفر البرازيلي “مزور”، وكذلك لا يوجد سجل للجواز التركي.
حمل طاطاناكي جوازات سفر متعددة وحظي بعلاقات عربية مؤثرة
كما أشارت البرقية إلى أن طاطاناكي فقد في بغداد جواز سفر دبلوماسي إماراتي في 2001، وأن تلك الحالة “توضح استمرار المشاكل المرتبطة بإصدار جوازات سفر إماراتية لغير الإماراتيين”.
وفي حديثه لفريق التحقيق، أكد طاطاناكي صحة معلومة عن أنه كان يحمل جوازات سفر من هذه الدول، وأضاف أنه حمل لمدة جواز سفر سودانيا، لكنه نفى أن يكون أي من جوازاته مزورا. وقال إنه حصل على تلك الجوازات بهدف تسهيل السفر لممارسة أعماله.
أين ذهبت أموال الأردن؟
انشغل الرأي العام الأردني والكويتي، في عام 2004، بأنباء كشف تفاصيل منحة نفطية، كان الكويت قد اتفق على تقديمها للأردن، وتقدر المنحة بـ 25 ألف برميل من النفط يومياً لمدة عام، للمساعدة في تعويض غياب النفط العراقي بعد الغزو الأميركي.
ونشر البرلماني الكويتي أحمد السعدون، في يونيو من العام ذاته، مراسلات بين وزير النفط الكويتي ورئيس الوزراء الأردني، كشفت أن المملكة لن تستخدم النفط مباشرة، بل سيباع في الأسواق الدولية، وفسر مسؤولون أردنيون لاحقا هذا الإجراء بأن نوع النفط الخام الكويتي أثقل مما يمكن تكريره في الأردن.
لكن الوثائق والمراسلات التي تضمنها استجواب البرلماني السعدون، كشفت أن قيمة النفط لن تودع في البنك المركزي الأردني، بل سيجرى تحويلها إلى الحساب الأميركي لشركة تسمى “فري ماركت بتروليوم”، وهنا يظهر اسم طاطاناكي، إذ طلب رئيس الوزراء الأردني آنذاك فيصل الفايز من الوزير الكويتي استقبال وفد من تلك الشركة يرأسه حسن طاطاناكي لإتمام الاتفاق.
وباعتبار أن سعر النفط وقتها كان نحو 30 دولاراً للبرميل، فإن قيمة المنحة تبلغ نحو 273 مليون دولار. وقتها قال النائب مسلم البراك في تصريحات صحافية نشرتها وسائط محلية: “هل يعقل أن تصبح مؤسسة البترول وسيطا لبيع النفط للأردن وتحويل مبالغ المنحة لصاحب شركة تركي؟ (يقصد طاطاناكي)”.
ورغم أن مراسلة أخرى بتاريخ 20 إبريل من الأمين العام لمجلس الوزراء الكويتي إلى وزير الطاقة الكويتي أظهرت موافقة المجلس على الطلب الأردني، فإن مراسلة ثالثة بتاريخ 2 مايو من العضو المنتدب للتسويق بالوكالة في مؤسسة البترول الكويتية موجهة إلى وزير الطاقة قالت: “نود أن نفيد معاليكم بأن الاقتراح الذي ورد في كتاب معالي دولة رئيس وزراء الأردن والخاص بالاتفاق مع الشركة المذكورة في كتابه أعلاه، سيثير كثيرا من التساؤلات والتأويلات التي ستكون لها آثار عكسية وسلبية. وعليه، نقترح أن يتم تحويل العائدات المالية مباشرة الى البنك المركزي الأردني”.
وطلب أعضاء في البرلمان الأردني من حكومة الفايز معرفة سبب تحويل قيمة المنحة إلى شركة خاصة، ثم تلاشت الأخبار، من دون تفسير واضح، من الوسائط الإعلامية في البلدين.
وعلق وزير المالية الأردني وقتها محمود أبو حمور، في تصريح مقتضب لوكالة الأنباء الرسمية، قائلا: “عائدات بيع أي شحنة نفط تقدم للأردن، ولا يمكن تكريرها في مصفاة البترول الاردنية، ستحول إلى البنك المركزي الأردني الذي يقوم بدوره بتحويلها الى الخزينة العامة”.
لكن طاطاناكي أخبر معدي التحقيق أن الصفقة كانت تهدف للمساعدة في بيع النفط لصالح الأردن، وأنها لم تكتمل قط. وتابع: “لم أكلف نفسي عناء الرد على هذه الاتهامات غير المبررة”، مشيراَ إلى أن الشركة في النهاية كانت “مضيعة للمال” لأنه لم يتم تنفيذ صفقات فعلية.
ورغم تلك الأنباء التي تستدعي تفعيل عمل دائرة الامتثال بحسب مصادر التحقيق، استمرت تعاملات طاطاناكي مع “كريدي سويس”، وفتح حسابين عام 2006، كما فتح حساب آخر في 2009 مع اثنين من أقاربه.
وتم إغلاق العديد من حسابات طاطاناكي في بنك كريدي سويس عام 2012، لكن حسابين اثنين على الأقل بقيا مفتوحين خلال العقد الأخير، حسب بيانات مشروع “أسرار سويسرية”.
من عمان إلى كراكاس
على الجانب الآخر من الكرة الارضية، أثارت تعاملات “فري ماركت بتروليوم” ذات الجدل، بسبب صفقة بيع نفط نيابة عن شركة النفط الفنزويلية الحكومية بتروليوس دي فنزويلا PDVSA، وبموجب اتفاق مدته ثلاث سنوات تم توقيعه في يناير عام 2003، كان من المقرر أن تبيع الشركة 50 ألف برميل يومياً إلى احتياطي النفط الاستراتيجي الأميركي، بإجمالي 54 مليون برميل.
وأثار الاتفاق، الذي تبلغ قيمته نحو مليار دولار، شكوك معارضين فنزويليين وسياسيين أميركيين لأسباب منها أن شركة النفط الحكومية الفنزويلية تتعامل عادة مباشرة مع المشترين، وليس عبر وسطاء، فضلاً عن أنه لم يكن لدى شركة “فري ماركت” سجل أعمال سابق.
أيضاً تظهر مسودة العقد المسربة عبر معارضين فنزويليين أن “فري ماركت بتروليوم” ستحصل على النفط بسعر يقل 2.50 دولار للبرميل عن السعر الخاص بالشركة الحكومية الفنزويلية، كما ينص بند في العقد على حقها في بيع النفط لمشترين آخرين غير الاحتياطي الأميركي بعد موافقة الشركة الفنزويلية.
كان الممثل الفنزويلي في الصفقة وزير الطاقة الأسبق رافائيل راميريز، الذي وجد تحقيق بالكونغرس عام 2016 أنه مسؤول عن فساد ومخالفات بلغت نحو 11 مليار دولار.
وجذبت الصفقة الانتباه أيضًا بسبب تورط جاك كيمب، وزير الإسكان بإدارة الرئيس بوش الأب، الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس مع المرشح الرئاسي الجمهوري بوب دول عام 1996. وأظهر العقد اسم كيمب ممثلاً لشركة “فري ماركت”، مع المحامي الأميركي ويليام هيكمان، ورجل الأعمال الفنزويلي أرتورو سارمينتو.
ومرة ثانية، نفى طاطانكي وجود أي مخالفات في الصفقة التي قال إنها لم تنفذ قط، مضيفاً أن فنزويلا لم تكن وقتها تحت العقوبات.
لكن العقد لا يبدو قانونيًا بموجب قانون النفط الفنزويلي (وقتها)، إذ “نصت المادة 57 من قانون المواد الهيدروكربونية في فنزويلا -الذي أقرته حكومة هوغو تشافيز، على أن شركة Petroleos de Venezuela (PDVSA) والشركات التابعة لها فقط، هي التي يمكنها تسويق النفط الخام الفنزويلي … لم يتم تعديل القانون، ويمكن الطعن في العقد- أمام محكمة فنزويلية”.
من يملك “السوق الحرة للبترول”؟
سجلت شركة Free Market Petroleum في ولاية ديلاور الأميركية، المعروفة بالحفاظ على سرية بيانات الشركات (الأوفشور)، في سبتمبر 2002.
ظهر الشركاء الأربعة، حسن طاطاناكي وكيمب وهيكمان وسارمينتو، مساهمين في شركة بريطانية ثانية تحمل اسما مشابهاً، Freemarket Global UK Ltd، تأسست في أكتوبر 2003، كما يظهر معهم أيضاً حاتم فخر، مدير شركة “تشالنجر” النفطية المملوكة لأسرة طاطاناكي، وهو نجل اللواء أحمد فخر، مدير أكاديمية ناصر العسكرية سابقا، ورئيس المجلس المحلي للقاهرة ممثلا عن الحزب الوطني الحاكم بين عامي 2007 و2011.
وكشفت وثائق من تسريب “أوراق الجنة Paradise Papers”، منشورة على قاعدة بيانات آي سي آي جي، أن ذات الأشخاص الخمسة يملكون شركة ثالثة في برمودا، الملاذ الضريبي التابع للتاج البريطاني، اسمها FreeMarket Petroleum Limited ، سُجلت عام 2003، وهذه المرة يظهر معهم شريك آخر هو جمال علي عبد الله سند السويدي، الذي كان يتولى منصب المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي عمل مستشارا سياسيا لرئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وقتما كان نائبا لولي عهد أبو ظبي.
ومن جانبه، نفى جمال السويدي أي علم له بذلك، وقال لفريق التحقيق: “أنا أسمع اسم هذه الشركة للمرة الأولى في حياتي”.
لكن حاتم فخر قال إن جمال السويدي كان مديراً بالفعل، لكنه لم يكن يحضر الاجتماعات أو يساهم بأي عمل، خاصة أنه في ذلك الوقت كان يعاني من المرض، مشيراً إلى أن سبب إدراجه هو حاجة الشركة إلى الحصول على المصداقية وثقة السياسي الأميركي جاك كيمب الذي كان متشككا، وتم حل ذلك عبر شركة حكومية إماراتية رشحت السويدي.
واتفق فخر مع وصف طاطاناكي للمشروع بأنه كان خاسرا، مضيفاً أن طاطاناكي دفع 25 مليون دولار ميزانية للشركة، لكن تم إنفاق أغلبها خلال العام الأول في صورة رواتب ضخمة وتكاليف سفر للمديرين من دون بدء تنفيذ أي عقود، فقرر طاطاناكي وقف أعمال الشركة.
تغيرات ما بعد الثورة الليبية
سرعان ما غير طاطاناكي معسكره، بعد الربيع العربي في عام 2011 وبدء ثورة 17 فبراير الليبية، إذ دشن مؤسسة خيرية تسمى “ليبيا الحرة”. ونقلت صحيفة “ذا هيل” الأميركية عن عمر خليفة، الذي جرى تقديمه باعتباره ممثلا عن المؤسسة، أنها أنفقت نحو 20 مليون دولار على مساعدات للشعب الليبي، وساهمت بمائة طن من الغذاء والماء للاجئين في جميع أنحاء البلاد.
وفي أكتوبر 2011، عاد طاطاناكي إلى تعاقدات الضغط السياسي، وهذه المرة وقعت مؤسسة “ليبيا الحرة” اتفاقا مع شركة “فرانكلين بارتنرشيب” الأميركية بغرض التعريف بمشاريعها التي تشمل تطوير البنية التحتية، و”علاج الجرحى الليبيين في مصر وتونس”، وذلك مقابل 15 ألف دولار شهريا، بحسب وثائق فارا.
أيضا، أطلق طاطاناكي قناة تلفزيونية تحمل اسم “ليبيا أولاً” تبث من القاهرة. لم تكن هذه أول استثماراته الإعلامية، فقد أطلق عام 2009 قناة “أزهري” بالشراكة مع الداعية المصري خالد الجندي، ورغم تحول طاطاناكي إلى تأييد الثورة، طلبت السلطات الليبية الجديدة من الإنتربول إدراجه على القائمة الحمراء بتهمة الاحتيال، وهو ما تم في ديسمبر 2012، وبعدها جرى حذفه من القائمة.
ذكرت مصادر ليبية محلية وقتها أن سبب الحذف هو ضغط “المجلس العسكري للزنتان” الذي دعمه طاطاناكي خلال الثورة، لكن طاطاناكي نفى ذلك، وقال إن ما حدث كانت نتيجة استهداف شخصي من مسؤول ليبي، وإنه تم توضيح موقفه خلال أسبوع فقط بعد أن قدم المستندات ذات الصلة.
ومع استمرار الحرب، أظهر طاطاناكي دعمه لخليفة حفتر، الجنرال المتقاعد الذي شن حملة عسكرية في مايو 2014 ضد الإسلاميين في بنغازي، وهو ما تطور إلى تمرد ضد الحكومة المعترف بها دوليا، وانقسمت البلاد إلى قسمين.
في مقابلة أجراها طاطاناكي مع مجلة “فورين بوليسي”، وصف نفسه بأنه “شريك” لحفتر، وقال إنه اقترح نقل البرلمان الليبي إلى مدينة طبرق بالمنطقة الشرقية، وإنه ساهم في تغطية تكاليف ذلك، كما أشار إلى تواصله مع قادة مليشيا الزنتان.
لكن طاطاناكي نفى لفريق التحقيق دعمه حفتر، وقال إنه دعم حملة “فجر ليبيا” في أيامها الأولى بهدف وقف تهديد المليشيات الإسلامية وإعادة بناء المؤسسات الليبية. يؤكد طاطاناكي: “لم أدعم حفتر على الإطلاق. لقد دعمت إنشاء جيش قوي ومستقر”.
العلاقة مع أوكامبو
في السنوات التالية، تردد اسم طاطاناكي مرتبطاً باسم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، بحسب الوثائق التي حصلت عليها صحيفة ميديابارت الفرنسية، وجرى تحليلها من قبل منظمة التعاون الاستقصائي الأوروبي (EIC)، ومشاركتها مع “مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود”، وقع طاطانكي مع أوكامبو عام 2015 عقداً للعمل استشارياً مع مؤسسته “العدالة أولا” لمدة 3 سنوات مقابل 3 ملايين دولار. تم إنهاء العقد مبكرا، وتلقى أوكامبو تحويلاً واحداً بقيمة 750 ألف دولار.
بحسب رسائل إلكترونية مسربة، فإن أوكامبو تجاهل علامات على وجود ارتباطات يحتمل أن تكون مريبة، وتشير العديد من الرسائل الإلكترونية إلى العلاقة مع حفتر ومؤيديه الإقليميين في ذلك الوقت بشكل واضح. وفي إحداها، قال عمر خليفة، الموظف في مؤسسة طاطاناكي، لأوكامبو، إنه كان يجتمع مع “أجهزة أمنية” مصرية، وإن “حسن على اتصال برئيس جهاز المخابرات العامة المصرية”.
وفي مايو 2015، ظهر قائد عسكري موالٍ لحفتر على قناة ليبيا أولاً المملوكة لطاطاناكي، وقال إن أولئك الذين لم ينضموا إلى حفتر سيتم “ذبحهم” و”اغتصاب نسائهم أمام أعينهم”. بعد أيام قليلة، تواصل أوكامبو مع عمر خليفة لتقديم المشورة له حول كيفية حماية طاطاناكي من أي ملاحقات قضائية ذات صلة بذلك.
ارتبطت القناة بواقعة أخرى في ذات الشهر، إذ ظهر عليها زعيم قبلي من طبرق مهدداً بأنه إذا لم يستقل رئيس الوزراء آنذاك عبد الله الثني، فسوف “يحطم رأسه”. وحاول مسلحون اغتيال الثني في طبرق بعد فترة وجيزة. ورداً على سؤالنا حول الحادث، قال طاطاناكي إنه لا يتذكر ذلك الظهور التلفزيوني، إلا أنه يعتقد أن عبد الله الثني هو من لفق محاولة اغتياله. وأغلقت قناة ليبيا أولا في نهاية عام 2015 من دون إعلان الأسباب.
من جانبه، نفى أوكامبو ارتكاب أي مخالفات. وقال لـ OCCRP: “لا توجد أي أخطاء للحديث حولها، طلب المواطن الليبي حسن طاطاناكي نصيحتي حول كيف يمكن للعدالة الدولية أن تساعد في إنهاء العنف في بلاده”. وقال أوكامبو إنه قد تعرض للاختراق الإلكتروني وسط صراع بين دول الخليج يشمل ليبيا، وتم استخدام المعلومات لشن “هجوم لا أساس له على سمعة طاطاناكي ونزاهتي والمحكمة الجنائية الدولية”.
ليبيون في “أسرار سويسرية“
اشتمل تسريب بيانات “كريدي سويس” على أكثر من 1500 حساب امتلكها ليبيون، بعضهم من أشهر رجال السياسة والمال.
أحد أبرز الأسماء هو علي الدبيبة، ابن عم رئيس الوزراء المعترف به دوليا عبدالحميد الدبيبة. ورغم أنه محسوب على الجبهة السياسية المناوئة لمعسكر طاطاناكي، إلا أن مسيرة كليهما تتشابه في العديد من المراحل، ومنها إدراج اسم الدبيبة عام 2014 في قائمة المطلوبين دوليا من الانتربول بتهم اختلاس أموال عامة وغسيل أموال، قبل أن يُحذف اسمه لاحقا، بالضبط كما حدث مع طاطانكي.
وأظهرت بيانات “أسرار سويسرية” امتلاك علي الدبيبة ونجله إبراهيم حسابات في “كريدي سويس”، بلغت قيمة أعلى رصيد فيها 19 مليون فرنك سويسري، وذلك لحساب باسم إبراهيم الدبيبة وشركة “كولد هاربور” من كوستاريكا.
وتعود العديد من الحسابات الليبية الأخرى إلى عصر القذافي، بعضها لأفراد مثل خالد، نجل الخويلدي الحميدي، رفيق القذافي في انقلابه على الملك السنوسي، ووزير الداخلية الليبي الأسبق، وبعضها امتلكتها مؤسسات ليبية حكومية.
ويعود أبرز حسابات المؤسسات الليبية إلى الشركة الليبية للاستثمار الأجنبي LAFICO، وبلغ الحد الأقصى لرصيد ذلك الحساب 422 مليون فرنك سويسري، أي نحو نصف مليار دولار في عام 2007. وتم نقل أموال ذلك الحساب لجهة مجهولة وإغلاقه في يونيو 2010، وهو توقيت قريب من وصول حساب طاطاناكي ذو الرصيد الأكبر إلى ذروته في يناير 2010.
طموح رئاسي
أقر طاطاناكي في حديثه لفريق التحقيق بامتلاكه حسابات في بنك كريدي سويس، إلا أنه نفى حمل أحدها مبلغا يناهز نصف مليار دولار، مؤكدا أنه لم ينتهك أي قانون.
وبينما أعلن طاطاناكي، في أواخر العام الماضي، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي كان من المفترض أن تجرى في ديسمبر 2021، وصلت طائرته إلى مطار معيتيقة في طرابلس، ولأسباب غير واضحة، جرى احتجازه مدة وجيزة، ولكن سرعان ما أطلق سراحه، وقُبل طلبه وأُدرج اسمه ضمن قائمة المرشحين الرسمية.
وأدت جولة أخرى من التدهور السياسي والانقسام إلى تأجيل الانتخابات مرة أخرى، غير أن طاطاناكي يؤكد بأنه لا يزال ينوي الترشح للرئاسة.