العربي الجديد-
لأول مرة يصرّح مسؤول روسي عالي المستوى بوجود مجموعات “فاغنر” في ليبيا في سياق حديثه عن المجموعة وأعمالها المسلحة، وهو ما فعله وزير الخارجية سيرغي لافروف، قبل يومين، في تصريحات صحافية، عندما قال إن “مستقبل فاغنر في ليبيا لا يزال قيد الدراسة، خصوصاً أن عدداً من المقاتلين انضووا حالياً تحت قيادة الجيش الروسي”.
وإن اعتبرت بعض الأوساط أن لافروف تحدث عن “فاغنر” ووجودها في ليبيا في تصريح سابق في مايو العام الماضي، إلا أنه وقتها أكد أن وجود “فاغنر” هو “على أساس تجاري”، حيث جرت دعوتها من مجلس النواب كشركة أمنية خاصة. أما تصريحه الأخير فهو إعلان رسمي عن أن لـ”فاغنر” طريقاً لوجود عسكري رسمي لموسكو في ليبيا بعد انضمامها الرسمي للجيش الروسي.
والواقع أن موسكو، أنكرت أم لم تنكر صلتها بـ”فاغنر”، فالمعروف أنها ذراعها المسلحة غير الرسمية في المناطق والدول التي تسعى لبناء نفوذ لها فيها. لكن اللافت أن حديث لافروف جاء متزامناً مع زيارة أجراها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف إلى شرق ليبيا، والتقى فيها حصراً حفتر، وفي معسكره الرئيسي في الرجمة، والذي استُدعي بشكل رسمي لزيارة موسكو في نهاية سبتمبر الماضي، حيث التقى وزير الدفاع سيرغي شويغو، بل والرئيس فلاديمير بوتين.
كل هذه الصراحة الروسية المعلنة عن وجودها العسكري، بل والرغبة التي لا يمكن نفيها في تعزيز وجودها، تقابلها دبلوماسية روسية مرنة في التعامل مع الملف السياسي، وتحديداً في طرابلس التي كثف فيها السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين لقاءاته مع أغلب المسؤولين والقادة، بدءا بالمجلس الرئاسي والحكومة والمجلس الأعلى للدولة، وانتهاء بالمفوضية العليا للانتخابات وقادة الأحزاب وممثلي المجتمع المدني. حتى صار حضور أغانين موازياً لكثافة حركة السفراء الأوروبيين والسفير الأميركي ريتشارد نورلاند في ملف الانتخابات الذي يدور حوله كل الحراك السياسي حالياً بقيادة البعثة الأممية.
صحيح، قد يقول أي مراقب للشأن الليبي إن هذه السياسة الروسية ليست جديدة، فهي تتعامل عسكرياً مع حفتر منذ سنوات بدون أن تترك فعاليتها في الشأن السياسي. لكن المختلف في هذه الأشهر الأخيرة هو التزامن بين وصول أغانين إلى طرابلس في يوليو الماضي، سفيراً لدولته ومبعوثاً خاصاً من بوتين، وبدء يفكوروف، في أغسطس الماضي، زيارات معلنة ورسمية، كونه أول مسؤول روسي رفيع المستوى يزور الرجمة، وسط حديث عن رغبة روسية في بناء فيلق روسي أفريقي ينطلق من قواعد عسكرية في شرق وجنوب ليبيا
قد يستدعي هذا التزامن أسئلة عديدة، أبرزها عن خريطة التوزع الروسي العسكري في ليبيا، وتحديداً في جنوب وشرق البلاد، ومساعي تعزيز هذا الوجود الروسي في تلك الأنحاء، ولماذا أهمل تخوم الغرب الليبي، وتحديداً في قواعد سرت التي تعد امتداداً لقاعدة الجفرة، وسط الجنوب، أهم التمركزات العسكرية لـ”فاغنر”.
مجرد أسئلة، لكنها مهمة بالنظر للواقع الجغرافي الذي يخبرنا أن الانسياب الطبوغرافي المتعلق بجغرافية البلاد مترابط بين الشرق والجنوب، كطريق موصل بسهولة وبدون قيود وعراقيل إلى العمق الأفريقي. وبالتالي هل يمكن القول إن موسكو تعتبر معسكر حفتر المتنفذ في جنوب وشرق ليبيا مجرد بوابة إلى العمق الأفريقي، وأن هدفها هناك، ووجودها العسكري في ليبيا وحلفها مع حفتر مرحلة مؤقتة؟ ولذا لم تترك فاعليتها في الملف السياسي؟
قد يكون مجرد تخمين، ويُستأنس في ذلك بالصمت الأميركي الأوروبي حيال “فاغنر” وتراجع تحذيراتهما لحفتر بشأن استمرار علاقته بـ”فاغنر”، فمن المفترض أن تتعالى اللهجة الأميركية الأوروبية حيال حفتر تزامناً مع هذا النشاط الروسي المعلن الآن.