لم يرغب حفتر عميل في وقت سابق للسي آي إيه في الحديث عن السلام، بل أراد مباركة البيت الأبيض لهجوم مفاجئ للاستيلاء على العاصمة طرابلس.
الهجوم الذي بدأ في 4 أبريل الماضي كان له نتائج عكسية. فقد فشل حفتر في الاستيلاء على طرابلس، وحمل قواته فوق طاقتها وأعاد بدء حرب أهلية – مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف الآخرين. وأدى القتال إلى قطع تدفق النفط الليبي وادخل عوامل جديدة لعدم الاستقرار في المنطقة.
قبل أيام من مكالمة بولتون مع حفتر أبلغ عملاء روس خاصون في ليبيا موسكو أن حفتر كان قائدًا عسكريًا معيبًا ومبالغ فيه ومن المؤكد أن يفشل إذا حاول غزو العاصمة.
وفقًا لوثائق روسية سرية تم الاستيلاء عليها في طرابلس اطلعت عليها نيويورك تايمز. رأى العملاء فرصة في ضعفه واقترحوا أن تتمكن روسيا من كسب النفوذ على حفتر إذا أرسلت مرتزقة لدعم قواته.
يتحكم ذراع الكرملين في عشرات حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تروّج لحفتر وزبائن آخرين مفضلين، بما في ذلك الابن الأكبر للقذافي، الديكتاتور الليبي السابق، وفقًا لتقرير العملاء. وكتب العملاء أن عملية الكرملين نفسها قد استحوذت على حصة ملكية في شبكة أقمار صناعية ليبية موالية للقذافي ونصحت شبكة مؤيدة لحفتر أن تفعل ذلك ايضا.
وفي ذات الوقت، عمل الجيش الروسي خلف الكواليس على إحاطة حفتر بالعديد من شركائه القدامى من قوات الأمن في عهد القذافي، وشجع أتباع القذافي على العودة من المنفى.
واتبع الكرملين النصيحة الحكيمة للعملاء. وعندما تعطل هجوم حفتر، دعمت موسكو تقدمه المتدهور بالآلاف من المرتزقة المدربين الذين يواصلون العمل في ليبيا.
خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأخيرة حول ليبيا أصر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، بغضب: “يمكنني القول بشكل لا لبس فيه، نحن لا ندعم هجوم حفتر”.
قام أهم راعي لحفتر ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، بتقديم حفتر لأعضاء فريق السياسة الخارجية لترامب في اجتماع سري في نيويورك في ديسمبر 2016، وفقًا لشخص مطلع على اللقاء.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه ترامب مازحا “ديكتاتوري المفضل”، تناول قضية حفتر أيضا بعد خمسة أشهر عندما زار البيت الأبيض.
قال أندرو ميلر، أحد أعضاء مجلس الأمن القومي في بداية إدارة ترامب، وهو الآن باحث في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط غير الربحي ، بواشنطن: “كان حفتر نقطة حوار أساسية في كل اجتماع مع المصريين والإماراتيين”..
وتعهد حفتر منذ عام 2014 بالقضاء على الإسلام السياسي وتولي السلطة كحاكم عسكري جديد لليبيا. ومع ذلك، فقد شكل بهدوء تحالفًا مع فصيل منافس من المتطرفين ، محافظين متطرفين على الطراز السعودي المعروفين باسم السلفيين.
وبينما كانوا يضغطون على ترامب ، تجاهل ولي العهد محمد والسيد السيسي هذا التناقض. وكانا يعملان في نفس الوقت بشكل وثيق مع روسيا. وكانت مصر قد فتحت قاعدة روسية سرية لإمداد قوات حفتر مما أنذر المسؤولين الغربيين القلقين من نفوذ موسكو المتزايد.
عندما طلب حفتر الموافقة، كانت إجابة بولتون “ضوء أصفر”، ليس اخضر أو أحمر، حسبما قال المسؤول السابق في الإدارة. ولكن ثلاثة دبلوماسيين غربيين أَطلعوا على المكالمة بين حفتر وكبار المسؤولين الأمريكيين وصفوا بولتون بأنه كان أقل غموضًا: إذا كنت ستهاجم، فأنجز ذلك بسرعة، كما قال لحفتر، وفقًا لجميع الدبلوماسيين الثلاثة.
وقال الدبلوماسيون الثلاثة إن حفتر اعتبر ذلك بمثابة موافقة صريحة.
أذهل هجوم 4 أبريل العالم. حيث كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد وصل لتوه إلى طرابلس لإجراء محادثات السلام. وحث حفتر على التراجع، وهي رسالة أقرها وزير الخارجية مايك بومبيو. وغادرت القوات العسكرية الأمريكية المدينة على عجل.
قال السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميليت حتى عام 2018، “بدا الأمر كما لو أن الأمريكيين كانوا يتبدلون الجوانب بطريقة لا معنى لها”، مشيرًا إلى أن حكومة طرابلس كانت الشريك الليبي الرئيسي لجيش الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وقال “كان هناك ارتباك ومفاجأة هائلة في المجتمع الدولي”.
حتى قبل بدء الهجوم على طرابلس، خلص الروس إلى أنها ستكون كارثة بالنسبة لحفتر.
ويعمل العملاء الروس في ليبيا في مركز أبحاث غامض مرتبط بـ يفغيني بريغوجين، الحليف المقرب للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. كما وصف المسؤولون الأمريكيون بريغوجين بأنه رئيس شركة الأمن الخاصة المرتبطة بالكرملين، مجموعة فاغنر. وأشرفت فرقهم من المرتزقة على الجهود الروسية للتدخل في سياسات أوكرانيا وسوريا والعديد من الدول الأفريقية.
تم تحديد قائد الفريق الليبي مكسيم شوغالي في تقارير إخبارية في عام 2018 وهو يحاول دفع رشاوي ونشر معلومات مضللة لتحويل الانتخابات في مدغشقر. وبحسب ما أفاد به أحد الأشخاص المتورطين، انه بناء على معلومة من المخابرات الأمريكية اعتقلت القوات الحكومية في طرابلس في نهاية المطاف شوغالي ومترجمه. وقال مسؤولون ليبيون إن عميلا ثالثا تمكن من الهرب.
بعد اعتقال شوغالي، عثر رجال الأمن على تقرير في غرفته بالفندق أرسله فريقه إلى موسكو في مارس من العام الماضي، قبل وقت قصير من اتصال حفتر – بولتون. وحصل Dossier “دوسييه”، وهو مركز أبحاث في لندن ينتقد بوتين، على نسخة من التقرير الذي عثر عليه وقدم أجزاء منه لصحيفة نيويورك تايمز. صدق مسؤولين ليبيين كبار على النص بشكل مستقل.
لعدة سنوات، قدمت روسيا الإمدادات العسكرية لحفتر وطبعت ملايين الدولارات من العملة الليبية التي تم سكها حديثًا لتوزيعها. لكن التقرير السري أظهر أن النشطاء كانوا أكثر تشككا بحفتر من الحكام العرب الذين يقدمون المشورة للبيت الأبيض.
يعاني حفتر البالغ من العمر الآن 76 عامًا، من مشاكل صحية متكررة. وذكر التقرير أنه حقق انتصارات عسكرية قليلة، واكتسب بدلاً من ذلك أراضٍ عن طريق “شراء المجموعات القبلية المحلية من أجل رفع راياته”، حتى يتمكن من “رفع أهميته في أعين اللاعبين الداخليين والخارجيين”.
لم يستنتج العملاء فقط أن أي تقدم على طرابلس كان من شبه المؤكد أن يفشل، كما فعل هجوم عام 2014، وحذروا أيضًا من أن حفتر كان عنيدًا وأصبح “صعبًا” على نحو متزايد بالنسبة لمستشاريه الروس. وكتب العملاء: “يستخدم حفتر المساعدة الروسية لزيادة أهميته”.
لكن العملاء حددوا أيضًا مدخلا جديدًا مع حفتر: يجب على الكرملين إدخال مرتزقة مدفوعي الأجر موالين لروسيا في جيشه المتعثر. وأكد العملاء أن القوات شبه العسكرية السودانية كانت مستعدة للقيام بهذه المهمة، ويمكن أن تعطي موسكو نفوذًا حاسمًا.
بدأت مجموعات من المرتزقة من مجموعة وفاغنر في الوصول عبر السودان في سبتمبر الماضي، وفقا لدبلوماسيين غربيين يتابعون تحركاتهم. وقال السفير ريتشارد نورلاند، المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، في مؤتمر صحفي أخير: “كانت تلك هي لعبة التغيير الكبرى”. “من الواضح أن الروس يرون ميزة استراتيجية الآن في ليبيا – مخاطر منخفضة ومكاسب عالية.”
ولتعميق نفوذه، نظم الكرملين أيضًا اجتماعات سرية في موسكو بين أنصار حفتر والضباط السابقين في القوات العسكرية والأمنية في عهد القذافي، وفقًا لدبلوماسيين غربيين ومحللين آخرين تحدثوا إلى مشاركين ليبيين.
وأقر موسى إبراهيم، بأن روسيا “تجمع” ضباط حفتر والقذافي، خاصة منذ الهجوم على طرابلس.
هذا الشهر، بمناسبة الذكرى السنوية لهجوم السيد حفتر، حثت الأمم المتحدة على وقف القتال من اجل الاستجابة لوباء الفيروس التاجي الذي بدأ ينتشر الآن في ليبيا. لكن حفتر استمر في قصف طرابلس، حتى أنه استهدف مستشفى كبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت الترجمة بواسطة المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب