هل يدفع “تعويم الجنيه” عموم المصريين للنزول في “11/11″؟
عربي 21-
فجرت قرارات البنك المركزي المصري الأخيرة تحرير سعر صرف الجنيه أو ما يُعرف بـ”تعويم العملة”، ورفع سعر الفائدة بمقدار قياسي بنحو 2 بالمئة، صدمة كبيرة في الشارع المصري، ومخاوف من سقوط ملايين المصريين الجدد تحت خط الفقر.
والخميس (27 أكتوبر 2022م) قررت لجنة السياسات النقدية بالبنك، تحقيق سعر صرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية وتركها لقوى العرض والطلب ضمن نظام سعر صرف مرن.
ويرتبط هذا الأمر في أذهان المصريين بانهيار العملة المحلية وزيادة التضخم، كما حدث في التعويم الأول، في نوفمبر 2016، والثاني في مارس الماضي.
وقرر المركزي المصري، رفع أسعار الفائدة على عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملة الرئيسية بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.25 بالمئة و14.25 بالمئة و13.75 بالمئة.
“صدمة المصريين”
وهي القرارات التي صدمت المصريين وتزامنت مع إعلان صندوق النقد الدولي منح مصر قرضا بنحو 3 مليارات دولار، يجري صرفه لها على مدار 46 شهرا، مقابل تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، التي لاشك تمس ملايين المصريين، وفق مراقبين تحدثوا سابقا لـ”عربي21″.
وبمجرد إعلان تلك القرارات، انخفضت قيمة الجنيه لـ23.15، مقابل الدولار، صباح الجمعة، من 19.77 جنيه صباح الخميس، فيما اشتعلت أسعار السلع والخدمات وبينها الذهب الذي سجل منه الغرام عيار 21، صباح الجمعة 1083.15 جنيه (نحو 46.78 دولار).
ارتفاع سعر الدولار أثر سريعا على أسعار الأخشاب، وسط توقعات بصعودها بنسبة 20 بالمئة، وفق نائب رئيس شعبة المستوردين محسن التاجوري، الذي حذر في تصريح لموقع “المال” الاقتصادي، من حالة من عدم الاستقرار والفوضى.
وشهد سعر السلع الأساسية التي تهم المواطن الفقير صعودا منها بيض المائدة، والدواجن رغم ارتفاعاتها السابقة، إلى جانب اللحوم التي ارتفعت الخميس، بمقدار 10 جنيهات في الكيلو، بحسب رصد مراسل “عربي21”.
ويتوقع مراقبون، زيادة نسب التضخم التي بلغت في سبتمبر الماضي نحو 15 بالمئة، وسط عجز حكومي عن حل أزمات الاستيراد ونقص السيولة وتغول فوائد الدين على الموازنة العامة، وسط توقعات لوكالة “موديز”، بإخفاق القاهرة في سداد أقساط ديونها الخارجية (155.7 مليار دولار).
وكان قرار الحكومة المصرية رفع رواتب العاملين في الحكومة وأصحاب المعاشات 300 جنيه، ورفع الحد الأدنى للأجور بنفس القيمة ليصل إلى 3 آلاف جنيه الأربعاء الماضي، دون أي فائدة بعد تعويم الجنيه صباح الخميس، بل إنه زاد من حدة الغضب لدى المصريين.
وعن حالة المصريين بعد التعويم، قال مستشار وزير التموين المصري الأسبق، عبد التواب بركات، إن “تدمير العملة هو تدمير لمصر، وتدمير للاقتصاد”، موضحا أن “وصول سعر الدولار من 7 جنيهات إلى 23 جنيها، يعني أن مصر كانت تستورد طن القمح بـ1800 جنيه، والآن تستورده بسعر 8500 جنيه، ورغيف العيش يزيد من ربع جنيه إلى جنيه ونصف”.
“11/ 11”
ولأن تلك القرارات وتلك الحالة المالية والاقتصادية الصعبة للحكومة المصرية وللمصريين معا، تتزامن مع دعوات معارضين من الخارج والداخل للتظاهر في 11 نوفمبر المقبل، فإنه من المحتمل تفاقم حالة الغضب بين الفئات الفقيرة والشعبية نظرا لما سيطالها من غلاء.
وقبل تلك القرارات، كان لافتا وفق مراقبين، وجود 3 تيارات بين الناس في مصر، الأول منها: تيار غاضب ويدعو للتظاهر وقرر النزول في (11/11)، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ “كوب 27″، الذي يقام في شرم الشيخ بجنوب سيناء وسط حضور 95 رئيس دولة ومسؤول..
والثاني: تيار غاضب ويتخوف من النزول للتظاهر بسبب البطش الأمني المؤكد حدوثه.. فيما الثالث: هو التيار الموالي للنظام والرافض للتظاهر إما حبا في رأس النظام عبدالفتاح السيسي، أو خوفا من حالة الفوضى التي يحذر منها إعلام النظام.
وهو ما يدفع للتساؤل عن دور قرارات البنك المركزي وخاصة تعويم الجنيه، في زيادة غضب المصريين، ويدفعهم للمشاركة في تلك التظاهرات.
وفي رصده لحالة الشارع بعد تلك القرارات قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، إن “الهبوط المتسارع للجنيه يتناسب معه عكسيا الصعود المتسارع للغضب”، مضيفا عبر “فيسبوك”: “فالغضب نصف علاج الخوف وإذا سقط الخوف سقط النظام”.
“في انتظار الشرارة”
وبالفعل فإن الحديث عن وقع قرار تعويم الجنيه، لا يغيب عن مجالس العامة من المصريين الغاضبين، الذين يربطون بين ما سيحدث من غلاء قادم وبين ما سيحدث من تظاهرات يترقبونها ويتمنون أن تكون فيها نهاية للنظام العسكري الحاكم.
وقال “م. ع”، أحد المشاركين في ثورة يناير، إن “وضع الشارع المصري الآن من التخبط الحكومي وحالة الجباية وغلاء الأسعار وحنق المصريين على النظام يماثل تماما وضعه في نهاية عصر حسني مبارك، وجميعها أوضاع كانت دافعا قويا لثورة يناير 2011”.
وأضاف لـ”عربي21″: “في قرارة كل مصري يتمنى الخلاص من النظام؛ ولكنه يخاف من دفع ثمن أكبر، ولذا صبر الناس على جرائم النظام وتجويعه لهم طيلة تلك السنوات، ولكنه الآن وصل لمرحلة الانفجار الواضح والغضب الصريح، وهي حالة لها ما بعدها من تطورات”.
ولا يعرف الناشط المصري، إن كان المصريون سينزلون في (11/11)، بأعداد كبيرة، ولكنه على يقين من أن “نزولهم مؤكد ومجرد وقت، وأنه لو حدثت الشرارة فإنها سوف تعم الغاضبين”، والغاضبين في رؤيته “في كل ربوع البلاد ومن كل الطبقات”.
“قفز في الهواء”
وفي إجابتها عن تساؤل “عربي21″، “ماذا بعد قرارات المركزي المصري، هل تزيد حدة غضب المصريين؟”، قالت الكاتبة الصحفية المصرية مي عزام: “بالتأكيد هناك حالة غضب واحتقان في الشارع من جميع الفئات التي تضررت حياتها نتيجة قرارات واختيارات اقتصادية خاطئة على مدى السنوات الماضية”.
وفي تقديرها لاحتمالات أن يحرك الغضب الجديد حزب الكنبة في الشارع المصري، وأن الهبوط المتسارع للجنيه يتناسب معه عكسيا الصعود المتسارع للغضب، ترى أن “مشاعر المصريين تتراوح مابين الغضب العارم، واليأس المطلق، وبينهما فئة متبلدة ليس لديها شعور بالهم العام”.
وختمت بالقول: “في اعتقادي أن الجو العام ليس مستعدا لقفزة في الهواء”.
“صعوبة التكهن”
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام “تكامل مصر”، الباحث مصطفى خضري، وفي إجابته على تساؤلات “عربي21″، قال إن “قرارات البنك المركزي تتعلق بالسياسة النقدية والتي لا يعرف كثير من المصريين عنها شيئا”.
وأضاف: “بالرغم من ذلك إلا أن هناك ارتباط شرطي عند المجتمع بين انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وبين ارتفاع أسعار السلع والاحتياجات والخدمات التي لا يستطيع المواطن أن يعيش بدونها”.
وأوضح أنه “ولهذا فإن قرارات المركزي وما ترتب عليها من انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار للمرة الثانية في أقل من عام؛ قد صنعت حالة من الغضب الشعبي المعلن في أوساط المجتمع المصري لا يمكن أن نتنبأ بعواقبها على النظام وأركانه”.
وبشأن احتمالات أن يحرك هذا الغضب حزب الكنبة، يرى الخبير بالتحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام أنه “لا شيء يمكن أن يمنع الجائع من الغضب، فما تطلق عليه الصحافة حزب الكنبة؛ ليس إلا قطاعات من المصريين كانت لديهم قناعة بأن حالهم الحالي أفضل من الثورة على النظام والمعاناة من المجهول”.
“ولكن مع تردي الأحوال الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة لما يقارب ربع قيمتها منذ 10 سنوات، وعدم قدرة جميع قطاعات المجتمع على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم؛ أصبح هناك تقارب بين الوضع الحالي والمجهول، وهو ما يزيد من صعوبة التكهن برد فعل ما يطلق عليه حزب الكنبة”.
ورغم ذلك وافق خضري، على الرأي القائل بأن “الهبوط المتسارع للجنيه يتناسب معه عكسيا الصعود المتسارع للغضب”، مضيفا أن “هبوط قيمة الجنيه يتناسب عكسيا مع نقص الاحتياجات الأساسية، وارتفاع أسعارها، وفشل المشاريع الاقتصادية، وزيادة البطالة، وكل ذلك يتناسب طرديا مع الغضب المتسارع بالمجتمع”.
وحول وضع رأس النظام عبدالفتاح السيسي من القبول والرفض لدى الجماهير، أكد رئيس “تكامل مصر”، أن “هناك دراسة تتم حاليا حول مدى تأثير السياسات النقدية التي أقرها البنك المركزي على المجتمع، وارتباط ذلك بحجم التأييد الحالي للنظام”.
وبشأن النسب المحتملة لنزول المصريين قياسا على حالة الغضب الراهنة، أوضح خضري، أن “الدراسة التي نجريها حاليا ستضع لنا مؤشرات دقيقة حول تلك الأحداث”.
“لن تستطيع الاستمرار”
وعبر الكاتب الصحفي أنور الهواري، عن فئة المثقفين الغاضبين بقوله: لا يوجد “مصري واحد ممكن يكون ضد مصر، ولا ضد الدولة المصرية، ولا ضد رئيس الدولة بصفته الشخصية، ولا ضد مؤسسات الدولة، ولا ضد الاستقرار، ولا مع الفوضى، ولا مع أي أذى يلحق البلد أو الشعب من قريب أو من بعيد”.
وعبر صفحته بـ”فيسبوك”، أضاف: “لكن من حق كل مصري أن يعبر دون خوف عن موقفه ورأيه من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها رئيس الدولة بسلطاته الفردية المطلقة، وتنفذها المؤسسات دون اعتراض، ويتضرر منها قطاعات كبيرة من الشعب ضررا بليغا مؤذيا”.
وختم تدوينته بالقول: “مهما كانت قبضة الحكم بالحديد والنار قوية وقاسية فلن تستطيع الاستمرار في كتم أنفاس 100 مليون نفس”، مضيفا: “أعيدوا للشعب ما سلبتموه من حريته ولقمة عيشه وعزة نفسه وأمانه وكرامته وسعادته وبهجة قلبه وثقته في نفسه وحبه للحياة”.