* كتب/ هشام الشلوي
“وإذا مرّ بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنّك الخشوع أو التخاشع على أن تصعّر خدّك وتعرض بوجهك فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزّور والكذب وأكل لحوم الناس بالغيب” ابن قتيبة … عيون الأخبار
ترتعد فرائص بعضنا عند قراءة أي نوع أدبي به مواقف جنسية، ويظن أي يتيقن أن تلك ساحة للجهاد في سبيل القيم والأخلاق والذب عن قيم المجتمع العليا.
لكن ذلك الظن أي اليقين يصطدم بنصوص آبائنا الأولين من كتب ومعاجم، ممن ألفوا مدونات الأدب الكبرى التي حققها ونشرها المستشرقون والعرب على حد سواء، وهي نصوص لا تخلو من أسماء الأعضاء عند العرب ومواقفهم مع الغلمان والغانيات.
ستثور في بلدنا هذه الأيام عاصفة بشأن رواية الروائي الليبي محمد النعاس “خبز على طاولة الخال ميلاد”، لما ورد فيها من ألفاظ ومواقف جنسية، رأيت بعضا منها ولم أقرأ الرواية كاملة، وذلك لأني أجذل منذ زمن بالرواية الغربية المترجمة خاصة الإنجليزية والفرنسية والألمانية منها، والروسية زمن القياصرة.
وليس لدي أي تحفظ على الرواية العربية، كوني لست من محبيها أو الساعين إلىها. لكني أتابع كغيري ما يثور أحيانا في بلادنا الضيقة الليبية الأدبية أو العربية الأم عن بعض الأعمال الأدبية.
وفي ظني أن أدباء عصرنا يدورون بين صنفين؛ أحدهما يسعى للشهرة السريعة بفجاجة وإقحام للموقف الجنسي، وأن روايته وحكايته وقصته كلها تدور في فلك الإشهار لا غير، وصنف يرى أنه جزء من حياة أبطاله ومجتمعهم فيوردها إيراد الفطن بالمواضع، الحكيم بالمواقع في سبك وحسن صياغة، فتمر على القارئ دون أن تحفز شهواته أو توقظ دفائن قاذوراته.
وربما نحا بعض مدعي الأدب وفنونه إلى الإيغال في الجنس طلبا للجوء سياسي في بلد أوروبي، كما يسعى بعض المثليين إلى الإفصاح عن ميلهم طلبا لهذا اللجوء.
ولست بصدد إصدار حكم على رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” وتقييم عمل لم أقرأ منه إلا شذرا لا يصلح البتة للإفتاء والإدلاء بالرأي، وإلا كنت مصطفا في طابور من الكاذبين أوله بين السدين ولا يعلم أحد منتهاه.
كما أن ما نخوض فيه ليس محلا قابلا للتشنج أو العصبية بقدر ما هو بحاجة للتتثقف الذي يزرع الروية وينأى بالمرء عن التحكم في الرأي المذموم عقلا.
هل يشك أحدنا في دين أبو حيان التوحيدي صاحب كتاب البصائر والذخائر أو ابن قتيبة صاحب عيون الأخبار أو غيرهم من واضعي المدونات الأدبية الكبرى؟
تزخر كتب آبائنا العظام بمثل هذه القصص والحكايات لا لأنهم فاحشون أو يسعون لهدم أركان الفضيلة في الأمة، بل جاؤوا بها لأنهم صادقون مع أنفسهم ومجتمعاتهم التي عاشوا فيها، فلم يجملوا حياة الأمراء والشعراء وعامة الناس، بل كشفوا عما فيها من خير بدرجاته وشر بأنواعه، وقدموا صورة قلمية عن معايش الناس وأحوالهم.