عربي بوست-
لعل ليبيا حالياً هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتحرك ويصل لها هذا الكم من المرتزقة بأريحية واضحة، وتحديداً في جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وصدر بداية العام الحالي تقرير عن خبراء تابعين للأمم المتحدة، يتحدث عن دور كبير لمجموعات من المرتزقة السودانيين والتشاديين تعمل وتقاتل مع حفتر.
لكن، من أين يتدفق هؤلاء المرتزقة؟ وكيف يتم تجميعهم في البلاد الحدودية؟ ومن يستقبلهم في الجانب الليبي؟
لماذا يسهل على المرتزقة الدخول لليبيا؟
تدفق هؤلاء المرتزقة إلى البلاد يأتي نتيجة، ليس فقط عدم وجود سيطرة أمنية واضحة على الحدود الليبية نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ 9 أعوام، بل نتيجة أيضاً للرشاوى والمحسوبية وسيطرة جماعات وقبائل على نقاط حدودية. مثل قبائل التبو التي لعبت دوراً في دعم الفصائل التشادية والسودانية وإدخالها للمعادلة الليبية.
فحدود ليبيا البرية والتي يبلغ طولها 4383 كيلومتراً بات من الصعب السيطرة عليها بشكل كامل ومنع تسلل المهاجرين غير القانونيين والعناصر المسلحة من تشاد والسودان ناهيك عن تهريب السلاح والأموال والوقود الليبي.
ومع الفوضى التي عمت ليبيا، أصبح الجنوب الليبي – بشكل خاص – منطقة مستباحة ومن الصعب التحكم فيها، لذلك كان قادة الفصائل السودانية والتشادية المعارضة يتنقلون في الجنوب الليبي بسهولة ولديهم معسكرات ومخيمات خاصة بهم خارج سلطة وسطوة الدولة والحكومات الليبية المتعاقبة.
وتشكل منطقة الجنوب الليبي إحدى أكثر المناطق احتضاناً للمجموعات الإفريقية المسلحة، التي شاركت في الاقتتال الداخلي الذي تشهده المنطقة منذ سنوات، من أبرزها مجموعات تشادية، وأخرى من النيجر والسودان.
توافد هؤلاء المرتزقة بكثرة واعتماد أحد أطراف الصراع عليهم بشكل واضح تسبب في تغيير شكل الصراع في ليبيا وجعل من هذه المجموعات الدخيلة قطباً لافتاً.
فلا يوجد أدنى حرج لدى هذه العناصر من التحالف مع ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لقاء بقائها داخل الحدود والمدن الليبية الجنوبية التي اتخذت منها قواعد انطلاق لتنفيذ عملياتها ضد الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق في الجنوب من جهة وضد قوات جمهورية تشاد والسودان من جهة أخرى.
ما هو خط سيرهم حتى عبور الحدود؟
توجد 4 خطوط لجلب المرتزقة السودانيين ومرتزقة تشاد إلى ليبيا:
الخط الأول: العوينات – الواحات – الجفرة
يتم جلب مرتزقة السودان عن طريق تجميعهم في المرحلة الأولى بمنطقة جبال العوينات، وهي منطقة حدودية بين ليبيا والسودان.
بعد ذلك يتم تسليمهم إلى كتيبة “سبل السلام”، التي يقودها عبدالرحمن هاشم الكيلاني، من مدينة الكفرة جنوب ليبيا، والتي تتولى نقلهم لنقطة التجمع داخل العمق الليبي في مناطق السرير وتازربو والواحات، ومن ثم الانطلاق نحو زلة والجفرة وسرت.
الخط الثاني: الجنينة – السارة – الهروج الأسود – الجفرة
يسلك المرتزقة من تشاد والسودان مساراً برياً آخر، يبدأ بتجميعهم في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والواقعة قرب الحدود السودانية التشادية، حيث يتم تأمين تواجدهم وتجمعهم بمنطقة السارة أقصى جنوب ليبيا.
هؤلاء يتبعون فصيل “مينا مناوي أركانو” أو ما يعرف بجيش حركة تحرير السودان.
ينتقل هؤلاء براً إلى أم الأرانب ثم جبال الهروج الأسود ومنها إلى زلة ثم إلى سرت مروراً بسوكنة والجفرة.
الخط الثالث: جواً من أبوظبي
يأتي عبر هذا الخط مرتزقة من السودان، بعضهم تابع لقوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة السوادني وقائد قوات الدعم السريع.
تلقى هؤلاء المرتزقة تدريبات في مدينة غياثي (غرب العاصمة أبوظبي)، وهم الذين خضعوا لتدريبات حرب حقيقية مثل المقاتلين النظاميين، وليس عناصر حراسة إنشاءات نفطية كما سوقّ لهم.
الخط الرابع: جواً من إريتريا
يسافر عدد من العسكريين السودانيين النظاميين في جنوب السودان بالإضافة إلى تشاديين إلى ليبيا عبر نقلهم بطائرات الشحن العسكري من إريتريا.
هؤلاء يتم جلبهم عبر إريتريا جواً لتجنب اشتباكهم مع المعارضة السودانية المتمركزة على الحدود مع ليبيا.
يتم نقل المرتزقة القادمين جواً إلى منطقة السارة التي تحتوي على مطار ومنها إلى القطرون ثم مرزق وسبها ومنها إلى الجفرة مروراً بالشويرف والفقهة.
من المسؤول عنهم في ليبيا؟
مصدر عسكري رفيع المستوى قال لـ “عربي بوست” إن المسؤول الأول عن جلب المرتزقة السودانيين والتشاديين لصالح خليفة حفتر كان اللواء عبدالسلام الحاسي.
لكن الحاسي عوقب من قِبل حفتر بالإقامة الجبرية في أعقاب خسارته معركة غريان أمام قوات حكومة الوفاق في يونيو 2019، ليتم تكليف اللواء بلقاسم الأبعج الزوي بالمسؤولية عن جلب المرتزقة.
وأضاف المصدر أن عمليات التعاقد والتمويل تتم في دولة الإمارات مع قيادات هذه المجموعات، موضحاً أن دور الوسطاء الليبيين هو تأمين خط عبورهم إلى المناطق المتفق عليها داخل ليبيا وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم من ذخائر ومقرات وتموين.
أصول تلك المجموعات
أكد المصدر أن كل المرتزقة الذين يجلبهم خليفة حفتر من تشاد والسودان هم أبناء قبائل تلك الدول عدا فصيل “مينا مناوي أركانو” أو ما يعرف بجيش حركة تحرير السودان التابع لدولة جنوب السودان.
هذا بالإضافة إلى أبناء قبيلة التبو التي تأتي من مالي والنيجر وغيرهما، موضحاً أن أبناء قبائل القرعان والزغاوة والمحاميد هم أكثر قبائل تشاد الداعمة لحفتر.
وقبائل التبو هي الأكبر حضوراً؛ نظراً إلى أنّها تعتبر من القبائل الحدودية التي لها وجود في ليبيا وتشاد والنيجر ومالي، فهم ينقسمون إلى “تبو” ليبيين و”تبو” تشاديين.
ويوضح المتحدث باسم ميليشيات صبراتة عادل بنوير أن هناك أموالاً كثيرة تصل للتبو عبر الدعم المالي غير المحدود الذي يتلقونه من جهات إماراتية.
ولفت إلى أن تركيبة التبو تسمح بأن يتم التجنيد من القبائل التي خارج ليبيا للقتال مع حفتر، في وقت يؤيد التبو الليبيون حكومة الوفاق؛ ومن ثم فإن التبو ليس بجملتهم مع حفتر كمكون متكامل.
بالإضافة إلى أن هناك قبائل أخرى مقيمة في شمال السودان وفي جنوب ليبيا ولديها امتداد قبلي وعرقي في كلا البلدين، هذه العلاقات سهّلت إلى حد كبير حركة وتنقُّل هذه الفصائل وغطَّت عليها إلى حد بعيد.
واستطاع خليفة حفتر توطيد علاقته بقادة هذه الفصائل والمجموعات بفضل التمويل الإماراتي المتوفر له، وكان لهم دور مهم في تدعيم سيطرته على منطقة الهلال النفطي الليبي.
كم تبلغ أجورهم؟
المجموعات التشادية والسودانية تتقاضى رواتب قدرها ما بين 250 و500 دولار شهرياً، في حين يتقاضى الضباط رواتب شهرية مقدارها ما بين 5100 و5200 دينار ليبي، وهو ما يعادل 1200 دولار، بحسب ما قالته مصادر لـ”عربي بوست” رفضت الكشف عن اسمها.
وتؤكد تلك المصادر أنّ حفتر يزود كل مجموعة مكونة من 10 مقاتلين بمركبة وأسلحة.
وفي بعض الأحيان يصل راتب بعض الأفراد من قيادات الصف الأول إلى 3000 دولار.
إلى من ينتمي هؤلاء المرتزقة؟
هناك عدة حركات وجماعات مسلحة تقف وراء عملية تجميع هؤلاء المرتزقة في كل من السودان وتشاد.
أولاً: تشاد
1- جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد
يتمركز بعض عناصر الجبهة حالياً في عدة مواقع بالقرب من مدينة سبها وفي عمق الجنوب الليبي في بلدة أم الأرانب، ولديها معسكر معروف في مدينة هون جنوب وسط ليبيا.
يقودها الدكتور مهدي علي محمد، وهو من شعب “الكريدة” أحد الفروع الكبيرة لقومية “الدازقرا”، والجنرال محمد نوري زعيم شهير للمعارضة التشادية، والوزير السابق الذي كاد أن يستولي على العاصمة التشادية إنجامينا عام 1998.
2- الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد
تتكون هذه الحركة بالكامل من شعب التبو –غير الليبيين– وتأسست في جبال تيبستي وغالبية كوادرها انتقلت للعمل في جنوب ليبيا كنشطاء يزعمون أنهم ليبيون، وكثير منهم يتصدرون الواجهة في الجنوب، وهم عناصر بارزون في هذه الجبهة.
3- المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية
يعتبر من كبريات حركات المعارضة التشادية، ويتمركز كسابقيه في عدة مواقع في جنوب سبها.
يعمل قادته على برنامج تدريبي نشط، ويزعمون أن لديهم قوات من الأفراد تصل لـ4 آلاف فرد.
كما ينضم لهم المزيد من الضباط والعساكر التشاديين الذين ينشقون حديثاً عن نظام الرئيس التشادي، خصوصاً من قومية (الدازقرا).
يذكر أن هناك مجموعات أخرى مثل مجموعة “حكيمي” ومجموعة كوري من شعب الكريدة والذين كانوا سابقاً بنفس مجموعة الدكتور مهدي علي محمد. هؤلاء يتواجدون الآن بالجفرة وحتى زلة وسرت.
هذا إضافة إلى مجموعة “بركة الله” والتي يطلق عليها مجموعة 108 إضافة إلى مجموعة من المحاميد برئاسة شخص اسمه فايز ومجموعة “محمود قجة” وهي متواجدة بشرق ليبيا في مدينة بنغازي والمرج والرجمة ومناطق طوق بنغازي.
وتعتبر قوة الدكتور مهدي محمد علي أكبر قوة لمرتزقة تشاد وثاني أكبر قوة هي قوة حكيمي وقوة القرعان تعتبر ثالث أكبر قوة في قوات حفتر وقوة بركة الله تصنف رابع أقوى قوة.
ثانياً: السودان
وفق رسالة فريق الخبراء المعنيّ بالسودان، فإن جيش حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي هو أكبر الجماعات السودانية بليبيا، بقوة تصل إلى ألف مقاتل مع ما بين 250 و300 سيارة دفع رباعي.
وتقاتل هناك أيضاً قوات لجيش حركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد نور) تحت إمرة يوسف كرجكولا، الذي يقود قوة في ازدياد على 90 مركبة، إضافة إلى قوات تابعة للمجلس الانتقالي، وهم منشقون عن حركة عبدالواحد، بقيادة صالح جبل سي تتمركز حالياً بمدينة سرت الليبية.
وتشير الرسالة إلى قوة لتجمع قوى تحرير السودان تتكون من 100 مركبة بقيادة عبود آدم خاطر، وتساند جميع هذه الجماعات قوات حفتر.
وحددت الرسالة قوة صغيرة لحركة العدل والمساواة في القطرون (جنوبي ليبيا) بقيادة عبدالكريم تشولوي تنشط ضد حفتر.
أما أنصار موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد من دارفور يتمركزون أيضاً في الجنوب الليبي، وفرّ أنصار هلال إلى ليبيا عقب اعتقاله على يد قوات منافسه محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، ونقله من منطقة نفوذه بـ “مستريحة” في شمال دارفور إلى الخرطوم في نوفمبر 2017.
وما زالت جهود المجموعة الدولية تتعثر في سعيها لمحاولة سد الفراغ القانوني الناجم عن معاهدة تجاوزتها الأحداث، في الوقت الذي يزداد فيه اللجوء إلى استخدام المرتزقة في النزاعات بشتى أنواعها.
تواجد قديم
وجود الفصائل السودانية والتشادية المعارضة على الأراضي الليبية موضوع قديم كان قبل الثورة الليبية.
بل إن الوجود قد تكون له جذور في الثمانينيات، فقد وضع القذافي بذور الصراع بين القبائل العربية والإفريقية بالمنطقة، من خلال تأسيسه ما يُعرف بالفيلق الإسلامي الذي جنَّد العرب في المنطقة لتعزيز نفوذه.
وعندما اندلع النزاع في دارفور، كان نظام القذافي أحد أكبر الداعمين لعدد من الفصائل الدارفورية، وكان المغذي والممول والداعم لها.
وتؤكد مصادر أمنية ليبية خاصة لـ”عربي بوست”، رفضت الكشف عن اسمها، أنّ قادة الفصائل السودانية والتشادية المعارضة كانوا يقيمون بطرابلس وبفنادقها، وكان القذافي يدعمهم بالسلاح والأموال.
وعندما اندلعت الثورة الليبية في عام 2011 مباشرة، بادر عمر حسن البشير إلى الاعتراف بالثورة الليبية ودعمها، لأنّ القذافي كان عامل قلق أساسياً للبشير ونظامه السياسي، حيث كان أكبر محرك لقادة المعارضة السودانية بالجنوب السوداني، وتحديداً في إقليم دارفور.