العربي الجديد-
بعد ثلاث سنوات من المرافعات أمام محاكم ولاية فرجينيا الأميركية، صدر حكم بإدانة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في عدد من الجرائم التي ارتكبتها مليشياته المسلحة بحق عدد من المدنيين في أحد أحياء مدينة بنغازي الليبية.
بدأت القصة حين حاصرت مليشيات حفتر قرابة 170 عائلة في حي قنفودة بمدينة بنغازي، لعدة أشهر، قبل أن تدكه بالبراميل المتفجرة، فقرر عدد من أسر الضحايا إقامة قضايا ضد حفتر أمام محكمة ولاية فرجينيا، باعتبار أنه عاش في فرجينيا قرابة 25 سنة، وحصل على الجنسية الأميركية.
وأصدرت محكمة مدنية في 29 يوليو الماضي حكماً بإدانة حفتر، وفرضت عليه دفع تعويضات لأسر الضحايا. ويعتبر المحامي موسى الخدراوي أن مجرد إدانة المحكمة الأميركية لحفتر دليل على تورطه في تلك الجرائم، وأن هذا الحكم “قد يشجع ذوي الضحايا في مجازر أخرى أكثر بشاعة على إقامة قضايا ضده، خصوصاً وأن دلائل تورطه فيها شبه مثبتة”. ويشير الخدراوي إلى أنه من بين أشهر الجرائم تلك المتعلقة بالمقابر الجماعية في ترهونة، والتي خلفتها مليشيات حفتر بعد انسحابها من المدينة في منتصف عام 2016.
وراح ضحية المجازر التي ارتكبتها مليشيات حفتر العشرات، ليس فقط خلال الحروب التي عاشتها غالبية مدن البلاد، بل أيضاً خلال فترات سيطرة مليشياته على بعض المدن، ومنها بنغازي ودرنة، ومناطق الجنوب الليبي.
ووثقت تقارير حقوقية العديد من الجرائم، ومنها عثور أهالي مدينة بنغازي على 10 جثث في مكب للنفايات في أكتوبر 2016، وست جثث مكبلة الأيدي في أغسطس 2017.
وتوضح التقارير أن وقائع العثور على جثث مواطنين تم القبض عليهم من قبل مليشيات حفتر تحولت إلى ظاهرة في بعض الفترات، ومنها العثور على جثث 36 شخصاً في أكتوبر 2017، في منطقة الأبيار بالمدينة.
وأكد شهود عيان أن أغلب الضحايا في مجازر بنغازي اختطفتهم جهات تابعة لمليشيا حفتر من منازلهم، ونقلتهم إلى جهات مجهولة، وأن بعض الأهالي حصلوا على تطمينات من الجهات الأمنية بالإفراج عن المحتجزين فور انتهاء التحقيقات، لكنهم فوجئوا لاحقاً بجثامين ذويهم في مكبات القمامة.
وفي الجنوب الليبي، تعد تقارير أممية مجزرة مرزق التي راح ضحيتها 18 شخصاً، وأُصيب فيها 29 آخرون، وأُحرق 90 منزلاً، أبرز الجرائم، بالإضافة إلى العديد من الانتهاكات التي مارستها مليشيا حفتر، والتي تم العثور بعدها على جثث في العراء.
وفي الغرب الليبي، طغت قضية المقابر الجماعية في مدينة ترهونة، جنوب شرق طرابلس، على الخسائر المادية التي لحقت بالعاصمة والمناطق المجاورة لها من جراء الحرب التي دامت لنحو عام ونصف العام.
وحسب تصريحات لمسؤولي الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، فقد بلغ عدد المقابر المكتشفة نحو 80 مقبرة، من بينها 43 مقبرة جماعية، ووجد داخلها أكثر من 240 جثة، من بينها أكثر من 100 جثة لم يتم التعرف على أصحابها.
وقال رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات الداعمة لمقاضاة حفتر في فرجينيا، عماد الدين المنتصر، إنه تم “وضع اللمسات الأخيرة لملاحقات فعالة أخرى بحق حفتر، وداعميه”، من دون الإفصاح عن مزيد من المعلومات.
لكن الخدراوي يؤكد أن الحكم الأميركي بإدانة حفتر كاف لتشجيع أسر الضحايا الليبيين على اللجوء إلى القضاء في بلدان عدة، خصوصاً القضاء الأميركي، على اعتبار أنه يحمل الجنسية الأميركية، ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن “القضاء في تلك الدول مستقل، ولا يمكنه حفظ مثل هذه القضايا من دون النظر فيها، كما أن مجرد رفعها والنظر فيها كاف لوضع حفتر وأعوانه في دائرة الاتهام لدى الرأي العام الدولي”. يضيف الخدراوي: “ليس السلاح وحده الذي يحصن حفتر، بل الدعم الدولي أيضاً، وعند تزايد القضايا في الخارج سيتقلص هذا الدعم، فتلك الدول تخاف على سمعتها ومصالحها”.
وبالإضافة إلى حصول أهالي الضحايا على حقوقهم، يرى الخدراوي أن الملفات الجنائية المتصلة بحفتر تعد من أعقد القضايا الجنائية في ليبيا، وأن كسر حاجز الخوف بشأنها يشجع على فتح الملفات الجنائية المتصلة بالمتورطين من الأطراف الأخرى. “على الأقل، فإنه يؤسس لترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب من جهة، ومن جهة أخرى قد يمثل وسيلة لوقف الانتهاكات التي تمارسها أطراف الصراع في البلاد”.