وال-
تتجه أنظار العالم هذه الأيام نحو الأزمة التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا والتوترات الحاصلة في المنطقة إثر الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية والتي تنذر بوقوع أزمات اقتصادية في العالم أجمع، خاصة في مجالات الأمن الغذائي حيث تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في ارتفاع أسعار الحبوب عالمياً، ما آثار مخاوف بتداعيات كبيرة على الدول المستوردة ومن بينها ليبيا التي تعتمد بشكل كبير على استيراد غذائها من الخارج وخاصة الحبوب وسلعة الدقيق.
– روسيا وأوكرانيا مصدر أساسي للمواد الغذائية
وبقراءة بسيطة يمكن رصد الدور التنافسي الذي تلعبه أوكرانيا مع روسيا كمصدر أساسي للمواد الغذائية الأساسية (حبوب، زيوت، لحوم) لعدد كبير من الدول العربية، التي تعتمد على واردات القمح عبر البحر الأسود، حيث تعتمد دول عربية كثيرة من بينها ليبيا، على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، وهي في عمومها دول تعاني من أزمات معيشية قد تزيد معاناة شعوبها جراء ارتفاعات محتملة في أسعار القمح، نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمي.
وتمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو (30) في المائة من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك ما يتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل الذرة والزيوت النباتية، وتعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم وروسيا في المرتبة الأولى، الأمر الذي يجعل التجار يخشون أن تؤثر الحرب الحالية على حركة الحبوب، وتدفع المستوردين للبحث عن بدائل للإمدادات القادمة من منطقة البحر الأسود.
– العزوف عن زراعة القمح والشعير في ليبيا
فليبيا بعد تعدد الأزمات التي مرت بها، وما تعانيه منذ سنوات من موجة الجفاف وقلة الامطار الآمر الذي أدى لتدني المحاصيل الزراعية، ناهيك عن عزوف الكثير من المزارعين في المناطق الجنوبية عن زراعة القمح والشعير، نظراً لغياب الدعم الحكومي والحرب المستمرة وانقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى عدم شراء محاصيلهم من قبل القطاع العام أو الخاص، بحسب رئيس جمعية مزارعي فزان “عثمان الطاهر” حيث وصل إنتاج ليبيا من القمح والشعير خلال العام الماضي إلى (100) ألف طن، فيما يصل الاستهلاك المحلي فيها إلى نحو(1.26) مليون طن سنويا .
ولمعرفة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على استيراد ليبيا “للقمح”، حاورت وكالة الأنباء الليبية ــ الأستاذة المتعاونة في كلية الاقتصاد بجامعة بنغازي والمهتمة بالشأن الاقتصادي “أميرة صالح فليلفل” حيث أوضحت أن جميع الدول ستشهد تأثيرات على الوضع الاقتصادي، خاصة وأن الطرفين (روسيا – أوكرانيا) لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، مما يعني أن العالم سيواجه إشكاليات في سلال الإمدادات سواء الجوية، أو البحرية، أو البرية، وهذا سينعكس على حجم السلع الغذائية المتداولة في العالم، إضافة إلى ارتفاع فواتير شركات التأمين على البضائع مما سينعكس على الأسعار، وسنشهد موجة من ارتفاع السلع، بخاصة في منطقة الخليج العربي التي تعتمد على استيراد غالبية السلع من الخارج.
– ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين
ورأت الخبيرة الاقتصادية إن الأزمة الحقيقية لليبيا ستكون في الشحن وليس التوريد، لأن ظروف الحرب سترفع تكاليف الشحن والتأمين في ظل ارتفاع المخاطر، حتى وإن تفادت ليبيا نقص إمدادات القمح، سيكون اﻷثر المباشر للحرب الروسية- الأوكرانية هو ارتفاع قيمة فاتورة الدعم بالملايين وربما مليارات الجنيهات.
وتابعت فليفل: يمكن أن تستورد ليبيا القمح من (أمريكا أو كندا أو أستراليا أو الأرجنتين)، بدل روسيا وأوكرانيا، ولكن هذا الحل له ثمن مرتفع، سيكلف خزينة الدولة الملايين لبُعد المسافة، وارتفاع أسعار الشحن، وتأثر سلاسل الإمداد العالمية المتضررة بالفعل منذ بدء جائحة كورونا.
– تجارة الحبوب ستقفز لمستويات قياسية
وأوضحت أستاذة الاقتصاد أن التجارة العالمية للحبوب سوف تقفز إلى مستويات قياسية هذا الموسم، وقد تبلغ واردات ليبيا من القمح مليوني طن سنوياُ، مشددة على أن ليبيا في حاجة لبناء مزيد من صوامع الحبوب، إما حول مناطق الموانئ أو في جنوب البلاد، حيث تبلغ سعة صوامع الحبوب في ليبيا حالياً (500) ألف طن، فالقمح ينظر إليه أغلى سلعة في ليبيا ويعتبر مكوناً رئيسياً للغذاء في البلاد.
واختتمت أستاذة الاقتصاد حوارها مع (وال) بالقول إن ليبيا لديها مساحات شاسعة فلماذا لا نستغلها في زراعه الحبوب، وحتى نأخذ في الحسبان مثل هذه الظروف، ولا تنتظر لقمه عيش من الخارج، بل نصدر نحن لجميع العالم، فأرجوا من الجهات المسؤولة في الدولة استغلال أراضي البلاد وإعادة التنوع الاقتصادي وفتح وتجديد ما أقفل من مصانع بعد سقوط النظام السابق.
تداعيات الحرب الأوكرانية– الروسية وأثارها على الغذاء في ليبيا كانت مثار تساؤلات وتحليلات متباينة في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الليبية شارك فيها خبراء واقتصاديون ليبيون وتمحورت بين التشاؤم والخوف من تأثير هذه الازمة على الأمن الغذائي في ليبيا، وبين التفاؤل والتقليل من خطورة هذه المعضلة، خاصة وأن هناك العديد من البدائل المتاحة وهي الاتجاه نحو أسواق أخرى بديلة لتوفير سلع القمح والدقيق، وأن كانت أقل جودة وأكثر ثمنا.
وفي هذا السياق قال الخبير في الاقتصاد الزراعي “علي غيث” في تصريحات صحفية، إن عمليات استيراد الحبوب تتزايد في ليبيا مع تعثر المشاريع الزراعية في الجنوب الليبي، لافتا إلى أن الأسواق العالمية ستتأثر مباشرة بالأزمة وتداعياتها، خصوصاً في ظل انشغال أجنحة السلطة في ليبيا بالصراعات الداخلية.
وأشار “غيث” إلى أن هناك ارتفاعا في أسعار دقيق المخابز بنسب تتفاوت ما بين 10% إلى 15%، وأن الأسعار مرجحة للارتفاع مرة أخرى، في حالة عدم تدخّل الحكومة بتوفير أي دعم للخبز.
وبدوره، قال نقيب الخبازين في ليبيا، “اخريص أبولقاسم” في تصريح صحفي إن سعر قنطار الدقيق وصل اليوم السبت (26 فبراير 2022م) إلى (275) ديناراً بعد أن كان أمس الجمعة بـ (210)، وأن الأسعار مرجحة للارتفاع في حالة تواصل الحرب الأوكرانية– الروسية، وعدم تدخل الحكومة لضبط السوق وطمأنة المواطنين، خاصة وأن تجار الجملة أغلقوا محالهم أمام هذا الارتفاع الهائل.
وأعرب “اخريص” عن استغرابه من التحجج بالحرب في أوكرانيا مع أن المحصول المزمع توريده لليبيا منها مازال في طور الزراعة، في حين يرتفع سعر مخزون المورد منذ عدة أشهر داخل مخازن شركات المطاحن، مشيرا إلى أن أصحاب المخابز لديهم مخزون يكفي ليومين أو ثلاثة أيام، وننتظر تدخل الدولة، ووضع ما يلزم من إجراءات.