DW–
افتتح معرض “قصة حب” في ليفربول حول الطبيعة العالمية لقصص اللاجئين. المعرض يطرح السؤال: في عالمنا الحالي المشبع بوسائل الإعلام والتواصل، هل يُفضل الناس الاستماع لممثل هوليودي يروي قصة لاجئ، أم للاجئ يروي قصته بنفسه؟
جميع المشاركين في مشروع “قصة حب” للفنانة كانديز بريتز، الذي يعرض في صالة عرض “تيت” في ليفربول بالمملكة المتحدة، فارين من بلادهم. من بين المشاركين اللاجئة السورية سارة عزت مارديني، وخوسيه ماريا جواو من أنغولا، ومامي مالوبا لانغا التي فرت من العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والناشطة الهندية المتحولة جنسيا شابينا فرانسيس سافيري، ولويس إرنستو نافا موليرو، المعارض السياسي من فنزويلا.
توضح مارديني في مقابلة معها في عام 2015، حينها كانت تبلغ من العمر 20 عاماً فقط: “عندما بدأت الحرب، شعرنا بالصدمة. كنا نشاهد الحرب في ليبيا، وفي مصر، لكننا لم نصدق أبداً أن شيئاً كهذا سيحدث في سوريا. الأمر سيء جداً لأننا فقدنا الكثير”. تعيش سارة عزت مارديني الآن في برلين بألمانيا، بينما المشاركون الآخرون يتوزعون بين نيويورك وكيب تاون في جنوب إفريقيا.
“هل تقسمين لنا أنك لاجئة؟“
تتذكر مارديني عندما وصلت لأول مرة إلى ألمانيا، كان الناس يقولون لها: “هل تقسمين لنا أنك لاجئة؟ هل أنت متأكدة؟ أنت ترتدين ملابس من ماركة “Nike”، لديك هاتف جوال، ومجوهرات.” لذلك كنت أتوقف وأقول لهم: “لماذا تعتقدون أن كل اللاجئين ليس لديهم المال”؟
“ما أنواع القصص التي نرغب في سماعها؟“
يجلس كل مشارك على كرسي أسود أمام ستارة خضراء. لكن هذه ليست مجرد فيديوهات مصورة لقصص لاجئين. في الغرفة الأولى من المعرض في “تيت” ليفربول، أعيد سرد هذه القصص نفسها في مقتطفات من قبل الممثلين في هوليوود جوليان مور وأليك بالدوين.
هم أيضا يجلسون أمام شاشة خضراء على كرسي ويتحدثون بكلمات اللاجئين. في المواد الصحفية التي تغطي معرضها، تطلب منا بريتز أن نفكر “ما أنواع القصص التي نرغب في سماعها؟ ما هي أنواع القصص التي تحرك مشاعرنا”؟
قالت الفنانة إنها تريد “البحث عن آليات التماهي مع الآخر وتحديد الظروف التي يتم فيها إنتاج التقمص العاطفي”. في حين أن أساس عملها هو قصص الأشخاص الذين فروا قبل أو أثناء ذروة ما يسمى بأزمة اللاجئين في عام 2015، فقد أجبروا جميعا على الفرار من بلدانهم الأم “بسبب مجموعة من الظروف القمعية”. تم عرض العمل مسبقا في جناح جنوب إفريقيا في بينالي البندقية في عام 2017، ويتم عرضه الآن لأول مرة في المملكة المتحدة.
“أكثر أهمية الآن مما سبق“
قالت مديرة معرض تيت ليفربول، هيلين ليغ لبرنامج (BBC Today) إن المعرض قد تم الإعداد لإقامته منذ فترة ولكنه تأخر بسبب جائحة كورونا. ومع ذلك، قالت إنه في الوقت الحالي يبدو أكثر أهمية، على الرغم من أن القصص التي يتضمنها قد تم تسجيلها في عام 2016: “تبدو (القصص) أكثر أهمية الآن مما كانت عليه في ذلك الوقت” عندما كانوا يخططون لعرضها قبل الوباء. ربما يعود ذلك إلى استمرار ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين والنازحين في العالم منذ ذلك الحين.
في يونيو من هذا العام، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أعداد النازحين استمرت في الارتفاع خلال العقد الماضي. بحلول 22 مايو، تم تهجير أكثر من 100 مليون شخص قسراً في جميع أنحاء العالم، إما بسبب الاضطهاد أو الصراع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان.
تشرح ليغ إلى بي بي سي أن صاحبة مشروع المعرض، الفنانة كانديس بريتز، قالت إن مشروعها بدأ عندما وصل أكثر من مليون طالب لجوء ولاجئ إلى ألمانيا خلال عامي 2015 و2016. فقد شعرت أنه من واجبها كفنانة أن تقوم بتسجل قصصهم. ثم سألها أحد ما من الأشخاص الذين قابلتهم: “لماذا تفعلين هذا؟ لماذا تسجلين قصصنا؟ لا أحد يهتم بنا، لن يستمع أحد، أنت بحاجة إلى أحد نجوم هوليوود”.
تشرح ليغ أن بريتز قررت الاتصال بأليكس بالدوين الذي عملت معه قبل بضع سنوات. فقال “من سيكون نظيري؟” وعرفت بريتز أنه قد عمل مؤخراً مع الممثلة جوليان مور، واقترحها، ثم من هناك كانت نقطة انطلاقة المشروع.
“لا يمكنني التحدث باسم جميع اللاجئين“
يوضح فرح عبدي محمد (27 سنة)، الذي ترك الصومال في 2012: “لا يمكنني التحدث باسم جميع اللاجئين، لكنني أعتقد أن العديد منهم، بمن فيهم أنا، يرغبون في العيش في بلدانهم، إذا كان بإمكانهم ذلك بسلام وحرية.. يريدون أن يكونوا قادرين على اختيار أي شيء يعجبهم حرية الكلام وحرية الدين”.
وقال محمد: “في الصومال، لا يوجد نظام يحمي حقوق الناس. لذلك، من الصعب جداً القول إن هناك حرية تعبير أو حرية دينية في الصومال”. ويروي محمد أن والده قد قُتل عندما كانت والدته حاملاً به: “قُتل على يد قبيلة أخرى. يعني ذلك أنه قد قُتل فقط لأنه لم يكن من قبيلتهم”. ويستذكر أنه عندما كان طفلاً، على الرغم من أن بعض أفراد عائلته الكبيرة كانوا “أثرياء جدا”، إلا أن عائلته المباشرة المكونة من والدته وأخته لم يكونوا أغنياء، إذ قامت والدته بتربيتهم لوحدها. وقال بهدوء: “كنت أهذي بالطعام”، متذكراً الجوع الذي غالبا ما كانوا يعانون منه.
“25 يوما، من دمشق إلى برلين“
تشرح سارة عزت مارديني عن رحلتها: “غادرت دمشق في 12 أغسطس 2015 على متن طائرة، أنا وأختي (يسرا مارديني) معاً. وقد استغرقت رحلتي 25 يوماً منذ مغادرتي دمشق حتى وصولي إلى برلين”.
سارة ويسرا سباحتان محترفتان في سوريا، ونالتا شهرة بعد إنقاذ القارب المطاطي الذي قطعتا به البحر من تركيا إلى اليونان ومن فيه من الغرق. تتذكر كيف كانت خائفة هي وأختها عند اتخاذ قرار ركوب القارب.
وتتذكر مارديني أنه عندما جاء دورها وأختها لركوب القارب في تلك الليلة، فتقول بابتسامة ساخرة: “لقد كان زورقا مطاطيا يتسع لحوالي ثمانية أشخاص فقط، لكنهم وضعوا فيه 20 شخصا. كنت خائفة للغاية، شعرت أن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام، لكنني لم أستطع فعل أي شيء. لم أصدق أنني سأصل (إلى الجانب الآخر: اليونان). عندما كنا في القارب، كان الجميع يصلون بصوت عالٍ. باتت أصوات الـ 20 شخصا وكأنها صوتاً واحداً، وكان الجميع يردد بصوت واحد “يا الله”.
“كنت أفكر في أنني سباحة، لا يمكنني الاستسلام“
بعد 15 دقيقة توقف المحرك، كان القارب ثقيلاً للغاية لدرجة أنه بدأ في الغرق، كما تتذكر مارديني أن رجلا قد قفز إلى الماء وحاول المساعدة وتقول إنها شعرت بالمسؤولية عن حياة جميع الركاب. “كنت أفكر قبل أن أقفز إلى الماء: أنا سباحة، لا يجب أن استسلم وأبكي مثل الطفل الصغير. يجب أن أفعل شيئاً لمساعدة الآخرين.. أنا سباحة محترفة، لن أسامح نفسي أبداً إن لم أساعدهم”.
بعد ذلك انضمت إليها أختها، “كانت أكثر اللحظات رعباً في حياتي”. وقالت مارديني إنها إلى جانب أختها وشخصين آخرين، حاولوا دفع القارب إلى الأمام، لكن الماء أصبح أكثر برودة. وتتذكر مارديني أنهم ظلوا في الماء لمدة 3.5 ساعات، لكن شعرت وكأنها “10 ساعات أو 24 ساعة”، وتقول: “لقد كان كابوساً، لا يمكنني الذهاب في البحر الآن”.
في عام 2015، كانت مارديني تبلغ من العمر 20 عاما، وهذا يعني أنها قد عاشت جزءاً كبيراً من سنوات مراهقتها خلال الحرب في دمشق بسوريا.
“نحتاج فقط إلى مستقبلنا“
توضح مارديني أنها أُجبرت على مغادرة سوريا “بطريقة غير شرعية” لأنه: “إذا أردت الحصول على تأشيرة، فعليك الانتظار ست أو سبع سنوات، لذلك من الأفضل والأسرع مغادرة سوريا بالطريقة غير القانونية”. وتقول: “لأننا لاجئون، يعتقد بعض الناس أننا لا ندرس، نحتاج إلى ملابسهم القديمة، نحتاج إلى الطعام ونحتاج إلى المال. لدي كلمة واحدة فقط لهم، لسنا لاجئين نبحث عن المال. نحن لاجئون من الحرب. لسنا بحاجة إلى أموالك، نحن بحاجة إلى مستقبلنا فقط. الجميع بانتظار الحصول على حق اللجوء ليبدأ العمل والاندماج”. وتضيف: “لا أحد يأتي إلى أوروبا ويحمل فكرة تسول المال. الجميع هنا للعمل ولإيجاد مستقبلهم”.
وتقول مارديني: “عندما وصلت إلى ألمانيا، بكيت.. قلت كلمة واحدة فقط، أشعر أنني إنسان مرة أخرى. لا أريد أن يشعر أي شخص بالشفقة علي، أو يشعر بالأسف تجاهي لأنني أحمل صفة (لاجئة). لا أريد المساعدة من أحد، يمكنني أن أجد طريقي في هذه الحياة”.