العربي الجديد-
مع تزايد المؤشرات بشأن عزم موسكو بناء تحالف عسكري مع حفتر بشكل أكثر وضوحاً، يزداد القلق الأميركي حيال تصاعد مخاطر الوجود الروسي العسكري في ليبيا. وفي آخر مؤشرات تصاعد القلق الأميركي ما كشفت عنه وسائل إعلام إيطالية عن ضبط السلطات الإيطالية، الثلاثاء الماضي، بطلب أميركي، شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى بنغازي، على متن سفينة تجارية قادمة من أحد الموانئ الصينية.
وبحسب صحيفة “كورييري دي لاسيرا”، فإن عملية المصادرة جاءت لأن واشنطن تعتقد أن شحنة الأسلحة تلك تعود لموسكو وأنها كانت في طريقها إلى حفتر، في إطار مساعي روسيا لتطوير ودعم خططها الرامية إلى التوغل في القارة الأفريقية. ومساء الجمعة، أدلى الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر بتصريحات أكد خلالها قلق بلاده من التقارير التي تفيد بنقل روسيا معدات عسكرية على متن سفن بحرية إلى ليبيا، خاصة عبر ميناء طبرق شرق ليبيا، مشيراً إلى أن تلك التقارير أفادت بوجود ما يقرب من 1800 مقاتل مدعوم من الكرملين في ليبيا.
وجاءت تصريحات ماثيو بعد أربعة أيام من إعلان حفتر عن وصول قطعتين بحريتين حربيتين روسيتين، الأحد الماضي، في “زيارة عمل” إلى ميناء طبرق، شرق البلاد، تهدف إلى “تأكيد علاقات التعاون والتنسيق بين البحريتين الليبية والروسية في مجال التدريب والصيانة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، وتبادل الخبرات في مجال الأمن البحري”، وأنه تم الاتفاق خلال الزيارة على إيفاد مجموعة من أفراد مليشيات حفتر للتدريب في الكليات العسكرية الروسية.
تصعيد روسي أميركي
وفيما يرى أستاذ العلاقات الدولية ميلاد حبيش أن تزامن الواقعتين، الإعلان عن زيارة القطعتين الروسيتين إلى طبرق ثم ضبط سفينة تحمل أسلحة روسية في أحد الموانئ الإيطالية كانت متجهة إلى طبرق، يؤشر إلى بدء التصعيد الأميركي ضد روسيا في ليبيا، كما يعتبر في ذات الوقت أن حفتر “دخل دائرة الغضب الأميركي فعلياً، وسنشهد قريباً عقوبات أميركية ضده”.
ويرجع حبيش، في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى استعراض الموقف الأميركي مع التوغل الروسي، موضحاً أن القلق الأميركي كان ظاهراً خلال وقت طويل حيال سعي موسكو إلى بناء علاقات مع حفتر، خصوصاً بعد أن استضاف حفتر مرتزقة فاغنر في صفوف مليشياته خلال عامي 2019 و2020، لكنه يعتبر أن الاهتمام الأميركي الرسمي بدأ العام الماضي مع زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، في يناير من العام الماضي، إلى ليبيا، وأعقبته زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، اللذين التقيا حفتر وأبلغاه بشكل واضح بانزعاج واشنطن من علاقته مع الروس
وذكر حبيش أن قلق واشنطن أصبح أكثر وضوحاً مع بدء زيارات نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، المتكررة إلى بنغازي منذ منتصف العام الماضي، لكن المزعج أكثر بالنسبة لواشنطن هو زيارة حفتر لموسكو في سبتمبر الماضي، فقد أعقبها بيان واضح من وزارة الخارجية الأميركية، في ديسمبر، يطلب من حفتر بشكل صريح أن لا يعول على موسكو، مضيفاً: “باعتقادي أن تحذير وزارة الخارجية الأميركية لحفتر على علاقة باتفاقات وقّعها مع الروس في تلك الزيارة، وخطورة هذه الاتفاقات أن تساعد موسكو على تجاوز عقبة فاغنر والالتفاف عليها، خاصة بعد تمرّدها على الجيش الروسي العام الماضي، وتعطي أيضاً أساساً مريحاً لأن تطور روسيا وجودها العسكري في ليبيا وعدد من الدول الأفريقية جاء من خلال استثمار انتشار فاغنر في هذه الدول”.
هل تفرض واشنطن عقوبات على حفتر
ومن هنا، يرى حبيش أن حفتر دخل دائرة الغضب الأميركي، وأن واشنطن “لم يعد بإمكانها السكوت أكثر حيال حفتر، وقريباً ستعلن عقوبات ضده”، مضيفاً: “فعلياً واشنطن بدأت في الاتجاه إلى ذلك، فقبل أسبوعين أعلنت فرض عقوبات على شركة غوزناك الروسية واتهمتها بطباعة مليار دولار من العملة الليبية المزيفة لصالح حفتر، والآن ضبطت سفينة روسية على متنها أسلحة روسية لحفتر، ومثل هذه الإجراءات تعكس إدراك واشنطن أن حفتر ارتبط بموسكو بشكل رسمي ولا بد من معاقبته، وهو السياق المنطقي للإجراءات الأميركية ضد روسيا التي تهدف إلى التضييق عليها ومعاقبة كل ما له صلة بها، ويجب أن لا ننسى أن حفتر يحمل الجنسية الأميركية، ما يسهّل معاقبته”.
ويعبر حبيش عن مخاوفه من اتجاه الدولتين إلى زيادة وجودهما العسكري في ليبيا والاتجاه إلى التصعيد أكثر، مشيراً إلى أن واشنطن تسعى إلى بناء علاقات بطابع عسكري وأمني مع الفصائل المسلحة في غرب البلاد من خلال حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، مقابل ارتفاع مؤشرات نقل العتاد العسكري الروسي من بوابة حفتر في الشرق.
لكن الباحث في الشأن السياسي عادل شنينه لا يرى إمكانية وقوع أي مواجهة مباشرة بين الروس والأميركان في ليبيا، معتبراً ان الاتجاه الأميركي يظهر في الجانب السياسي أكثر منه في العسكري، مضيفاً أن “تصريحات ماثيو التي تتحدث عن الوسائل السياسية تتعاطى بشكل واضح مع الخطوات الأميركية في المسار السياسي التي دعمت فيه تولي ستيفاني خوري قيادة البعثة الأممية، والتي حملت في خطابها أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي رسائل ضمنية لحفتر”.
ويلفت شنينه، خلال حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن خوري، في إحاطته أمام مجلس الأمن “لم تكن مكررة أو خالية من أي حديث في المستجدات الليبية كما قد يبدو، فقد انتقدت بشكل واضح انهيار الوضع الحقوقي والحريات في بنغازي ومقتل نشطاء فيها، كما وصفت السلطة في شرق ليبيا بالموازية صراحة وانتقدت أعمالها كغلق مراكز الاقتراع الانتخابي وغيرها، ولم تنس خوري أن تتحدث عن علاقة المرتزقة المنتشرين في جنوب ليبيا بالتوتر الحاصل في دول أفريقية، وكل ذلك كان بمثابة رسائل لحفتر”.
وعقب إحاطة خوري، اتهم المندوب السوداني لدى الأمم المتحدة حفتر بالتورط في الصراع القائم في السودان بدعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما نفاه حفتر خلال كلمة ألقاها في عدد من ضباط مليشياته، مساء السبت، وقال إن “هناك من يحاول تسويق الأكاذيب والمعلومات المغرضة حول علاقتنا بأحد الأطراف في السودان، وهي تصريحات مرفوضة جملة وتفصيلاً”، وأنه لا يتدخل في شأن السودان.
ويرى شنينه أن التصريح السوداني “له أثر بالغ، فالنفي جاء من جانب مجلس النواب وحكومته، ولقوة الاتهام السوداني كونه سمى صراحة بعضاً من مليشيات حفتر المتورطة في دعم حميدتي كمليشيا 106 التي يترأسها ابنه”، وأضاف أن حفتر خرج في اجتماع من الواضح أنه تم تنظيمه لغرض أن يعلن نفيه للتصريحات”، مؤكداً أن “حفتر أصبح محل اهتمام دولي وليس عامل تأثير وقلق داخل ليبيا فقط، وعلاقته بروسيا تجاوزت ليبيا”.
ووفقا لرأي شنينه، فإن الإجراءات الأميركية “ستذهب إلى عزل حفتر سياسياً داخل ليبيا، فالتصور الأميركي من خلال خوري واضح، فقد تحدثت في إحاطتها الأخيرة عن ضرورة وجود اتفاق سياسي جديد، وهذا تزامن مع الإعلانات الأميركية المتكررة عن ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية إلى جانب السياسية، فإما أن يقبل حفتر بانخراط قواته تحت مظلة حكم سياسي موحد أو أن يتم عزله داخل ليبيا، فهذا هو الاتجاه الأقرب لمعاقبة حفتر”.