اخبارالرئيسيةتقنيةعلمي

من ينجو ومن يُستبدل؟.. البشر والذكاء الاصطناعي بمعركة المصير

الحرة-

في يوم عادي، تجلس سارة خلف مكتبها في قسم خدمة العملاء، تراقب شاشة الكمبيوتر بينما تنتظر اتصالًا جديدًا.

اعتادت سماع نغمة الهاتف ترن باستمرار، والرد بصوت هادئ: “كيف يمكنني مساعدتك؟”.

لكن في الأشهر الأخيرة، بدأت تسمع أكثر عن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها القيام بعملها بسرعة وكفاءة، دون الحاجة إلى استراحة قهوة أو يوم عطلة.

تحاول تجاهل الفكرة، لكنها تتسلل إلى ذهنها مع كل تقرير جديد عن شركات تستبدل موظفيها ببرامج ذكية. “لم أفقد وظيفتي بعد، لكن أشعر أن الأمر مسألة وقت”، تقول سارة بنبرة قلق.

لكن هل القلق مبرر؟ هل نحن أمام عالم لن يكون فيه للإنسان مكان؟ أم أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة أخرى، مثل الآلة الكاتبة التي لم تمحُ الكتاب، والكاميرا الرقمية التي لم تنه مهنة التصوير؟

ذكاء يتوسع.. ووظائف تختفي؟

يشير تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى أتمتة 27% من المهام الوظيفية في فرنسا بحلول عام 2030، مما يعني أن 1.7 مليون شخص قد يضطرون إلى تغيير مسارهم المهني. في المقابل، كشف مسح لموقع *Tech.co* أن 72% من الشركات استبدلت وظائف إدارة سلاسل الإمداد بالذكاء الاصطناعي، بينما لجأت 65% إلى الاعتماد عليه في البحث القانوني، و64% في التحليل المالي.

لكن، وفقًا للتقرير ذاته، 53% من الشركات لم تشهد تأثيرًا ملموسًا للذكاء الاصطناعي على الوظائف بعد. فهل القلق مبالغ فيه؟

 ليس عدواً.. وليس صديقاً بالكامل

الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم يرى في حديث لموقع “الحرة” أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستبدل الإنسان في بعض الوظائف بالكامل، بخاصة في المهام التي تعتمد على الروتين والتكرار، لكن في بعض المجالات الأخرى، يبقى الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة.”

ويضيف: “على سبيل المثال، عندما نتحدث عن السيارات الذاتية القيادة، يمكننا أن نرى كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مكان الإنسان بشكل كامل، لأن السيارة تسير بمفردها دون الحاجة لتدخل الإنسان.”

بالنسبة لبعض الوظائف الأخرى، مثل الترجمة، يرى أبي نجم أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل الإنسان جزئيًا، حيث باتت هناك تطبيقات قادرة على ترجمة العديد من اللغات بسرعة ودقة. لكن على الرغم من ذلك، يرى أن الإنسان لا يزال بحاجة للتفاعل مع هذه الأدوات، بخاصة في الحالات التي تتطلب فهماً أعمق للسياقات.

ويتحدث أبي نجم عن وظائف أخرى، مثل خدمة العملاء، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجيب عن الاستفسارات بشكل سريع وفعّال. “في بعض الحالات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجيب عن الأسئلة البسيطة أو المتكررة، ولكن الإنسان يبقى الأقدر على التعامل مع الحالات المعقدة أو التي تتطلب ذكاءً عاطفيًا.”

ويشدد على أهمية تطوير مهارات البشر لتواكب هذه التحولات التكنولوجية، بخاصة في ظل التحولات التي يشهدها العالم في مجالات مثل الزراعة، والطب، والتصميم. “نرى مثلاً أن الأطباء قد يصبحون أكثر اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض، لكن لا يزال الإنسان هو من يتخذ القرارات النهائية بشأن العلاج.”

بالنسبة لتأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، يؤكد أبي نجم أن البشر بحاجة إلى تطوير مهاراتهم باستمرار لمواكبة هذه التغيرات.

“نحن بحاجة إلى التركيز على التعليم المستمر، والتطوير المهني، وتعلم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. الذكاء الاصطناعي سيكون أداة قوية إذا تم استخدامها بالشكل الصحيح، لكنه لا يستطيع أن يحل محل الإنسان بشكل كامل، بحسب قوله.

وفي النهاية، يحذر أبي نجم من أنه يجب وضع قوانين وتشريعات لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الإنسان: “علينا التأكد من أن الذكاء الاصطناعي يبقى تحت سيطرة الإنسان. وإذا لم نضع حدودًا واضحة، فقد نواجه تحديات خطيرة في المستقبل.”

الآلة لا تحل محل الإنسان.. ولكن

أحمد، محلل مالي يبلغ من العمر 35 عامًا، يعترف بأنه يشعر بالقلق.

“قبل خمس سنوات، كنت أعتقد أن الذكاء الاصطناعي مجرد خرافة، لكنه الآن يحلل البيانات أسرع مني، ويتوقع اتجاهات السوق بدقة أكبر”. لكنه، بدلاً من الاستسلام، قرر تعلم تقنيات تحليل البيانات بالذكاء الاصطناعي. “إذا كان لا يمكنك هزيمتهم، انضم إليهم”، يقول مبتسمًا.

سارة، في المقابل، لا تزال مترددة. “أنا أحب عملي، أحب التعامل مع الناس، لكن ماذا لو قررت الشركة استبدالي ببرنامج دردشة آلي؟”.

تأقلم أو تراجع

لن يُستبدل الجميع، ولن ينجو الجميع. العالم يتغير، والتكنولوجيا لا تنتظر. الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، لكنه أيضًا ليس مجرد أداة محايدة. هو قوة جبارة، يمكنها أن تكون داعمًا أو مهددًا، بحسب الطريقة التي نختار التعامل بها معه. السؤال الأهم ليس “هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظيفتي؟ بل كيف يمكنني التكيف مع التحولات التي قد تطرأ على سوق العمل؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى