العربي الجديد-
ما تزال مخاطر تداعيات الصراع في السودان تلقي بظلالها على الأوضاع المتشظية في ليبيا، وسط بروز ملامح لتحول البلاد لساحة تنافس دولي، على إثر اتصالات أميركية نشطة تستهدف تضييق الخناق على مجموعات “فاغنر”، الذراع العسكرية لسياسة التوسع الروسية في المنطقة.
وأجرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، أمس الخميس، اتصالاً مع حفتر، شددت فيه على “الحاجة الملحة لمنع الجهات الخارجية، ومن بينها مجموعة فاغنر الروسية المدعومة من الكرملين، من زيادة زعزعة الاستقرار في ليبيا أو جيرانها، بما في ذلك السودان”.
وبالتزامن ناقش المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، مع رئيس دولة الكونغو، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، أمس الخميس، أهمية “تأمين” حدود ليبيا “في ظل التهديدات المتزايدة لأمن المنطقة”، وفقا للسفارة الأميركية في ليبيا.
وسبق أن زارت ليف البلاد، في مارس الماضي، والتقت عددا من قادتها، من بينهم حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بعد لقاءات مماثلة أجراها مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، في يناير الماضي.
وكشف موقع “أفريكا أنتلجنس”، أن بيرنز ناقش ملفات مكافحة الإرهاب وتأمين تدفق النفط ونشاط “فاغنر”.
وعلى الرغم من انخفاض أعداد مقاتلي فاغنر في ليبيا، بسبب نقل الكثير منهم للمشاركة في حرب أوكرانيا، إلا أنهم ينتشرون حتى اليوم في عديد المناطق العسكرية والحيوية، التي يسيطر عليها حفتر، خاصة في قواعد: الجفرة، وسط جنوب البلاد، وبراك الشاطئ شمال سبها، والخروبة المحاذية للرجمة المقر العسكري لحفتر شرق البلاد، بالإضافة لانتشارهم قرب مواقع النفط جنوب البلاد.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أمس الخميس، النقاب عن عقد شركات أميركية عملاقة صفقات نفطية مع الحكومة في طرابلس، بقيمة 1.4 مليار دولار، من بينها صفقة لإنشاء مصفاة نفطية جنوب غربي البلاد، أي في مناطق نفوذ مجموعة “فاغنر” الروسية في ليبيا.
وبالإضافة للدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لخطة المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، يرى ميكائيل الهاين، الأكاديمي الليبي وأستاذ العلاقات الدولية، أن بعدا أمنيا يظهر في النشاط الدبلوماسي الأميركي تجاه الملف الليبي.
ووفقاً لقراءة الهاين، فإن السلطة السياسية التي ستفرزها الانتخابات يمكنها التعامل مع التدخل الخارجي العسكري في البلاد، بما فيه التدخل الروسي. لكنه اعتبر أن الأحداث في السودان “ستسرع من تحديد واشنطن خياراتها في ليبيا، خصوصاً تجاه حفتر وعلاقته بمجموعة فاغنر”.
وقال إن مناقشة مسؤولي البيت الأبيض ملف “فاغنر” مع حفتر فقط، دون الأطراف الأخرى، يشير إلى أن الخيارات الأميركية ستتحدد قريبا تجاه الأخير.
وأوضح الأكاديمي الهاين أن “حفتر يمر بمأزق كبير، بين تورطه في ارتباطات مع فاغنر وسيطرتها على معسكراته التي أصبحت أمرا واقعا، وبين الموقف الأميركي الذي يظهر قلقه من ذلك الارتباط”.
وإن كان الوضع غير جاهز لاتخاذ موقف اقصائي تجاه حفتر حالياً، وفقا لرأي الهاين، بسبب عدم قدرة السلطات الأخرى في البلاد لملء الفراغ الذي تشغله قوات حفتر في الجنوب حاليا، فإن حفتر يواجه مخاوف من مواقف أميركية أكثر وضوحاً إذا تصاعد خطر “فاغنر” في المنطقة، كما أن موضعه في مسألة الانتخابات الليبية مهدد، فالخطة الأممية تلقى دعما أميركيا وأوروبيا مقابل تحفظ روسي.
وأشار الهاين إلى أن خصوم حفتر السياسيين في ليبيا سيستثمرون مأزقه، خصوصاً في ظل الخلافات حول شروط ترشح العسكريين ومزودجي الجنسية في الانتخابات، وهي شروط تتصل بأحقيته في الانتخابات.
من جانبه، يلفت أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد لـ”العربي الجديد”، إلى بعد آخر لا يقل أهمية في النشاط الأميركي المتزايد، يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي قد تكشف عنه العقود الأميركية النفطية الجديدة.
ويبين الحداد وجهين في الجانب الاقتصادي للسياسات الأميركية في الملف الليبي، الأول بمثابة تعزيز للاقتصاد الأميركي خصوصا في مجال النفط، “وهذا سيلقى ترحيبا ودعما من أوروبا لتعويض تدفق النفط الروسي نحوها”، أما الثاني فهو أمني، نظرا لكون موقع الاستثمار الأميركي الجديد يقع في مناطق نفوذ فاغنر، معبراً أن ذلك “قد يكون بمثابة مواجهة أميركية صريحة لموسكو”.
وفيما لفتت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى قرب موقع إنشاء مصفاة النفط في الجنوب الليبي، الذي ستتولاه شركة “هانيويل”، من مناطق نفوذ “فاغنر”، يلفت الحداد من جانبه إلى أن العقد الآخر الذي ستتولاه شركة “هاليبرتون”، على صلة أيضاً بمناطق نفوذ “فاغنر”.
وقال الحداد إن شركة هاليبرتون ستتولى صيانة وتطوير حقل الظهرة الواقع جنوب شرقي مدينة سرت، في منطقة غير بعيدة عن قاعدة القرضابية التي تعد من أهم مواقع “فاغنر” وسط شمال البلاد، ويعول حفتر عليها لحماية سرت كنقطة تماس أمامية مع قوات غرب البلاد.
واعتبر الحداد أن تركيز اتصالات ليف الأخيرة مع القادة الليبيين على منع تداعيات الأزمة في السودان، لا بد أن له ارتباطا بـ”فاغنر”. وقال إن “توقيت هذه الاتصالات يرجح تصاعدا قريبا في المواقف الأميركية والأوروبية قد يجعل من الملف الليبي في قلب المشهد الدولي، وقد يغير من شكل الخريطة السياسية الليبية، بما فيها تحالفات واشنطن مع القادة الليبيين”.