هل تنجح دعوات النزول للشارع في نوفمبر بتحريك المصريين؟
عربي 21-
تحركات متتابعة من المعارضة المصرية في الخارج بمواجهة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قبل نحو شهر من قمة المناخ “كوب 27” المقرر عقدها في مدينة شرم الشيخ 6 نوفمبر المقبل، بحضور رؤساء ومسؤولي 96 دولة.
وفي ظهور قوي ولافت مغاير لما كان في السنوات الماضية، فقد جرت خلال الأيام الماضية عدة وقائع هامة ولافتة تشير إلى حراك قوي محتمل من المعارضة المصرية في الخارج والداخل، وذلك بالتزامن مع أزمات مالية واقتصادية.
“التظاهر (11/11)”
وتتوالى دعوات للتظاهر يوم 11 نوفمبر المقبل، على لسان معارضين مصريين بالخارج، بينهم المعارض الشهير محمد علي، واليوتيوبر المثيرة للجدل مؤخرا نرمين عادل، والأكاديمي المصري الأمريكي محمود وهبة، والممثل خالد أبو النجا، واليوتيوبر ريم هندي، وغيرهم.
في 27 سبتمبر الماضي، أطلق الممثل والمقاول المصري محمد علي، دعوة للتظاهر ضد السيسي محددا إياها بيوم الجمعة 11 نوفمبر المقبل، تزامنا مع قمة المناخ التي يوليها نظام السيسي اهتماما خاصا ويرجو منها مكاسب مالية ودولية.
وطالب وهبه، بالتظاهر ضد نظام السيسي، داعيا إلى جعل النزول يوم الجمعة 4 نوفمبر المقبل، أي قبل يومين من موعد وصول رؤساء العالم لقمة المناخ، مؤكدا أنه أمر يشغل الأمن المصري ما يجعل ذلك اليوم الأنسب للحراك، وفق وهبه.
لكن الممثل المعارض خالد أبو النجا، دعا لتعديل يوم التظاهر ليكون الاثنين 7 نوفمبر المقبل، الموافق اليوم الثاني من قمة المناخ.
“عودة المعارضين“
ومن فرنسا دعا المعارض المصري ذو التوجه اليساري، مصطفى بكري، إلى نزول المعارضين المصريين من بلاد المهجر إلى مصر جميعهم بيوم واحد، حدده في 2 نوفمبر المقبل.
بكري، الذي يتشابه اسمه مع البرلماني المؤيد للسيسي مصطفى بكري، دعا بـ”فيسبوك”، مساء 30 سبتمبر الماضي، المصريين للتجمع أمام المحكمة الدستورية العليا 2 نوفمبر المقبل، لإلغاء تعديلات السيسي على الدستور وعلى فترة الرئاسة.
وقال فيما وصفه بأنه “بيان للأمة”: “أعلن نيتي للترشح لرئاسة الجمهورية وعودتي لمصر، وإقامة مؤتمر في باريس يوم 16 أكتوبر الجاري، داعيا المصريين لتحرير توكيلات له”.
“حضور طنطاوي“
في السياق نفسه، هناك حضور إعلامي كثيف بفضائيات غربية ناطقة بالعربية للمعارض المصري من لبنان، أحمد طنطاوي، الذي دعا السيسي إلى الخروج من المشهد.
وفي 4 سبتمبر الماضي، تحدث طنطاوي الرئيس السابق لحزب “الكرامة” لقناة “بي بي سي عربي” ليثير الكثير من الجدل في ما طرحه بشأن معارضته النظام المصري.
وفي حوار لاقى قبول معارضين وخاصة التيار المدني وتيار اليسار، ثار سجال واسع، وطرح البعض اسم طنطاوي كبديل للسيسي قد يجري التوافق عليه بين القوى السياسية.
وفي مقابلة مع قناة “الحرة”، 7 أكتوبر الجاري، طالب طنطاوي، السلطات المصرية بوضع قانون انتخابي عادل وتطبيق إجراءات سليمة والاحتكام إلى إرادة الناخبين.
وأكد أن “مصر تحتاج إلى بديل مدني ديمقراطي يرضي الناس، والأهم أن يقدم حلولا لمشاكل حاضرهم ويخلصهم من هذا الفشل الذي نعيشه على كافة المستويات”.
“حكومة ظل“
وفي 6 أكتوبر الجاري، أعلنت الأمانة العامة، للحوار الشعبي المصري، الذي جرى في الخارج بين 7 و23 أغسطس الماضي، ويقوده المعارض المصري من تركيا أيمن نور، عن فكرة إقامة حكومة ظل مصرية لأول مرة بتاريخ البلاد.
مهمة تلك الحكومة، “وضع وثيقة لإنقاذ البلاد موضع التنفيذ، والعمل على تقديم مزيد من الحلول الواقعية للأزمات، وتقديم نموذج موحد ومطمئن على مآلات التغيير المستحق”.
“دعوة السادات“
بل إن الأمر وصل حد مطالبة السياسي المصري محمد أنور السادات، في حوار مع موقع “الموقع”، السيسي، بإعلان عدم الترشح لانتخابات الرئاسة في 2024، وهو ما يحدث لأول مرة من سياسي يعيش داخل مصر.
وقال مخاطبا السيسي: “إذا كنت حريصا على أن تترك تاريخا مسجلا بهذا البلد انظر وراءك حيث مبارك والسادات وعبدالناصر، الفرصة ما زالت مواتية أن تسجل في التاريخ بأحرف من نور أنك الرئيس الذي وبمحض إرادته الذي زهد بالحكم وترك المنافسة حرة شريفة لكل من يتقدم، سوف يذكرها لك التاريخ”.
“الخروج الآمن“
وطالب معارضون بالخروج الآمن للسيسي مقابل تركه لحكم البلاد.
واقترح الناشط محمود عمارة، في تعليق عبر “فيسبوك”، “الخروج الآمن” للسيسي بشرط أن يعلن أنه “لن يترشح لانتخابات 2024، وخلال هذه الفترة يستمع للخبراء والمتخصصين وينفذ روشتاتهم بكافة القطاعات فورا”.
وقال الناشط أنس كشك: “مطلوب من السيسي، خطاب يشرح الموقف وما وصلنا إليه، وإعلان المسؤولية عن الفشل، والاعتذار للشعب، والطلب منه الخروج الآمن، بعد إلغاء التعديلات الدستورية”.
وأضاف أن “القرار بيد الشعب إما خروج آمن أو محاكمته، أما الحكومة والسلطة التشريعية فليس أمامها خيار سوى المحاكمة على ما أوصلوا حال البلاد والعباد إليه”.
“هتاف مبارك“
وفي 6 أكتوبر الجاري، أثارت زيارة جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك لقبر أبيه في الذكرى الـ49 من انتصار أكتوبر 1973 والذي كان فيه مبارك قائدا للقوات الجوية، الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتجمع أنصار مبارك، حول نجله، وهتف أحدهم عدة مرات في مقطع فيديو انتشر سريعا، قائلا: “ولا يوم من أيامك يا مبارك”، مكررا إياها عدة مرات وسط تفاعل باقي الحاضرين الذين قال أحدهم “هتتعوض”، في إشارة لدور محتمل قادم لجمال مبارك.
“العملية سيرلي”
من جانبها لفتت المعارضة المصرية من إسطنبول غادة نجيب، إلى توجيه المعارضة إنذارا شديد اللهجة، بمقاضاة نظام القاهرة وحكومة باريس بسبب ما يعرف بالعملية “سيرلي”، التي جرت بين عامي 2016 و2018، وقتل فيها مدنيون بعمليات عسكرية على حدود ليبيا.
وقالت لـ”عربي21″، إنه “أهم حدث تم فعله من قبل المعارضة كفعل حقيقي وليس رد فعل، ولأول مرة تتجاوز المعارضة مجرد التصريحات أو البيانات أو تفعيل كيانات قائمة أو صناعة كيانات جديدة، شيء جديد ضد النظام مستوف للشروط ومتكامل الأركان”.
وفي 15 سبتمبر الماضي، كشفت محاميتان دوليتان لـ”عربي21″، عن تفاصيل شكاوى رسمية قدمتاها للمدعي العام الفرنسي والأمم المتحدة، بالنيابة عن شخصيات وحركات مصرية معارضة للتحقيق في تورط مسؤولين مصريين، وتواطؤ مسؤولين فرنسيين، بـ”جرائم ضد الإنسانية وتعذيب”.
“فقدان الثقة”
وفي رؤيته لدلالات كل تلك المطالبات والدعوات والتجمع اللافت من المعارضة المصرية، قال الناشط اليساري والسياسي المعارض حسن حسين: “لا أجد تعليقا على كل هذا سوى أنه نوع من العمل السياسي الكوميدي”.
حسين، في حديثه لـ”عربي21″، أوضح أن تلك الدعوات تأتي “من شخصيات بالداخل والخارج لا يمكنها تحريك حجر من موضعه”، متوقعا ألا “يستجيب أحد لا لهؤلاء ولا لهؤلاء”.
وأكد أن “الحركة تحتاج قبلا لخطة واضحة ولمصداقية سابقة”، فيما يرى أن “كل من وردت أسماؤهم لا يمتلكون خطة ولا مصداقية”.
ولفت إلى أنه “يجب ألا ننسى أن الشعب بكل قطاعاته وانحيازاته وتصنيفاته فقد الثقة بالنظام الحاكم وبالمعارضة أيضا”، مشيرا إلى أن “النظام يفترس الوطن والمواطن جهارا نهارا، والمعارضة تتواطأ وتفتح حوارا سريا مع السلطة الحاكمة”.
وعن إمكانية استجابة الجماهير لتلك الدعوات بفعل تغير الظروف واشتداد الأزمات، ختم بالقول: “صحيح أن الأزمات تشتد والاحتقان يزيد؛ ولكن طالما لا توجد حركة وطنية قوية ومنظمة فإنه لا يمكن الحديث عن حراك جماهيري، ناهيك عن انتفاضة أو ثورة أو تغيير”.
“دعوات خطيرة”
وقال الناشر المصري المعروف هشام قاسم: “لا يمكن وضع جميع تلك الشخصيات بسلة واحدة، فهناك من لا يصلح للعمل العام أصلا، والأمر أن هناك فرصة للبعض للحديث بالشأن العام في غياب السياسيين الحقيقيين والأصوات المعتقلة الموجودة الآن بالسجون”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، تساءل: “بعد نزول الشارع، ماذا يفعل المتظاهرون؟ وكيف يتم التفاهم مع الجماهير وضبط سلوكهم الذي ربما يتحول من غضب إلى تمرد شعبي؟”.
وأشار إلى ما حدث من مجازر للمصريين بعد 28 يناير 2011، و”ما جرى في مجزرة “(محمد محمود) بشكل خاص”، واصفا إياها بأنها “كانت كارثة، وأفلت زمام الأمر، وانتهى بسيطرة الجيش على مقاليد السلطة في المقابل”.
وعاد قاسم، للتساؤل مجددا: “مع نزول آلاف المصريين وسقوط الضحايا، هل ينزل من تبنى تلك الدعوات ويكون على رأس الناس أم لا؟”، معتقدا أن “محمد علي، مثلا كأحد الداعين للنزول لن ينزل”.
وأكد أن “فكرة نزول الشارع غير مناسبة، رغم تأكيدي على أن السيسي لا يصلح لأن يكون رئيسا لمصر، والحكم العسكري الذي لا يعمل لصالح المصريين يجب أن يزول بعدما (شحتنا)، فهم عصابة، هذا يريد امتيازات سياسية وآخر يريد تصفية شركات البلد”.
وأضاف: “مع ذلك فإن دعوات النزول أمر خطير، لا يقل خطورة عن ما يفعله السيسي، الذي يحاول أخذ قرض صندوق النقد لتحسين التصنيف الائتماني الخاص بمصر ثم يحصل على قروض جديدة، وفي كل الأحوال سيواصل القمع”.
وختم بالقول إن “الانفجار آت لا محالة والوضع أسوأ بكثير مما هو معلن”.
“غياب الإخوان“
من جانبه، قال الباحث والخبير المصري في قياس الرأي العام والتحليل المعلوماتي مصطفى خضري: “إذا أمعنا النظر في تلك الإنذارات الموجهة للسيسي من متصدري السوشيال ميديا والإعلام الخارجي سنجدها على ثلاثة مستويات”.
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام ” تكامل مصر”، أوضح في حديثه لـ”عربي21″، أن “الأول، فضائيات إعلامية محترفة لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإقليميين، وهذا القسم له دور كبير في نشر الوعي ووضع نظام السيسي تحت ضغوط مستمرة”.
أما الثاني، “فهم بعض المحسوبين على الأجهزة السيادية المناوئة للسيسي، والذين يتجرأون في طرح المبادرات والتوعدات ويلمحون بين فينة وأخرى بوجود دعم منتظر من الأجهزة في الداخل إذا حدث حراك شعبوي ضد السيسي”.
أما الثالث، وفق خضري، فيتمثل في “بعض المصريين بالخارج والذين منهم أصحاب قضية حقيقية، ومنهم أيضا بعض المرتزقة الذين وجدوا في الوضع السياسي المصري فرصة للشهرة أو المكسب المادي المرتبط بحجم مشاهدات ما يبثونه من فيديوهات”.
واستدرك: “لكن في الحقيقة لا يوجد جهة واحدة قادرة على تحريك الشارع والوصول للكتلة الثورية الحرجة القادرة على التغيير؛ إلا جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من التيار الإسلامي، والأجنحة المناوئة للسيسي في الداخل تعلم هذا جيدا”.
وتابع: “ولكن تلك الأجنحة تريد إزاحة السيسي واستبداله بدون الاتفاق مع جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك فقد سعت إلى صناعة زخم إعلامي يوحي بوجود تحرك ثوري شعبوي أكثر من مرة؛ لجر جماعة الإخوان إلى المشاركة بدون اتفاق وضمانات مقدمة للجماعة لمرحلة ما بعد السيسي، لكن الأحداث أثبتت أن الجماعة كانت واعية لهذه التحركات”.
ويعتقد الباحث المصري، أن “الحل الأفضل والأكثر إنجازا لإزاحة الجنرال من المشهد؛ هو الثورة المصنوعة باتفاق جماعة الإخوان مع الأجهزة السيادية المناوئة للسيسي، أما الحلول الأخرى التي ينفرد بها كل طرف منهم فلن تؤتي ثمارها على الأرجح”.