الأناضول-
نجح الليبيون المجتمعون بتونس في تحقيق ثلاث اختراقات مهمة في جدار الأزمة، لكنهم بالمقابل أجلوا حسم ملفات أخرى تتعلق بالدستور واختيار مَن سيتولى المناصب القيادية.
وعلى رأس هذه الملفات تسمية رئيس المجلس الرئاسي، الذي يقاتل عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق للفوز به، رغم معارضة شرسة تسعى لقطع الطريق عليه.
وأهم النجاحات التي حققتها لجنة الحوار تتمثل في تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021، الذي يوافق اليوم الذي استقلت فيه البلاد في 1951.
وبعد أن كان مقررا أن تستغرق المرحلة الانتقالية 18 شهرا بداية من اليوم الذي يتم فيه منح الثقة للحكومة الجديدة، تقلصت هذه المرحلة إلى نحو عام واحد فقط.
كما اتفقت لجنة الحوار على تحديد صلاحيات كل من المجلس الرئاسي والحكومة، وهما ملفان مهمان شهدا نقاشات حادة، على اعتبار أن هناك شبه توافق على أن تعود رئاسة المجلس الرئاسي إلى الشرق، الذي يهيمن عليه الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، ورئاسة الحكومة للغرب.
** “عقيلة صالح” يلغم الحوار
تم تداول اسم “عقيلة صالح”، رئيس مجلس نواب طبرق كمرشح لتولي رئاسة المجلس الرئاسي، لكن شخصيات من الغرب الليبي اعترضوا عليه بشدة لدوره في دعم هجوم حفتر الفاشل على العاصمة طرابلس، ووصفِه المدافعين عنها بـ”الإرهابيين”.
واقترح أعضاء في ملتقى الحوار السياسي شرط استبعاد متقلدي المناصب منذ 2014 في السلطة التنفيذية المقبلة، بشكل يقطع الطريق على عقيلة صالح، وآخرين.
ورغم أن أغلبية المشاركين في الملتقى كانوا مع هذا الشرط، إلا أن أنصار عقيلة من الشرق هددوا بالانسحاب.
وبعد عرض المقترح للتصويت حاز على تأييد 61 بالمائة من إجمالي 75 مشارك، ومع ذلك لم يتم اعتماده لأن أي قرار يجب أن يحصل على تأييد 75 بالمائة على الأقل.
وسيفسح سقوط هذا الشرط لمن تولوا مناصب سياسية سواء في المجلس الرئاسي أو الحكومة أو مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بأن يكون لهم فرصة أخرى في المرحلة المقبلة، بمن فيهم عقيلة صالح.
** توجس من اختطاف الشرعية
وتتوجس عدة أطراف خاصة من القيادات العسكرية في “عملية بركان الغضب” التي طردت مليشيات حفتر من الغرب الليبي، من أن يؤدي اختيار عقيلة، رئيسا للمجلس الرئاسي، إلى تعيين حفتر قائدا للجيش، فضلا على أن منصب محافظ البنك المركزي سيعود إلى الشرق، بحسب تفاهمات بوزنيقة.
وفي حال حدوث هذا السيناريو، يفقد الغرب الليبي الشرعية السياسية والعسكرية والمالية، التي كانت أحد أسباب هزيمة حفتر في عدوانه على طرابلس (4 أبريل 2019- 4 يونيو 2020)، بحسب رأي ناشطين مناهضين لحفتر.
إلا أن مسودة وثيقة المرحلة التمهيدية التي اقترحتها البعثة الأممية تشترط “الإجماع” بين أعضاء المجلس الرئاسي الثلاثة على أي قرار، مما يجعل سيناريو تعيين حفتر قائدا للأركان أو حتى وزيرا للدفاع مستبعدا.
لكن هناك من يجادل أن عقيلة صالح، سبق له وأن اتخذ قرارات جدلية دون الرجوع إلى النواب، بل إن المجلس الرئاسي الحالي اتخذ عدة قرارات دون إجماع أعضائه، لذلك لا توجد ضمانة حقيقية، بحسب المشككين في الغرب الليبي، من اختطاف عقيلة وحفتر للشرعية من طرابلس.
جدير بالذكر أن أبرز صلاحيات المجلس الرئاسي، تتمثل في أنه يتولى مجتمعا مهام القائد الأعلى للجيش، والتعيين في جميع المناصب القيادية العسكرية، وكذلك السفراء، ووجوب تشاور رئيس الحكومة مع المجلس الرئاسي في تعيين وزيري الدفاع والخارجية.
وبالتالي فالمجلس الرئاسي مجتمعا من سيقود الجيش، ويرسم السياسة الخارجية للبلاد في المرحلة التمهيدية.
أما الحكومة، فسيكون من مهامها الرئيسية تهيئة شروط تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها، وتوفير الخدمات للمواطنين، وإعداد الميزانية ومشاريع القوانين التي تعرض على البرلمان، ويكون أعضاؤها من التكنوقراط.
ولم تتحدث الوثيقة الأممية، عن نقل المؤسسات السيادية إلى مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، كما اقترح عقيلة، وبالتالي فستبقى طرابلس تحتضن مقرات المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان.
** الدستور أول عقبة وأصعبها
أحد أبرز إخفاقات ملتقى الحوار السياسي الليبي، عدم حسمه مسألة الاستفتاء على مسودة الدستور، إذ لم يحدد أي موعد له، على عكس الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي لا يمكن أن تجرى إلا على قاعدة دستورية.
ورغم أن مسودة الدستور، التي أعدتها لجنة الستين المنتخبة، جاهزة ولا تحتاج سوى لعرضها على الاستفتاء، إلا أن ذلك يتطلب إصدار قانون الانتخابات، ومجلس نواب طبرق اعترض على بعض مواد مسودة الدستور، وأصدر قوانين انتخابات تتناقض في بعض موادها مع المسودة، بل تضع شروطا من شأنها تسهيل إسقاطها في حال صوت أحد الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان) خلال الاستفتاء ضدها.
كما ظهر مقترحان آخران كبديل لمسودة الدستور المثيرة للجدل، أولهما اعتماد الإعلان الدستوري (2011) دون الحاجة إلى إجراء الاستفتاء، والثاني اعتماد دستور الاستقلال (1951 والمعدل في 1963) مع إجراء بعض التعديلات عليه.
بينما تقترح المسودة الأممية لحل الأزمة أن تعرض مسودة الدستور مجددا على مجلس النواب والدولة لاعتمادها خلال 60 يوما، وفي حال مرور 7 أشهر دون إنجاز هذه المهمة، توكل إلى ملتقى الحوار السياسي (لجنة الـ75) لتعديلها واعتمادها.
إلا أن هذا الاقتراح جُوبه باعتراضات عديدة، أولها من لجنة صياغة الدستور، والتي تعتبر أنه لا يحق لأحد غيرها تعديل مسودة الدستور، سواء مجلس النواب أو ملتقى الحوار السياسي، لأنها صادرة من هيئة منتخبة.
كما أن أعضاء من مجلسي النواب والدولة اعترضوا على تنازل المجلسين عن صلاحياتهما التشريعية لصالح لجنة سياسية غير منتخبة (لجنة الـ75) أو البعثة الأممية ذاتها.
إذ أن المقترح الأممي، يضع لجنة الحوار السياسي كخيار أخير لاعتماد مسودة الدستور وقوانين الانتخابات، وأيضا حكومة الوحدة الوطنية، في حال فشل مجلس النواب في أداء هذه المهام في أجل محدد.
وتحاول البعثة الأممية تفادي تكرار إخفاقات سابقة، على غرار عرقلة عقيلة صالح، والنواب الموالين له، عملية اعتماد حكومة الوفاق، وعرض مسودة الدستور على الاستفتاء.
لكن أمام هذه الاعتراضات تراجعت رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز، خطوة إلى الوراء، وأعلنت الأحد، أن “القاعدة الدستورية قرار سيادي لليبيين، والمؤتمرون توافقوا حول حسمه في ظرف 60 يوما”.
وليامز، التي يبدو أنها ستستمر في رئاسة البعثة الأممية بالإنابة في ظل عدم تمكن مجلس الأمن من اختيار مبعوث أممي جديد، أقرت بصعوبة إصلاح 10 سنوات من الصراع في أسبوع، ولكنها اعتبرت ما تم تحقيقه “إيجابيا”.
وضربت موعدا الأسبوع القادم، للتوافق حول “شروط الترشح للمناصب وآليات الاختيار”، والذي يعتبر الملف الشائك، خاصة ما تعلق بالمعركة السياسية الشرسة حول تنصيب أو إبعاد عقيلة صالح، من رئاسة المجلس الرئاسي، باعتباره شخصية جدلية، كان لها دور بارز في تعميق جراح الأزمة الليبية.