* كتب/ د. محمد ابوسنينة
تجميد إيرادات النفط ولو مؤقتا، سواء كان في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط لدى المصرف الليبي الخارجي، أو في حسابات بالخارج، بحجة البحث عن آلية مناسبة للتصرف في الإيرادات، لا يختلف من حيث الأثر على مستوى الاقتصاد الكلي عن إيقاف إنتاج وتصدير النفط الخام..
بل إن له مضار وآثار سلبية أخرى لم يدركها السياسيون وفريق العمل الاقتصادي الدولي، أو غضوا عنها النظر، ومنها حرمان مصرف ليبيا المركزي من دعم احتياطياته وتنمية موارده من خلال استثمار هذه الأموال وفقا لأساليب إدارة الاحتياطيات، بل هو المدخل لاستنزاف الاحتياطيات، وحرمانه من إمكانية دعم استقرار سعر صرف الدينار الليبي، بالإضافة إلى تعريض هذه الإيرادات لدى المصرف الليبي الخارجي للمخاطر المصرفية التي يمكن أن تتعرض لها الأموال. وبقاء هذه الأموال مجمدة في حسابات لديه، يرتب في حد ذاته نوعا من المخاطر على المصرف الليبي الخارجي، عندما يحرم من إمكانية استخدام أموال يحتفظ بها في حساباته، لفترة زمنية طويلة هو مسؤول عنها (مخاطر الاحتفاظ) لأن هذه الأموال تعتبر جزءا من خصومه الإيداعية، ولا يمكن فصلها عن مركزه المالي، والتي عليه الالتزام حيالها بمتطلبات الرقابة المصرفية الاحترازية .
ولذلك فإن المستفيد الوحيد من استمرار تصدير النفط، في ظل تجميد إيراداته، هو الاقتصاد العالمي. والأدهى من كل هذا (وهو الغائب عمن يتحججون بضرورة وضع آلية لإنفاق إيرادات النفط قبل الإفراج عن هذه الأموال الساخنة) هو أن إنفاق إيرادات النفط المتراكمة حاليا إجراء مستمر، ولن يتوقف طالما هناك حكومة وإنفاق عام يجري تنفيذه، سواء عن طريق ميزانية عامة معتمدة أو من خلال ترتيب دين عام محلى، ولكل تبعاته ومساوئه، وطالما ظل النفط المورد الوحيد للدخل.
كما أنه في ظل الانقسام والانسداد السياسي القائم، ولا يبدو أن الاتفاق على آلية للتصرف في إيرادات النفط، ترضي الجميع، هو مطلب في متناول اليد، ولطالما عرض هذا الموضوع وتم تناوله في مختلف الاجتماعات المحلية والدولية ولكن دون جدوى، الأمر الذي يعني أن هذا الإجراء المؤقت المتعلق بتجميد إيرادات النفط قد يطول لفترة من الزمن على حساب مصالح الاقتصاد الليبي المتأزم، والذي يحتاج لكل دولار يرد إليه، وقد صار يفتقر لأبسط مقومات النمو ..