* كتب/ أنس أبوشعالة،
طالعت كتاباً غريباً صادر عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء (محمد الحافي) موجها لرئيس حكومة الوحدة الوطنية بشأن مبادرة الحكومة بدعم الزواج.
مفاد الكتاب أنه ما كان للحكومة أن تقوم بهذه المبادرة لاعتبارات رآها رئيس المجلس الأعلى للقضاء -راجماً بالغيب- الراغبين بالزواج بتهمة التحايل لغرض الانتفاع بمنحة الزواج لا بمقاصده الشرعية حسب زعم “الحافي”، وهذا القول مبني على قرينة ظنية لا يُبنى عليها دليل، إذ إن الدليل لا يُبنى إلا على القطع و اليقين ولا يُبنى على الشك و التخمين كما استقر عليه قضاء المحكمة العليا قبل أن يرأسها محمد الحافي .
من جهة أخرى.. و مما لا يعلمه الكثير أن سلطان رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء) هو أعلى من سلطان رئيس المجلس الأعلى للقضاء بصفته “الإدارية” فالمجلس الأعلى للقضاء ليس سلطة قضائية ولا سلطة حكم ولا يملك حتى التحكم والسيطرة في أحكام القضاء، واستقلال القضاة، فالحافي في هذا المقام هو رئيس جهة إدارية ليس لها مخاطبة رئيس سلطة تنفيذية والتدخل في شؤونها واقتراح ما يدخل في صميم أعمال الحكومة، كونها سلطةً تنفيذية للدولة لا يملك المجلس الأعلى للقضاء بصفته الإدارية ولا حتى السلطة القضائية تملك الحق في توجيه الحكومة في سياساتها وتوجهاتها وخططها وتدابيرها الإدارية والسياسية، لما في ذلك من انحراف فاضح في مبدأ استقلال السلطات الذي لا تتمتع به السلطة القضائية منفردة بل تتمتع به السلطة التنفيذية كذلك على قدم المساواة .
الانجراف الآخر نحو دركات الخطايا يكمن في إفصاح رئيس المجلس الأعلى للقضاء عن آرائه ومعتقداته الشخصية في الشؤون السياسية مسبغاً على آرائه الشخصية صفته القضائية، وهو ما يعتبر خروجاً عن أصول القانون وأدبيات القضاء ونواميسه الراسخة في وجدان رجال القانون بشتى تخصصاتهم ومشاربهم، وهو ما يجعل هذا الفعل كفيلا بالنيل من استقلال القاضي وتجرده إن كان ما زال للاستقلال من بقية .
هذا الكتاب صادر من رئيس جهة إدارية لا تمتلك أي سلطة قضائية، وأعتبر حسب وجهة نظري الشخصية أن محمد الحافي رئيس المجلس الأعلى للقضاء قد أخطأ خطأً فادحاً بتدخله فيما لا يخصه، وبالخوض في الشأن العام دونما ولاية أو صفة أو اختصاص، وقد يسبب بهذا السلوك حرجاً كبيراً للسلطة القضائية والزج بها في أتون الصراعات والخلافات والاختلافات السياسية.
ولكل ذلك أعتبر ما صدر من الحافي يمثل انجرافا وانحرافا وطوافاً دون مطاف
و لله الأمر من قبل و من بعد،،