العربي الجديد-
السلطات الليبية تكثف تكثف حملاتها من أجل كشف جرائم لم توفر التحقيقات معلومات حول هويات منفذيها، خصوصاً تلك التي مرّت عليها فترات طويلة، وسجلتها الأجهزة الأمنية المعنية بالتحقيقات في أماكن حصولها ضد أشخاص مجهولين.
وبهدف تعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بدأت سلطات حكومة الوحدة الوطنية في منتصف عام 2021 حملتها الخاصة بهذه الجرائم، واعتقلت أجهزتها الأمنية عدداً من المتورطين بارتكاب جرائم قتل مسجلة ضد مجهولين، ثم حذت حذوها أجهزة أمنية تابعة لسلطات الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في بنغازي.
وفي منتصف يونيو الجاري، ذكرت مديرية أمن بنغازي التابعة للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، أنها كشفت تفاصيل جريمة قتل غامضة ارتكبت قبل سنة داخل محل لبيع الخردة في المدينة، وذلك بعدما اعتقلت مشبوهاً أعلنت أنه اعترف بتنفيذ الجريمة بعد التحقيق معه، إلى جانب جرائم أخرى شملت عمليات سطو مسلح استهدفت عدداً من المواطنين، واستغلال عمال وافدين، وأيضاً تشكيل عصابة مسلحة تورطت في عمليات ابتزاز مالي.
وأوضحت المديرية أن المشبوه شاب في الـ21 من العمر انضم إلى رفاق له دهموا باستخدام أسلحة محلاً لبيع الخردة، حيث تبادلوا النار مع صاحبه الذي واجههم لمحاولة منعهم من تنفيذ عملية السطو المسلح، وقتلوه قبل أن يلوذوا بالفرار.
ونهاية مايو الماضي، أعلنت مديرية أمن طرابلس التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، أن شرطيين في العاصمة طرابلس اعتقلوا مجرماً وصفته بأنه “خطير، باعتباره مطلوباً من مكتب الادعاء العام منذ عام 2012 بتهمة التورط بجريمة قتل مواطن باستخدام سلاح ناري، وبقضايا جنائية أخرى”.
وسبق ذلك توقيف أجهزة الأمن في طرابلس وبنغازي في مطلع إبريل الماضي متورطين بارتكاب جرائم سابقة. وأوضح مركز للشرطة في بنغازي أن عناصره ألقوا القبض على مطلوب على ذمة جريمة قتل حصلت عام 2014، وأشار إلى صدور حكم بالسجن خمس سنوات في حق المتهم ذاته. وفي طرابلس، أفاد بيان أصدرته وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية بأن رجال الأمن أوقفوا متهماً بارتكاب جريمة قتل شخص حصلت قبل أربعة أعوام، وذلك بالتعاون مع أشخاص آخرين، تسببوا أيضاً في إصابة شقيق المقتول بإعاقة دائمة.
وفي منتصف فبراير الماضي، اعتقلت دوريات مكتب التحقيق والتحري في الإدارة العامة للعمليات الأمنية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، متهماً بارتكاب جريمة قتل حصلت عام 2015 في منطقة نالوت (غرب).
وفي الشهر ذاته اعتقلت الدوريات ذاتها متهماً بارتكاب جريمة قتل حصلت عام 2011 في منطقة باب بن غشير، جنوبي العاصمة.
كما قبضت أجهزة أمن وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس على متهم بارتكاب جريمة قتل تعود وقائعها إلى عام 2009، ثم جريمة أخرى عام 2019. ويُشيد الناشط المدني جمال دعيب بالجهود المستمرة التي تبذلها السلطات لمحاولة كشف مرتكبي جرائم، وتوحدها رغم الانقسام السياسي والحكومي. ويعتبر في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “استمرار الاعتقالات أمر مفيد رغم أن عددها لا يزال قليلاً مقارنة بعدد القضايا والجرائم، وهو سيعزز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وسيساهم بشكل كبير في انخفاض معدلات الجرائم، ومنع تحوّلها إلى جرائم منظمة”.
ويبدي اعتقاده بأن “عمليات إلقاء القبض يجب أن يعقبها إصدار أحكام قضائية وتنفيذها للمساهمة في تعزيز الحضور الأمني القوي والفاعل في التصدي للمخالفات الجنائية، وفي استعادة هيبة المؤسسات الأمنية والقضائية”. ويوافق الناشط الحقوقي بلقاسم القمودي على رأي دعيب، لكنه يعتبر، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن فتح ملفات جنائية سابقة مسجلة ضد مجهولين أمر حساس جداً بسبب صلته بملفات أخرى تمتد آثارها وانعكاساتها الإيجابية إلى مستويات أخرى، في مقدمتها المصالحة الوطنية التي تتطلب في مرحلة أولى جبر الضرر من خلال محاكمة الجناة، خاصة في قضايا القتل
يتابع القمودي: “أعتقد أن تحريك مثل هذه القضايا وفتح ملفاتها قد يشجع المنظومة القضائية والشرطية على فتح ملفات أخرى أكثر جدلاً وتعقيداً، مثل القضايا الجنائية الخاصة بالسجون السرية والانتهاكات الجسيمة التي تحدث فيها، وهناك جرائم أخرى يجب أن تفتح ملفاتها حتى بعد مرور أمد طويل على حصولها، لأن هذا الأمر أصبح واجباً اليوم، وبينها ملفات الجثث التي القتها مليشيات على طرقات أشهرها شارع الزيت في بنغازي ومناطق أخرى شهدت حوادث مماثلة في فترات متقطعة”.
ويشير إلى تعثر فتح ملفات مثل هذه الجرائم بسبب صلتها بشخصيات نافذة في الحكم، “لكن يجب على الأقل البدء في محاكمة متورطين ألقي القبض عليهم بسبب تورطهم بقضايا مثل مجازر مقابر ترهونة الجماعية”.