العربي الجديد-
كشف النائب العام في ليبيا، الصديق الصور، خلال مؤتمر صحافي في 12 يناير، أن 51 شخصاً، هم 49 مواطناً وأجنبيان، اتهموا بارتكاب جرائم المقابر الجماعية في مدينة ترهونة، وأن 9 نشرات جلب صدرت في حق متهمين يوجدون في السعودية والإمارات ومصر وتونس.
وأوضح الصور أن النيابة العامة أصدرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة 400 أمر ضبط لمتهمين في قضية المقابر الجماعية في ترهونة، وأنها قدمت إلى السلطات المصرية طلبات لاسترداد ستة متهمين أوقفوا في القاهرة، والذين وصفهم بأنهم “مطلوبون رئيسيون”، موضحاً أن النيابة العامة تلقت 521 بلاغاً، وأحالت 194 منها إلى القضاء، في حين يستمر التحقيق في 327 بلاغاً، وجرى رفع 165 دعوى إلى محكمة الجنايات، و12 إلى محاكم جزئية، والتحفظ على 17 دعوى.
وأكد النائب العام أن “التحقيقات الخاصة بجرائم المقابر الجماعية في ترهونة تسير بوتيرة ممتازة، وتحسّنت إجراءات الملاحقة المحلية والدولية بعدما حثت السلطات الليبية الدول التي يوجد متهمون في القضية على أراضيها على تسريع إنهاء إجراءات تسليمهم”.
وفي أغسطس 2022، أعلنت النيابة العامة أن القضاء فتح 280 قضية تتعلق بالمقابر الجماعية في ترهونة، وأحال 10 منها إلى المحاكم، ووجه تهم القتل والتعذيب والخطف والإخفاء القسري والسطو المسلح والسرقة إلى 20 متهماً.
ويعد هذا الإعلان الأهم من نوعه من قبل السلطة القضائية في ليبيا حول ملف المقابر الجماعية، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على اكتشافها، في حين يؤكد معمر سعدون، وهو قريب أحد الضحايا، لـ”العربي الجديد”، أن كشف هذه المعلومات من دون ممارسة الرأي العام أي ضغوط على القضاء يبعث على الاطمئنان بأن القضية موضع متابعة، ونأمل في حسم هذه القضية بعد تغيّر ظروف الصراعات على الحكم، والذي يُعزز قوة القضاء الذي لا يعاني من خروق في التشريع، بل من عدم القدرة على تنفيذ القوانين”.
ويرى سعدون أن “عدم صدور أي أحكام في حق المتورطين يرتبط بضرورة اعتقالهم جميعهم، وهو ما لم يحصل حتى الآن لأن الملف يشمل مئات الضحايا في عشرات المقابر، فضلاً عن مشاركة مليشيات وكتائب مسلحة كثيرة يجب ملاحقة أفرادها وجلبهم أمام القضاء”.
في المقابل، يسأل الناشط المدني عبد القادر المرغني عن مصير أشخاص اعتقلتهم السلطات سابقاً بتهمة التورط في الجرائم، ويقول لـ”العربي الجديد”: “حتى إذا لم يتورط هؤلاء الأشخاص مباشرة بالجرائم فهم على علاقة بها بطريقة أو بأخرى، ما يستدعي محاكمتهم. لكن قضية مقابر ترهونة لا تزال تتأثر بالصراعات السياسية الداخلية، وربما تعاني من تدخلات إقليمية ودولية تهدف إلى عرقلتها. نتحدث عن صلة متورطين بحفتر الذي يملك حلفاء في الداخل والخارج، ويعني إعلان تورطه بالمجازر حدوث فوضى في أوراق سياسيين ومصالح دول على علاقة بالقضية الليبية”.
وتتهم أطراف داخلية وخارجية مليشيا “الكانيات” بارتكاب مجازر المقابر الجماعية، وتضم المليشيا عناصر من ترهونة تحالفوا مع حفتر خلال عدوانه على العاصمة طرابلس بين عامي 2019 و2020، ويوجد غالبية أفراد مليشيا “الكانيات” في مناطق سيطرة حفتر في جنوبي ليبيا وشرقها، علماً أنهم انسحبوا من ترهونة مع مليشيا حفتر في منتصف عام 2020.
ويؤكد المرغني أنه اطلع في بداية عام 2022 على خطاب وجهته النيابة العامة إلى مديريات أمن شرقي ليبيا الذي يخضع لسلطة حفتر، وطالبت فيه باعتقال أشخاص من مليشيا “الكانيات”، وتسليمهم إلى مكتب النيابة العامة في إطار التحقيق بقضية جرائم المقابر الجماعية، وتضمن الخطاب أسماء 18 مطلوباً، لكن قيادة حفتر لم تتجاوب مع طلبات تسليمهم.
يتابع: “يوجد متورطون بارزون ضمن مليشيات حفتر في جرائم مقابر ترهونة، ويعرف أسماءهم كل أهالي ترهونة، وتحديداً في الكتيبة 128، وفي لواء طارق بن زياد، ما يعني أن حفتر يقدم لهم الحماية ويؤويهم. إعلان النائب العام وجود 51 متهماً على ذمة التحقيق في القضية هو مجرد ذر للرماد في العيون، فالقضية قيد الحفظ، وكلامه يعكس اعترافه ضمناً بعدم استجابة دول تؤوي مطلوبين في القضية لطلبات تسليمهم، رغم أن القضية تخطت الإطار المحلي، وباتت محكمة الجنايات الدولية تحقق فيها أيضاً”.
وفي نوفمبر 2022، زار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ليبيا لمدة أسبوع، ثم أبلغ مجلس الأمن في تقرير أنّه “تتوفر أدلة على ارتكاب جماعات مرتبطة بقوات حفتر جرائم في ترهونة”.