5 أزمات داخلية وإقليمية تحاصر القاهرة
العربي الجديد-
يجد النظام المصري نفسه أمام 5 أزمات سياسية على المستويين المحلي والإقليمي، تتراوح بين الضغوط الاقتصادية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع فاتورة الدين الخارجي، وبين أخرى أمنية وسياسية وإقليمية، أبرزها أزمة نقص المياه المحتملة الناتجة عن سد النهضة الإثيوبي، والأوضاع غير المستقرة التي تغرق بها دولتا الجوار، ليبيا والسودان، والتي تهدد استقرار مصر.
واضطرت الحكومة المصرية، أول من أمس الأربعاء لرفع أسعار المحروقات بنسبة قاربت الـ 20 في المائة، بالإضافة للمساس بسعر السولار الذي يتحكم في أسعار الكثير من السلع الغذائية واحتياجات المواطنين اليومية، حيث يعد الوقود الأساسي المستخدم في سيارات النقل.
وتجنبت الحكومة المصرية المساس بأسعار السولار خلال المراجعات الدولية لأسعار الوقود، منذ 2019، نظراً لحساسية تلك الخطوة، التي قد تتسبب في غضب شعبي كبير. وأجلت الحكومة المصرية خلال المراجعات الدورية، في إبريل الماضي، المساس بأسعار الوقود بزيادة كبيرة، مفضلة زيادة 25 قرشاً فقط على أسعار البنزين، دون المساس بسعر السولار، على أمل تحسن الأوضاع قبل المراجعة الدورية التالية.
أزمة عدم القدرة على تثبيت سعر السولار
ورأى مسؤول حكومي مصري، في حديث خاص مع “العربي الجديد”، أن الحكومة “أجلت زيادة السولار خلال المراجعة الماضية، في ظل تقارير أمنية، حذرت من مغبة تلك الخطوة، وظناً أن الأوضاع قد تتحسن بعض الشيء في ربع السنة التالي”.
وشدد على أنه “في ظل تآكل الاحتياطي النقدي بسبب توجيه للدفع مقابل الاحتياجات الآنية من الغذاء والوقود، لم يعد ممكنا تثبيت الأسعار أو إقرار زيادة قدرها 25 قرشاً فقط”.
وأوضح أن “اضطرار الحكومة إلى اللجوء لخطوة زيادة أسعار السولار من جهة، وتجاوز الزيادة في باقي المنتجات حاجز ربع الجنيه، جاءت بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي”. وأشار إلى أنه “كانت هناك آراء بين الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس، رافضة لشكل الزيادة الجديد التي أعلن عنها صباح الأربعاء” الماضي.
أزمة ملء إثيوبيا سد النهضة
وتزامنت هذه التطورات مع بدء اثيوبيا في الملء الثالث لسد النهضة، من دون التوصل لاتفاق نهائي مع مصر والسودان بشأن عمليتي الملء والتشغيل، ضاربة عرض الحائط بالمطالبات المصرية، في ظل الحديث عن كمية هي الأكبر من تلك التي حجزتها أديس أبابا في الملأين الأول والثاني، ما قد يعرض القاهرة لأزمة، بسبب ضبابية المشهد، خاصة وأن أديس أبابا لم تقدم معلومات بشأن أي من عمليات الملء.
وكشفت صور مأخوذة عبر الأقمار الصناعية أخيراً عن بدء أديس أبابا عملية الملء الثالث لخزان سد النهضة مطلع يوليو الحالي، لتخزين نحو 13 مليار متر مكعب من المياه، فيما يواجه النظام المصري انتقادات لاذعة على المستوى المحلي بشأن الصمت المطبق، تجاه مواصلة الحكومة الإثيوبية عمليات البناء والتشغيل في السد دون مراعاة المخاوف المصرية، أمام عجز حقيقي في المياه اللازمة للاحتياجات اليومية للمصريين.
وبدت مصر مستسلمة أمام إثيوبيا، على كافة المستويات، في ظل لجوئها لبعض القوى الدولية للتدخل للضغط على أديس أبابا، من دون أي تحركات أخرى.
من جانبه، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي إن “هناك أضراراً متعددة لقيام إثيوبيا ببدء الملء الثالث لسد النهضة”. وأضاف، في منشور على حسابه بموقع “فيسبوك”، أن “أضرار التخزين الثالث متعددة، وهناك فرق بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن، وعدم وجود أضرار على الإطلاق”.
وتابع: “تقوم الدولة على ترشيد الاستهلاك، وإنفاق عشرات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه، وتبطين الترع وغيرها حتى تحافظ على احتياطي مائي جيد في السد العالي، يضمن الأمن المائي للمواطنين”. وقال: “تنقسم أضرار التخزين المائي في إثيوبيا إلى مائية واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية”.
في مقابل ذلك، قال مصدر دبلوماسي مصري، لـ”العربي الجديد”، إن “جهود القاهرة الأخيرة على المستوى الدولي لم تسفر عن جديد، ولم تتلق القاهرة ردوداً إيجابية بشأن الضغط على إثيوبيا قبل عملية الملء الثالث”.
وأضاف أن “أفضل الردود جاءت من دولتين أوروبيتين، وكانت بشأن لعب وساطة جديدة عقب انتهاء إثيوبيا من الملء الثالث، مطالبتين مصر بتحمل الأعباء والآثار السلبية حال وجودها لحين الشروع في وساطة جديدة”.
أزمة “الحوار الوطني” في مصر
أما ثالث الأزمات على المستوى الداخلي، التي جاءت متزامنة، فهي الأزمة المتعلقة بـ”الحوار الوطني”، وعدم تحقيق الصدى المطلوب منه، خاصة بعدما فشلت بعض الترتيبات المتعلقة بإشراك بعض المعارضين في الخارج، أو إقناع قيادات إخوانية بالمشاركة في الحوار، بعد إبداء الاعتراف بشرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي و”30 يونيو”.
وتتضمن الأزمة غضب شركاء “معسكر 30 يونيو” الذين وجدوا أنفسهم في حرج بالغ، بعدما تراجع النظام عن وعوده بإطلاق سراح أعداد كبيرة من النشطاء وسجناء الرأي، فيما لم تتجاوز الأعداد الحقيقية للحاصلين على عفو رئاسي من المحكومين نحو 10 نشطاء، ولم يتجاوز عدد المخلى سبيلهم بقرار من النائب العام، حدود الـ200.
مصر وأزمتا السودان وليبيا
وعلى المستوى الإقليمي، فوجئ النظام المصري بتطورات متصاعدة على حدوده الجنوبية في السودان، والغربية في ليبيا، وهو ما أثار مخاوف بشأن أمن الشريطين الحدوديين في الغرب والجنوب، بخلاف تأثير الأوضاع في السودان بشكل مباشر على ملف أزمة سد النهضة.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بادر، أخيراً، بلقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي اتخذ قراراً مفاجئاً بحل مجلس السيادة وتحويله لمجلس أعلى للقوات المسلحة، دون الأخذ بالنصيحة المصرية بإرجاء تلك الخطوة لحين ترتيب أوراق المشهد.
بموازاة ذلك خلطت التظاهرات الشعبية التي شهدتها ليبيا أوراق اللعبة في البلد المأزوم، لتضع القاهرة في مأزق بالغ، حيث باتت مطالبة بترتيب أكثر من جبهة، بما يضمن مصالحها، بعدما كانت تركز على محور واحد فقط، متعلق بدعم الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني.
وأكد مصدر مصري خاص، لـ”العربي الجديد”، أن “الوضع الحالي في غاية الصعوبة”، لافتاً إلى أن “ما يفاقم التداعيات، الأزمة الاقتصادية التي تعيق حرية الحركة المصرية في كافة الملفات، في ظل حاجاتها على المستوى الداخلي، والانصياع لمطالب صندوق النقد الدولي للحصول على القرض محل التفاوض مع الصندوق”.
وقال المصدر إن “السيسي بنفسه عبر عن قلقه في اجتماعات خاصة بالمطالب المقدمة من الصندوق”، مشدداً على أن “هناك إدراكاً حقيقياً لدى القيادة السياسية بشأن الوضع في الشارع، وحالة السخط العام بسبب الأزمة الاقتصادية وزيادة الأعباء على المواطنين”. وأضاف أن “هناك تعويلاً كبيراً على قرض الصندوق، الذي سيصل لنحو 12 مليار دولار”.
وأشار المصدر إلى أنه “على صعيد أزمات الجوار، فإن رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، طلب من مسؤول سوداني رفيع، خلال اتصال هاتفي هذا الأسبوع، ترتيب زيارة لوفد من الجهاز لبحث مجموعة من الترتيبات والتنسيق بشأن الفترة المقبلة على صعيد أزمة سد النهضة، والوضع الحدودي”.