الرئيسيةالراي

من سِيد التريس إلى عبد خسيس..

* كتب/ خالد الجربوعي،

تحمله أمه تسعة أشهر، بمعاناتها ومشقتها، حتى يطل على الدنيا ويهل نوره.. ينتظره أبوه على أحر من الجمر، حتى ينظر إلى طلعته الباهية، ويصبح الشغل الشاغل لوالديه دلالا وتربية واهتماما، فيتوفر له ما يطلبه حسب الإمكانيات والحاجة..

تغنى له أمه بأنه سيكون سيد التريس، وصاحب كلمة ومكانة في مستقبل الأيام والأحلام، التي تتمنى له أن يصل إلى أعلى المستويات، ويحقق أفضل النتائج لتفخر به ووالده أمام الآخرين، بقوته وكرامته وعزته، وما سيقدمه لهما ولبلاده من عمل ومستقبل.. وأنه سيفتح لهم كل الطرق للعيش بكرامة وشهامة، فيدخل المدارس والكليات لينال أعلى الشهائد أحيانا وأقلها أحيانا أخرى، كلا حسب مقدرته وإمكانياته، لكنه بدلا عن ذلك، يسقط الحلم والأمل الذي أرده والداه بأنه سيكون سيد التريس، وفارس الفرسان في كل زمان ومكان، ليتحول بكلمة أو فعل أو جرة قلم إلى مجرد عبد خسيس ذليل، كل همه إرضاء الآخرين، من أصحاب السلطة والكراسي والأموال.. فيبيع نفسه وكرامته وشهامته من أجلهم، ومن أجل الدعاية لهم والدفاع عن أفعالهم صباح مساء، عبر كل الوسائل، وبشكل يفوق حتى دفاعه عن والديه واهتمامه بهما، ومن انتظروا منه الكثير..

فلا يترك فرصة إلا وعمل على تقديم الولاء والطاعة لمن يقوده ويتحكم فيه، ويحوله إلى عبد لا يستطيع أن يقول كلمة ضده، حتى لو كان على حق، حتى لو كانوا من أكبر القتلة والمجرمين والخارجين عن القانون.

هذا للأسف ما تزخر به بلادنا اليوم، من عبيد للأفراد أمواتا وأحياء، ومن لا يستطيعون العيش دون سيد يطبلون له، وينافقونه حتى يرضى عنهم، ويمنحهم بعضا من الرضا والهبات، كالمناصب والأموال وغيرها.

المهم أن يكون مرضيا عنه، ولو على حساب كل الرجولة وعزة النفس، وكل القيم والأخلاق، وحتى على حساب الآباء والأمهات والوطن، فذلك آخر هم لمثل هؤلاء العبيد أمام من يقدسونه ويرفعونه إلى مرتبة الملائكة، ومن لا مثيل له.. حتى إن الوطن عندهم اختصر في أسيادهم وأبنائهم، وبدونهم لا مكان للوطن ولا للوطنية عندهم، حتى لو كانوا هم سبب نكباته ومعاناة مواطنيه، وتأخرهم وفشلهم في بناء دولة حقيقية.

هذا هو حال الكثيرين اليوم ممن لا يغادرون الشاشات، وتجدهم على الصفحات وفي المهرجانات، لا هم لهم ولا عمل إلا التطبيل لأسيادهم، ونفاقهم والتعظيم من شأنهم حقا وباطلا.. وإن سقط سيد أو انتهى بحثوا عن بديل له، ليكون هو السيد الجديد..

طبعا لا يختلف في ذلك من كان صاحب أعلى الشهادات أو حتى المناصب، أو أقلهم مستوى ومكانة ومنصبا، فكلهم في النفاق واحد، مع اختلاف مواقعهم وطرق نفاقهم وعبوديتهم لا غير.

فالإنسان الذي خلقه الله لعبادته، والعمل على إنجاز ما يفيده ويفيد وطنه، تجده يترك كل ذلك ويصبح كل همه تقديس فرد أو أفراد، أيا كانت مكانتهم ومواقعهم، والعمل على إظهارهم بأفضل صورة، زيفا وكذبا طيلة الوقت وبكل الطرق.. فعلا إنها العبودية التي لا يستطيع أصحابها الخروج منها، والحياة بكل حرية وكرامة ولو بينهم وبين أنفسهم .

ولكي تعرف مثل هؤلاء من عبيد البشر والأفراد فعليا أنظر إليهم كيف يتعاملون مع ما يقوله أسيادهم، فإن وجدتهم يعتبرون كل كلامهم مقدسا، ولا يستطيعون حتى انتقادهم في كلمة واحدة، فاعلم أنهم وصلوا إلى أقصى مراحل العبودية، لأنه لا يوجد إنسان لا يخطئ، ولا يستحق الانتقاد، إلا عند العبيد، فهم الوحيدون الذين لا يستطيعون انتقاد أسيادهم، وهم كثر اليوم، وفي هذا الوقت ستجد الكثيرين منهم، وتكتشف حقيقتهم عند تعليقهم على ما يقوله سيدهم، وكيف يعتبرون كل كلمة منه حقيقة ومفخرة لهم، ومقدسة لا مناص منها، حتى لو كانت وهما وكلاما يمكن الطعن فيه، فعندهم يجب أن تطاع وتشاع وتنقل بكل ما فيها ..

فمتى يستفيق مثل هؤلاء الذين كان لهم دور كبير في إضاعة البلاد وقهر العباد، ماضيا وحاضرا، ويكون لكل واحد منهم قيمة ومكانة، لا هم لها إلا البلاد والعباد، لا الجماعات والأفراد، ومن يضعونهم في مرتبة الأسياد، حتى يكاد البعض يحولهم إلى ملائكة لا أخطاء لهم صباح مساء.

ليتحول من أراد أهله أن يكون سيد التريس إلى مجرد عبد خسيس..

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى