فرانس 24-
اعترضت حكومة الوحدة الوطنية الليبية الإثنين على ترشيح السنغالي عبد الله باتيلي مبعوثا أمميا جديدا إلى البلاد. وفي حال مصادقة مجلس الأمن على اختياره للمنصب، قد يعقد هذا الموقف من مهمته في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع الليبي، خاصة وأنه سيأتي بعد فشل المجتمع الدولي لعدة أشهر في الاتفاق على أكثر من مرشح سابق.
تحول تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا إلى عبء إضافي على الأزمة السياسية التي تراوح مكانها منذ أكثر من عقد بعد الإطاحة بالقذافي.
فبعد فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على مرشح جديد لتولي المنصب وآخرهم الجزائري صبري بوقادوم، عبرت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بقيادة عبد الحميد دبيبة عن رفضها الصريح لتعيين السنغالي عبد الله باتيلي مبعوثا جديدا للبلاد.
رغم ذلك يعتبر رشيد خشانة، رئيس المركز المغاربي للدراسات حول ليبيا ومقره تونس، أن باتيلي لا يواجه معارضة واضحة من أي طرف من الأطراف الدولية مضيفا: “تسمية موفد أفريقي يأتي كنتيجة لتصميم دول القارة على اختيار موفد منها خاصة بعد فشل القوى الإقليمية والدولية في اختيار مرشح للمنصب خلال الأشهر الماضية، ما جعل من السنغالي عبد الله باتيلي الخيار الأخير. الموفد السلوفاكي يان كوبيس الذي استقال بعد فترة قصيرة من توليه المنصب وجد ملفا أمامه معقدا ولم يستطع التواصل مع الأطراف الليبية وفهم خصوصية مجتمعها”.
خلافات دولية
وتعثر اختيار مرشح جديد لترأس البعثة الأممي في البلاد يكشف بنظر المراقبين حالة الانقسام وغياب رؤية مشتركة لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين لحل الصراع السياسي في البلاد.
ويرى جلال حرشاوي، المتخصص في شؤون ليبيا والباحث في “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”، وهي منظمة غير حكومية مقرها جنيف، أن “اختيار شخصية من دول أفريقيا جنوب الصحراء قد يكون بدفع من موسكو التي يتعاظم نفوذها في القارة، إذ أن المصادقة على مرشح لترأس بعثة أممية يتم بإجماع مجلس الأمن الذي تملك فيه روسيا حق النقض وبالتالي فإن موافقتها على مرشح ضرورية لمنحه المنصب. وهو ما يفسر تخوف حكومة دبيبة المقربة من المحور القطري التركي من تعيين شخصية مثل باتيلي قد تكون أقرب إلى خصمها حفتر المعروف بقربه من روسيا. أعتقد أن باتيلي سيكون شخصية ضعيفة ومترددة نظرا لظروف اختياره للمنصب”.
وخلال السنوات العشرة الأخيرة، تداول على ليبيا تسعة مبعوثين أمميين تفاوتت نسب نجاحهم في تقريب وجهات النظر بين الخصوم الليبيين.
ودعا مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني الإثنين في تصريحات إعلامية إلى ضرورة إجراء مفاوضات عميقة وجدية مع الليبيين بخصوص المبعوث الأممي الجديد “حتى نضمن أن العمل مع الوسيط الأممي سيكون ناجحا”.
فشل في الاتفاق على مرشح
وقبل ذلك، وإثر محاولات عديدة فاشلة لملء هذا المنصب الشاغر منذ نوفمبر، اقترح أنطونيو غوتيريس في يونيو 2022 على أعضاء مجلس الأمن تعيين صبري بوقادوم مبعوثا إلى ليبيا لكنه لم يحصل على إجماع.
لكن مصدرا دبلوماسيا قال حينها، طالبا عدم نشر اسمه، إن “الإمارات (وحدها) رفضت” تعيين الوزير الجزائري السابق. وبحسب دبلوماسيين آخرين، فقد أوضحت الإمارات، العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي، والتي تمثل المجموعة العربية في المجلس، أن “دولا عربية وأحزابا ليبية أعربت عن معارضتها” لتعيين بوقادوم مبعوثا إلى ليبيا.
واكتفى أحد الدبلوماسيين الأمميين بالإشارة إلى أنه كان هناك “قلق إقليمي” من تعيين بوقادوم، لا سيما وأن للجزائر حدودا مشتركة مع ليبيا. وشدد هذا الدبلوماسي على أنه لو مضى مجلس الأمن قدما في تعيين بوقادوم لوجد الدبلوماسي الجزائري نفسه أمام “مهمة مستحيلة”.
هنا، يقول خشانة أن الجزائر قدمت عدة مرشحين لتولي المنصب لكن جهودها منيت بضربة كبيرة برفض ترشح بوقادوم.
ويحظى الملف الليبي باهتمام أوسع خصوصا بعد تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا على سوق الطاقة.
ويؤكد خشانة أن الدول الغربية تعتبر أن حل الأزمة الليبية قد يساهم في تعديل أسعار المحروقات مضيفا: “حل المشكل الليبي قد يساهم في تخفيف الضغط على الغرب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. إذ أن الترفيع من إنتاج النفط الليبي إلى أقصى حد ممكن أن يخفف من وطأة تداعيات أزمة الطاقة على الاقتصاد العالمي. إنتاج النفط في ليبيا بلغ في الآونة الأخيرة 1.2 مليون برميل يوميا. وهناك مساع من مؤسسة النفط الوطنية إلى الوصول إلى إنتاج 1.6 مليون برميل يوميا وهو نفس مستوى الإنتاج قبل الإطاحة بالقذافي”.
الانقسام من جديد
وتعرف ليبيا منذ مارس 2022 انقساما مؤسساتيا جديدا حيث تتنازع حكومتان متنافستان على السلطة في ليبيا.
وكانت البلاد عاشت وضعا مماثلا عامي 2014 و2021، تخللته حرب طاحنة على تخوم طرابلس قادها حفتر على حكومة الوفاق الوطني السابقة بقيادة فايز السراج وحلفائها.
وأضعف هذا الانقسام الجديد بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة من جهة، ومن جهة أخرى حكومة فتحي باشاغا التي نالت ثقة البرلمان لكنها لم تتمكن من دخول طرابلس، الأمل باحتمال انفراج الأزمة السياسية قريبا.
ويبرر دبيبة رفض تسليم السلطة لباشاغا بأنه لن يترك مقاليد الحكم إلا بيد حكومة منبثقة عن انتخابات.
وكان دبيبة قد تولى رئاسة الحكومة بمقتضى “اتفاق جنيف” الذي تم التوصل إليه في يناير 2021 ونص على أن تتسلم حكومته السلطة إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر 2021. لكن الاقتراع لم يجر بسبب خلافات عميقة حول شروط الترشح لرئاسة البلاد.
مبعوثون “عمقوا الأزمة“
وهنا، يخلص حرشاوي إلى أن أي مبعوث أممي لن تكون له القدرة لوحده على حل النزاع لكنه يبقى قادرا على تقريب وجهات النظر بين الخصوم ومنع تدهور الوضع السياسي مضيفا: “أعتقد أن أسوأ مبعوث كان السلوفاكي يان كوبيس الذي فضل العمل من جنيف رغم أنه وصل إلى المنصب قبل أشهر قليلة من انتخابات ديسمبر التي لم تجر. لقد قضى على بارقة الأمل التي تركتها المبعوثة الخاصة للأمين العام ستيفاني ويليامز بتوصلها إلى اتفاق جنيف، أعتقد أنه ساهم في تأجيج الوضع في ليبيا أكثر من حله لأنه لم يبذل مجهودا يذكر ولم يلتق كثيرا بمختلف أطراف الصراع بهدف دفعها نحو تنفيذ تعهداتها بتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات”.
في المقابل، يقدّر خشانة أن “أكثر من نجح في تقريب وجهات النظر في ليبيا من بين المبعوثين الأمميين السابقين هو غسان سلامة نظرا لقدرته على فهم خصوصيات المجتمع الليبي. مهمة أي وسيط أممي هي سياسية بالأساس وتتمثل في التوفيق بين الزعامات المتصارعة حتى لا يحسب على مجموعة دون أخرى”.
ويخلص خشانة إلى أن “الوضع على الأرض مختلف عن قاعات الاجتماعات الدولية في جنيف وتونس وغيرها. المشكل هو غياب إرادة دولية حقيقية لكف الأيادي الداخلية والخارجية التي تشعل النار. فعندما أرسلت دول مثل تركيا والإمارات أسلحة وعتادا إلى أطراف النزاع في ليبيا، تم ذلك تحت أنظار الدول الكبرى. في المرحلة الحالية على هذه القوى أن تدفع نحو حل الأزمة وإلا فستبقى المليشيات غير النظامية هي التي تتحكم بالقرار السياسي”.