* كتب/ يوسف أبوراوي،
أفهم الذكاء السياسي بأنه لعبة تزاوج بين فهم ومعرفة قوتك الذاتية، بما فيها التماسك الداخلي وحجم اقتصادك ثم النظر لفرص المناورة الخارجية، واللعب عبر تناقضات باقي اللاعبين الدوليين.
في الحالة الليبية العنصران غائبان تماما، وما نشاهده من آثارهما بين الحين والآخر عند حكومة الوفاق أو حفتر ليس فعلا منهما، بل مجرد انفعال، لأن الاثنين مسيران وصدى لدول إقليمية أو دولية ولازالت أمريكا تطمح إلى إشراك كل الأطراف امتدادا لتركيبة ليبيا الغد، وما حصل فيها من تفاهمات بين نظام القذافي والإسلاميين ورؤوس الأموال… أو أن يستمروا في سنوات التيه بقدر ما يريدون، فلن يحرص العالم على مصلحة الليبيين أكثر منهم على كل حال.
خلال تسع سنوات تعطى الفرصة لأحد الأطراف ليتوهم أنه سيطر ثم يحاول إبعاد الآخرين، ثم يتم تحجيمه لتبدأ العملية من جديد في دورة جديدة… لاحظ ذلك في تجربة المؤتمر الوطني ثم توهم الإسلاميين أنهم سيطروا، وما تبعه من عزل سياسي وغيره… ثم محاولة 2014 من حفتر وتم تحجيمها، ثم محاولة الوفاق الخروج من النفق عبر مؤتمر غدامس وغدر حفتر ومراهنة الكثيرين عليه (استنساخا للتجربة المصرية) حتى الاوربيين منهم، ثم معادلة الكفة عبر تركيا (الورقة الأمريكية الإنجليزية التي خرجت فجأة).. وربما مازال في جعبة الساحر الكثير من الأوراق لتلعب.
الغريب أنه في الحالة الليبية رغم وجود كل هؤلاء اللاعبين لم يرجح العالم كفة أحد الأطراف لينهي الصراع، رغم إمكانية ذلك عمليا (هنا أنا آسف جدا لأنني لا أصدق أن هناك قوة ذاتية للثوار أو لحفتر رغم موت كثير من شباب ليبيا في هذه النزاعات، الأمر المؤلم ولكنه المخطط له بمكر شديد لاستنزاف الطرفين.. وهو نفسه امتداد لوهم أن الليبيين هم من أسقطوا القذافي وقتلوه).
رغم ذلك كأن العالم ينتظر توافقا أو تفاهما ليبيا يأتي من الداخل، ربما بعد ان ييأس الليبيون من كل الوجوه على الساحة، أو ربما يتم هذا الفرض بعد إذابة الأرصدة الليبية في السلاح الذي يتم شراؤه بأضعاف سعره حتى في السوق السوداء بسبب حضر الأمم المتحدة لاستيراد السلاح في ليبيا.
لا أفهم كثيرا في السياسة ولكن هذا ما أراه رأي العين، والخلاصة أن الليبيين مجرد طرف هامشي في معادلة القوى المتصارعة على أرضهم، لضعفهم أولا وتشتتهم وتشرذمهم الداخلي ثانيا… وأكثر ما يثير عجبي هو ارتفاع الصوت من هذا الجانب أو ذاك بادعاء امتلاك القوة أو القدرة على الحسم أو الشرعية.
أدرك تماما أن الغريق يتعلق بقشة، ولكن الكارثة أن يكتشف هذا الغريق أن القشة التي أنقذته من الغرق اللحظي، أطالت زمن مصارعته للأمواج ليموت في النهاية نتيجة التعب والإرهاق.. ذلك متوقع جدا مادامت إحدى المسلمات الليبية هي (احييني اليوم واقتلني غدوة) !!