العربي الجديد-
لا يبدو أن ظاهرة الهجرة السرية في طريقها إلى الحل في ليبيا، على الرغم من المعاناة الكبيرة. وفي 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت القوات البحرية الليبية عن اعتراض قارب صيد قبالة سواحل بنغازي (شرقي البلاد)، على متنه 650 مهاجراً، وأعيد إلى القاعدة البحرية في بنغازي، مشيرة إلى أن معظمهم من الجنسيات السورية والمصرية والبنغالية، وكانوا يحاولون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية على متن ذلك القارب.
وتعد هذه الحادثة مؤشراً جديداً على تنامي وتزايد ظاهرة المهاجرين. فطوال السنوات الماضية، كان التهريب يتم عبر النقاط المنتشرة على طول سواحل البلاد الغربية. وغالبية المهاجرين منها هم من جنسيات أفريقية. في هذا الإطار، يرى الباحث الأكاديمي حامد بن حريز أن تحولها إلى شرق البلاد يعد نقطة تحول جديدة تؤكد أن الظاهرة بدأت في الانتشار الأفقي، خصوصاً من خلال دخول جنسيات جديدة مثل الذين ألقي القبض عليهم على متن القارب قبالة بنغازي.
ومطلع ديسمبر الماضي، نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية في تقرير لها أن إيطاليا تشكو من زيادة أعداد المهاجرين السريين من شرق ليبيا، موضحة أن “المهربين يهرّبون مهاجرين من الجنسية المصرية من خلجان مخفية بالقرب من طبرق (شرق ليبيا) باتجاه إيطاليا”.
ويقول الضابط في جهاز مكافحة الهجرة نصر الشويطر إن “الزيادة قد تكون أيضاً في الجنسية السورية، إذ تسهل سلطات شرق البلاد وصولهم إلى بنغازي عبر رحلات جوية بإجراءات مخففة، بقصد السماح لهم بالعمل”. ويوضح في حديثه لـ “العربي الجديد” أن “الظروف في شرق البلاد أفضل من البقاء في مخيمات اللجوء بالنسبة للاجئ السوري، ويمكنه بسهولة أن يفكر في الهجرة عبر المهربين إلى أوروبا من ليبيا، قياساً بصعوبة ذلك إذا أراد الهجرة من مناطق شرق المتوسط”.
ويلفت بن حريز، في حديثه لـ “العربي الجديد”، إلى أن “نشاط التهريب عبر سواحل ليبيا الغربية محسوب وبدقة من قبل المهربين. فالمهاجرون يقبلون على الهرب انطلاقاً من غرب البلاد، بسبب المسافة القصيرة بين مناطق الغرب الليبي وأقرب نقطة في سواحل الجنوب الأوروبي، عكس سواحل شرق ليبيا التي تتطلب أياماً أطول للوصول منها إلى الشواطئ الأوروبية، لا سيما الإيطالية التي تعد الوجهة الأفضل للمهاجرين”.
من جهته، يوافق الشويطر على أن هناك نشاطاً للتهريب من مناطق شرق البلاد، لا سيما من بنغازي وطبرق، مشيراً إلى أن هذا النشاط بدأ منذ الصيف الماضي. ويقول إن “المرات التي تم فيها القبض على قوارب تهريب من شرق البلاد معدودة، الأمر الذي قد يزيد من مخاوف فتح خط تهريب جديد من شرق البلاد”. ويعلل بن حريز ذلك بالقول: “الاتجاه لفتح الطريق الجديد يبدو أنه على علاقة بالجنسيات الجديدة للمهاجرين. فوصول الجنسيات المصرية والسورية إلى مناطق غرب البلاد تكتنفه الكثير من الصعوبات والخطورة، كالاعتقال والاختطاف، بناء على الخلفيات السياسية في خضم الصراع الدائر في البلاد، وتحديداً موقف المجموعات المسلحة والسلطات في غرب البلاد من دولتي هاتين الجنسيتين، وبالتالي هم مضطرون للهجرة من مناطق شرق البلاد”.
من هنا، يرى بن حريز أن “كل ما تبذله السلطات الليبية لمواجهة الظاهرة لا يرقى إلى قدرات المهربين، فالنشاط في الغرب والآن في الشرق يستجيب لأوضاع المهاجرين ويخدم مصالح المهربين، ولا أدلة على بروز هذا النشاط في شرق البلاد بعد سنوات من الاعتقاد بأن القوات المسيطرة في شرق ليبيا هي من تمنع نشاط المهربين هناك. وتبين أن عدم وجود نشاط في شرق البلاد يرتبط ببعد المسافة بين تلك المناطق ومناطق جنوب أوروبا. وما إن اضطر المهاجرون للهرب من شرق البلاد حتى نشط المهربون فيها من دون أي التفات لقوة القبضة الأمنية”. ويشير بن حريز إلى عوامل أخرى قد تشجع على فتح طرقات تهريب جديدة من شرق البلاد، منها عدم وجود اتفاقيات مراقبة للسواحل بشكل متبادل بين سلطات شرق البلاد والدول الأوروبية، عكس سلطات غرب البلاد التي تبادل الكثير من الخبرات، وتلقت دعماً لتقوية جهود خفر السواحل من قبل السلطات الأوروبية.
وتُعد ملاحقة عمليات تهريب البشر وإحباطها من قبل السلطات في مناطق غرب البلاد أكثر نشاطاً. وكثيراً ما أعلنت السلطات عن ضبط مهاجرين في عرض البحر، ومداهمة مجمعات ومخازن التهريب. ومنتصف ديسمبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية ملاحقة عصابة تهريب تنشط في مدينة صبراته (غرب طرابلس)، وحصلت مواجهة بين أفراد إدارة العمليات الأمنية بالمنطقة الغربية وعصابة التهريب، قبل أن يلوذ أفراد العصابة بالفرار، مشيرة إلى العثور على قارب “كان مجهزاً لنقل مهاجرين سريين”. كما عُثر أيضاً على عربة جر لقوارب التهريب ومركبتين آليتين. وأكدت الوزارة أنها فعّلت حملاتها الأمنية على بعض النقاط الحدودية والمنافذ لصد تدفقات المهاجرين إلى البلاد.