الاخيرةالرئيسية

من المسؤول؟.. قصة شاب أصيب بالملاريا في مدينتي رغم “الوقاية”!

* كتب/ د. امحمد أبوجلالة،

قبل يومين دخل شاب من مصراته إلى المستشفى يشكو من آلام بالبطن وإسهال وارتفاع شديد في الحرارة. في البداية بدا الأمر وكأنه نزلة معوية وخاصة وأن صورة الألتراساوند “التلفزيون” في غرفة الطوارئ أظهرت التهابا في الأمعاء الدقيقة.

… لكن أثناء فحصه في قسم الإيواء لفت انتباهي وجود لسعات ناموس عديدة على أطرافه. فسألته “هل سافرت مؤخرا؟”

فأجاب مطمئنا “نعم كنت في نيجيريا قبل أربعة أيام فقط… لكن لا تقلق يا دكتور لقد أخذت كل التطعيمات المطلوبة والعلاج الوقائي من الملاريا من المرفق الصحي المختص بالمدينة”.

…. غير أن التحاليل لم تؤكد هذه الطمأنينة فقد أظهرت نقصا شديدا في الصفائح الدموية، وارتفاعا بسيطا بأنزيمات الكبد، مع ارتفاع في نسبة الصفراء، والنتائج أوضحت سبب ارتفاع الصفراء لديه ليس بسبب الكبد، وإنما ناتج عن تكسر كريات الدم الحمراء.

… هذه النتائج رفعت الشكوك بالإصابة بالملاريا، لأن أكثر الأسباب شيوعا لتكسر كريات الدم الحمراء نتيجة الإصابات الجرثومية هي الملاريا، ولهذا طلبت مسحة دم خاصة بالملاريا، فجاءت النتيجة واضحة وصادمة، وهي إصابة مؤكدة بالملاريا، والصور المرفقة توضح وجود الطفيل داخل كريات الدم الحمراء و كدلك تقرير إصابته.

لكن السؤال ظل يطاردنا كيف أصيب رغم أنه “محمي” بالعلاج الوقائي؟

… الحقيقة ظهرت عندما طلبت منه إحضار بطاقة التطعيم. وجدت أنها تحتوي فقط على التطعيمات الدولية المعروفة (التهاب السحايا والحمى الصفراء) بينما لم يذكر فيها أي علاج وقائي ضد الملاريا. وقال بأن الطبيبة المسؤولة بالمرفق الصحي كتبت له وصفة ورقية منفصلة بدواء الكلوروكوين، كما هو موضح بالصور المرفقة.

هنا كانت الكارثة… لأن الملاريا في نيجيريا لديها مقاومة واسعة للكلوروكوين منذ سنوات، وهذا الدواء لم يعد يوصى به نهائيا للوقاية في البلدان التي تنتشر فيها المقاومة للملاريا لهذا العلاج، ومنظمة الصحة العالمية (WHO) ومراكز مكافحة الأمراض (CDC) أوصوا بوقف استعماله واستبداله بأدوية أكثر فعالية مثل Atovaquone-proguanil أو Doxycycline أو Mefloquine.

… وللتأكد تواصلت شخصيا مع مركز مكافحة الأمراض فكان ردهم واضحا:

* البروتوكول الوطني تم تحديثه والكلوروكوين أزيل تماما من التوصيات، كما هو موضح في الرسالة من حضرتهم.

* الأطباء مطالبون بالالتزام بالبروتوكولات الحديثة، ولكن للأسف ما زال بعضهم يصف علاجات قديمة والنتيجة أن شابا فقد وقايته وأصيب بالمرض.

وهنا تتوالى الأسئلة:

* كيف يوصف علاج ملغى في بروتوكول رسمي؟

* لماذا لا توثق الأدوية الوقائية داخل بطاقة التطعيم كما توثق اللقاحات؟

* هل توجد رقابة حقيقية في المطارات للتأكد من تلقي المسافرين للوقاية المناسبة؟ وإذا كانت موجودة، كيف سمح له بالمغادرة دون تسجيل الوقاية بل وبعلاج غير مناسب أصلا؟

رسالتي:

* على الأطباء الرجوع دائما إلى التوصيات الوطنية والدولية المحدثة قبل وصف أي لقاح أو علاج وقائي.

* على المواطنين الاطلاع بأنفسهم عبر منصة Travel التابعة للمركز الوطني لمكافحة الأمراض قبل السفر فالمعرفة هي خط الدفاع الأول.

* على السلطات الصحية والمطارات سد هذه الثغرة فورا فحياة المسافرين ليست مجالا للتجربة أو الاجتهاد.

…. المسؤولية مشتركة… لكن الثمن في النهاية يدفعه المريض.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى