اخبارالرئيسيةعيون

هل تمهد مشاورات مجلسي النواب والدولة في ليبيا لتنفيذ خريطة الطريق الأممية؟

العربي الجديد-

يتجه مجلسا النواب والدولة في ليبيا إلى الاتفاق على إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ضمن مشاورات جارية بينهما، في خطوة تشير إلى بدء تنفيذ خريطة الطريق السياسية التي أعلنتها بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا في 21 أغسطس الماضي، والهادفة إلى تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات.

وبينما بدأت مشاورات لجنتي المناصب السيادية في المجلسين منذ السبت الماضي، لم يصدر بيان مشترك حتى الآن، غير أن النائب الثاني لرئيس البرلمان مصباح دومة أصدر بياناً، مساء الأحد (28 سبتمبر 2025)، أكد فيه أن لجنة المناصب السيادية تسعى إلى إدخال تعديلات جوهرية على هذه المناصب، بما يعزز الشفافية ويكرس مبدأ العدالة والمصالحة. وأضاف أن هذه المرحلة تمثل انطلاقة جديدة نحو الاستقرار وتمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة تشرف عليها، داعياً القوى الوطنية إلى دعم هذه الجهود.

توحيد المؤسسات

في هذا السياق، التقى رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة وفداً من مجلس النواب بطرابلس، حيث بحث الجانبان مستجدات الأوضاع وسبل تعزيز التنسيق، ولا سيما في ملف توحيد المؤسسات وتعيين شاغلي المناصب السيادية، بحسب المكتب الإعلامي لمجلس الدولة. ورغم أن الطرفين لم يعلنا رسمياً عن مشاوراتهما الجارية، أكدت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن المفاوضات تنحصر في كيفية إعادة تشكيل مجلس المفوضية، باعتباره أحد المناصب التي يتطلب شغلها اتفاقاً مشتركاً بين المجلسين، موضحة أن هذه التحركات جاءت تحت ضغوط خارجية لدفعهما نحو بدء تنفيذ الخريطة الأممية، رغم تحفظات رئيس البرلمان عقيلة صالح.

ووفق أحد المصادر، وهو مصدر برلماني، فقد قبل صالح مبدئياً بإعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية، لكنه تمسك بالقوانين الانتخابية التي أعدتها لجنة “6+6″ باعتبارها الإطار القانوني المناسب، وطالب بضرورة الانتقال مباشرة إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة.

وكانت المبعوثة الأممية هانا تيتيه قد عرضت في إحاطتها أمام مجلس الأمن، في 21 أغسطس الماضي، تفاصيل خريطة طريق سياسية في ليبيا يجري تنفيذها في زمن يراوح بين 12 و18 شهراً، موضحة أنها تقوم على ثلاث ركائز أساسية: صياغة إطار انتخابي فني وسياسي سليم، وتوحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة جديدة، و”حوار مهيكل” بمشاركة مجتمعية موسعة إلى جانب الفاعلين السياسيين. وذكرت تيتيه أن التنفيذ سيكون “تدريجياً وبحزمة واحدة”، تبدأ بإعادة تشكيل مجلس المفوضية في ليبيا وإجراء تعديل على الإطار القانوني خلال شهرين “إذا توفرت الإرادة السياسية”، باعتبارها خطوة أولى يعقبها تشكيل حكومة جديدة موحدة. في المقابل لم تحدد إطاراً زمنياً لمرحلة “الحوار المهيكل” الذي سينتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

ورأى أرحومة الطبال، عضو حزب الائتلاف الديمقراطي الليبي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن بدء مجلسي النواب والدولة مشاوراتهما حول إعادة تشكيل مجلس المفوضية، لا يمكن فهمه إلا بصفته “بداية عملية” لتنفيذ خريطة الطريق الأممية، حتى وإن لم يعلنا ذلك صراحة. وقال الطبال إن المجلسين اكتفيا عند إعلان تيتيه عن خطتها ببيانات ترحيب عامة، لكن بدء المشاورات يمثل “انتقالاً نوعياً في مواقفهما، إذ يعكس بداية انخراط فعلي في المسار الأممي، بغض النظر عن دوافع الاستجابة، سواء كانت ضغوطاً خارجية أو حسابات داخلية”. لكنه أوضح أن الانخراط في أولى مراحل الخطة “لا يعني خضوعاً كاملاً لما يمكن وصفه بإملاءات البعثة أو الضغوط الخارجية، فالمجلسان يدركان أنهما يملكان أوراقاً أساسية تمنحهما موقعاً مركزياً في أي تسوية، خصوصاً أن الوثائق الدستورية، على رأسها اتفاق الصخيرات (في المغرب، الموقع في عام 2015)، تحصر فيهما مهام أساسية للدخول في أي مرحلة جديدة، مثل إعداد القوانين الانتخابية وتشكيل الحكومة”.

وأشار الطبال إلى أن المجلسين يملكان “الخبرة الكافية في المناورة السياسية لتسخير متطلبات المرحلة لصالحهما، لكنهما في الوقت ذاته يعرفان أن شرعيتهما تتآكل، وعليهما تقديم تنازلات حتى لا يفقدا المصداقية أمام المجتمع الدولي، ولذا جاء هذا التنازل في ملف المفوضية باعتباره خياراً تكتيكياً لتخفيف الضغط”. وأوضح أن البعثة الأممية في ليبيا ومن يقف وراءها من العواصم الداعمة، “تمتلك أدواتها أيضاً”، مشيراً إلى أن “الخريطة صُممت لتكون مساراً يصعب التراجع عنه، إذ إن كل خطوة لاحقة ستصبح مرتبطة بما تحقق في المرحلة الأولى، وهو ما يفسر تحفظ عقيلة صالح وتمسكه بالقوانين الانتخابية ومحاولته الدفع مباشرة نحو تشكيل حكومة موحدة، لأنه يدرك أن الانخراط في الخطوة الأولى يعني الوصول إلى نقطة اللاعودة، لكن هذا التحفظ لا يبدو أنه يلقى أذناً صاغية من البعثة، فقبول صالح بالانخراط في مشاورات حول الخطوة الأولى، يعني بداية تنفيذ خطة الخريطة”.

في المقابل، طرح مصطفى الكوت، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في الشأن السياسي، قراءة مختلفة، إذ رأى أن مشاورات المجلسين لا تمثل انطلاقة حقيقية لتنفيذ الخريطة، بل محاولة جديدة “لشراء الوقت” وتوظيف المرحلة لصالحهما. وأوضح الكوت، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المحك الحقيقي ليس في جانب المفوضية وإعادة تشكيلها، بل في ما يوازيها من اتفاق على الإطار القانوني الانتخابي، إذ سيوظف المجلسان هذا المطلب أداةً لإعادة إنتاج الخلافات بدل حلها”. وشرح الكوت ذلك بأن الإطار الانتخابي الذي طالبت به البعثة يتمثل في إجراء تعديل على القوانين التي أنتجتها لجنة “6+6” المشتركة من المجلسين، “وستصدم البعثة بواقع يطبعه التناقض، فإذا قبلت البعثة بالقوانين الانتخابية على حالها يعني ذلك العودة إلى عمق الخلاف، لأنها تسمح بترشح شخصيات مثيرة للجدل مثل حفتر وسيف القذافي، ما سيفجر الانقسامات، أما إذا ضغطت البعثة على المجلسين لإدخال تعديلات، فسيقود ذلك إلى مناكفات جديدة عبر سعي كل طرف لإقصاء خصومه، ليعود الانسداد السياسي بالكامل”.

الحراك في ليبيا

في سياق رصده لملامح العرقلة من المجلسين، لفت الكوت إلى أن ما برز حتى الآن هو رغبة عقيلة صالح “في القفز مباشرة إلى تشكيل حكومة موحدة قبل معالجة الملفات الانتخابية، في محاولة لإرباك خريطة البعثة، لكن مجلس الدولة لا يقبل ممانعة وعرقلة، فهو يسير في ركاب حكومة الوحدة الوطنية، التي لن تقبل بالانتقال إلى حكومة جديدة تستبعدها من المشهد، إلا في حال وجود صفقة سرية مع جناح حفتر لتقاسم السلطة”. ورأى الكوت أن الخطر يكمن في تحويل خريطة الطريق من “حزمة مترابطة” إلى خطوات منفصلة “يجري التعامل معها بانتقائية تخدم الأطراف المتنفذة، فمجلسا النواب والدولة سيقدمان إنجازاً شكلياً في ملف المفوضية، بينما سيدفعان بالقوانين الانتخابية إلى ساحة الخلافات، ما يمنح المجلسين فرصة التهرب من المسؤولية، وهي سياسة المجلسين منذ بداية الأزمة، إذ يعتمدان على استراتيجية الجرعات المحدودة لامتصاص الضغط الدولي من دون تقدم جدي”.

ولفت الكوت إلى وجود ظل أميركي وراء الحراك الحالي في ليبيا الدافع بالخريطة الأممية، مشيراً إلى رعاية واشنطن اتصالات بين فريق رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وفريق حفتر، كان آخرها في روما قبل أسابيع، لكنه استدرك بالقول إن هذا الضغط وحده لا يكفي، “إلى جانب موسكو الحاضرة بقوة على الأرض، هناك القاهرة وأنقرة وروما. ويبقى السؤال: هل ستقبل هذه العواصم بالتوجه الأميركي أو تنخرط في تفاصيله؟”.

وقال إن “بداية خريطة الطريق لم تتضح بعد، وما يبدو لي أن ما يجري ليس سوى حلقة جديدة في لعبة النفوذ، يسعى من خلالها كل طرف إلى تثبيت موقعه قبل أي استحقاق انتخابي أو حكومي، وهو ما يجعل احتمالات المماطلة والتعطيل أكبر بكثير من احتمالات الانخراط الجاد في المسار الأممي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى