كيف سيغير جو بايدن السياسة الخارجية لأمريكا؟
BBC-
“لا أريد المبالغة، لكن مستقبل النظام العالمي في خطر”، هكذا يقول توني أريند بحدة لم تحجبها كمامته.
يرى البروفيسور في جامعة جورج تاون الانتخابات الأمريكية بمثابة مواجهة حاسمة للسياسة الخارجية، “لأننا بصدد رؤيتين مختلفتين كلياً بشأن ما يجب أن يكون عليه العالم، وما ينبغي أن تكون عليه القيادة الأمريكية.”
فالعالم وفقاً لدونالد ترامب هو وطنية “أمريكا أولا”، والتخلي عن الاتفاقات الدولية التي يعتقد أنها تمنح أمريكا صفقة غير عادلة. هو عالم أحادي، مُربك، قائم على المعاملات التجارية. هو أيضاً عالم شخصي، غير منتظم، تحدده مشاعره الغريزية وعلاقاته بالقادة، ويحركه مايراه على موقع تويتر.
والعالم وفقاً لجو بايدن يبدو في صورة أكثر تقليدية لدور أمريكا ومصالحها، وهو ما تأصل في المؤسسات الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، ويقوم على أساس القيم الغربية المشتركة. هو عالم التحالفات العالمية الذي تتزعم فيه أمريكا البلدان الحرة في مواجهة التهديدات العابرة للدول.
ما الذي سيتغير في ظل حكم بايدن؟
تبرز في هذا الصدد بعض الأمور، من التعامل مع الحلفاء إلى التغير المناخي والشرق الأوسط.
التعامل مع الحلفاء
أشاد ترامب بالحكام المستبدين وأهان الحلفاء. بينما يتصدر جدول أعمال جو بايدن الضغط باتجاه إصلاح العلاقات المتوترة، لاسيما مع الناتو، والانضمام للتحالفات الدولية من جديد.
ففي حال فاز بايدن، ستعود الإدارة الأمريكية إلى منظمة الصحة العالمية، وستسعى لقيادة استجابة عالمية في مواجهة فيروس كورونا.
وتعتبر حملة ترامب ذلك عملية تغيير كبرى، من أجل إنقاذ صورة أمريكا المتضررة وحشد الديمقراطيات في مواجهة ما تراه موجة متصاعدة من قوى الاستبداد.
غير أن دانييل بليتكا من معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ ترى أن لأمر يتعلق بالشكل فقط لا بالمضمون. وتعتبر أن إدارة ترامب حققت الكثير على الساحة الدولية، وتتساءل “هل فقدنا أصدقاء نذهب معهم إلى الحفلات؟ نعم، لا أحد يريد أن يذهب إلى الحفلات مع دونالد ترامب. لكن هل فقدنا القوة والنفوذ بالمقاييس المهمة على مدى السبعين عاماً الماضية؟ لا”.
التغير المناخي
إذا تحدثنا عن الجوهر، فإن جو بايدن سيجعل محاربة التغير المناخي أولوية، ويُعيد الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتي كانت واحدة من الاتفاقيات الدولية التي تخلى عنها دونالد ترامب.
في هذه القضية يقف الرجلان على طرفي النقيض. يرى ترامب مواجهة الاحتباس الحراري تهديداً للاقتصاد، ورَوَج للوقود الأحفوري وتراجع عن العشرات من أنظمة حماية البيئة وضوابط المناخ.
بينما يروج بايدن لخطة طموحة بقيمة ترليوني دولار لتنفيذ أهداف اتفاقية باريس بخفض الانبعاثات. ويقول إنه سينفذ ذلك من خلال بناء اقتصاد يقوم على الطاقة النظيفة، وستؤدي العملية إلى خلق ملايين الوظائف.
بالتالي فيما يخص التهديد التي يواجه الكوكب، تُعد هذه الانتخابات مهمة بالنسبة للعالم.
إيران
يقول جو بايدن إنه مستعد لإعادة الانضمام لاتفاقية دولية أخرى تخلى عنها الرئيس ترامب، وهي الاتفاقية التي قضت بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي.
وكانت إدارة ترامب قد انسحبت منها عام 2018، قائلة إن الاتفاق أضيق من أن يتعامل مع التهديدات التي تمثلها إيران، وأضعف من أن يحد من النشاط النووي الذي ينتهي مفعوله مع الوقت.
وأعاد ترامب فرض العقوبات ويواصل ممارسة الضغوط الاقتصادية، إذ أدرج الأسبوع الماضي معظم القطاع المالي الإيراني على اللائحة السوداء. ورداً على ذلك رفعت إيران بعض القيود على نشاطها النووي.
بينما يقول بايدن إن سياسة “أقصى ضغط” قد فشلت، ويؤكد أنها أدت إلى تصعيد كبير في التوتر، وأن الحلفاء يرفضونها، وأن إيران صارت الآن أقرب إلى امتلاك سلاح نووي، مقارنة بوقت وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
ويقول إنه سيعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي في حال عادت إيران إلى الالتزام الصارم به، لكنه لن يرفع العقوبات لحين حدوث ذلك. وسيسعى بايدن إلى التفاوض لمعالجة المخاوف التي يشترك فيها مع الرئيس.
اليمن
سينهي بايدن كذلك الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. فقد أدى ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف المدنيين إلى تنامي معارضة شديدة لانخراط الولايات المتحدة في الصراع داخل الجناح اليساري للحزب وبين عدد متزايد من أعضاء الكونغرس.
وتعد السعودية أقرب الحلفاء العرب لترامب، وحجز الزاوية في التحالف ضد إيران. ويرى محللون أن بايدن سيتراجع عن احتضانه غير المشروط للمملكة الخليجية.
تقول بليتكا ” فيما يخص الشرق الأوسط، اعتقد أن تغييراً كبيراً سيحدث. ستكون هناك سياسة أكثر ميلاً لإيران وأقل ميلاً للسعودية بالتأكيد.”
الصراع العربي الإسرائيلي
رحب جو بايدن بالاتفاق الذي رعاه ترامب بين إسرائيل والإمارات.
وعلى غرار الحرس القديم في الحزب الديمقراطي، يعد بايدن داعماً مخلصاً، ومدافعاً قديماً عن إسرائيل، وكلمة احتلال لم ترد في برنامج السياسة الخارجية للحزب.
غير أنه من غير المرجح أن يتبنى سياسات إدارة ترامب تجاه الضفة الغربية المحتلةوالتي ترى بأن المستوطنات الإسرائيلية لا تمثل انتهاكاً للقانون الدولي، والتسامح مع الخطط الإسرائيلية للضم الأحادي لأجزاء من الأراضي المحتلة.
ويدفع الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي- والذي صار بات له دور وموقف قوي على صعيد السياسة الخارجية وهو أكثر قوة وحزماً مما كان عليه في السنوات السابقة- باتجاه القيام بدور أكبر لحماية الحقوق الفلسطينية.
يقول مات دوس مستشار السياسة الخارجية لبيرني ساندرز منافس جو بايدن السابق “اعتقد أن لدينا مشاركة أكبر من جانب المدافعين عن الحقوق الفلسطينية والأمريكيين من أصول فلسطينية والأمريكيين العرب، وكذلك من جانب عدد من الجماعات اليهودية الأمريكية التي تعي أن إنهاء الاحتلال قضية محورية بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.” ويعد هذا بالتالي أمراً يستحق المتابعة.
وعلى غرار الرئيس ترامب، يرغب بايدن في إنهاء الحربين طويلتي الأمد في أفغانستان والعراق، وإن كان يريد الحفاظ على وجود عسكري صغير في البلدين للمساعدة في محاربة الإرهاب. وكذلك لن يسعى لخفض ميزانية البنتاغون أو وقف الضربات باستخدام الطائرات المسيرة، رغم ضغوط اليسار.
وفيما يخص الخصوم الجيوسياسيين، ستكون الاختلافات بين الرجلين أقل من المتوقع.
روسيا
العلاقة على مستوى القمة ستتغير بالتأكيد. فلطالما بدا الرئيس ترامب مستعداً لأن يسامح بشكل شخصي فلاديمير بوتين على أفعال تنتهك الأعراف الدولية.
لكن إدارة ترامب كانت قاسية على روسيا إلى حد كبير، إذ فرضت عليها عقوبات. ومن المحتمل أن يستمر ذلك في حال فاز بايدن بالرئاسة، لكن بدون رسائل متضاربة.
فقد قال نائب الرئيس السابق صراحة لشبكة سي إن إن إنه يعتقد أن روسيا “خصم”. ووعد برد فعل قوي على تدخلها في الانتخابات، وعلى ما يتردد عن دفعها مكافآت لطالبان مقابل استهداف القوات الأمريكية في افغانستان، وهو مالم يتطرق إليه ترامب.
وفي حين أوضح بايدن أنه يريد العمل مع موسكو للحفاظ على ما تبقى من المعاهدات التي تحد من الترسانة النووية للبلدين، انسحب ترامب من معاهدتين، واتهم روسيا بالغش، ويسعى للتفاوض بشأن تمديد معاهدة ثالثة ينتهي سريانها في فبراير. أما بايدن فتعهد بتمديدها دون شروط في حال انتخابه.
الصين
في عام 2017، وصف ترامب كيف استمتع بكعكة من الشيكولاته مع الرئيس الصيني تشي جيبينغ، ثم تخلى عن هذه الصداقة وسط اتهامات بشأن نشر فيروس كورونا، وإجراءات تجارية قاسية، وحرب كلامية تعود لحقبة الحرب الباردة.
في الواقع، هناك توافق نادر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن اتخاذ موقف متشدد مع الصين بشأن التجارة وقضايا أخرى. لكن الخلاف يتعلق بطرق تنفيذ ذلك.
فبايدن سيواصل انتهاج سياسة الرئيس ترامب في مواجهة “الممارسات الاقتصادية الضارة” التي تقوم بها الصين، لكن بالاشتراك مع الحلفاء، على عكس تفضيل ترامب لاتفاقيات التجارة الأحادية.
وكانت السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب قد نجحت في حشد تأييد عالمي لمقاطعة تكنولوجيا الاتصالات الصينية. ويعد هذا جزءاً من تصعيد خطير في الجهود الأمريكية ضد بكين على عدة جبهات، مما دفع بالعلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.
ويقود هذه الحملة صقور إدارة ترامب المناهضين للصين، ويعتبرون أنها منافسة استراتيجية، في حين يراها محللون مواجهة استراتيجية. فيما سيسعى بايدن إلى إيجاد مجالات للتعاون مع الصين الصاعدة.
يقول بايدن إنه يريد إحياء القيادة الأمريكية. لكن العالم أيضاً تغير على مدى السنوات الأربع الماضية، في ظل العودة القوية للتنافس بين القوى العظمى، واستطلاعات الرأي التي تظهر تراجع سمعة أمريكا حتى بين أقرب حلفائها، وهؤلاء هم الذين يطمح بايدن إلى قيادتهم.