العربي الجديد-
يثور تضارب في ليبيا حول مستقبل دعم المحروقات، وسط مناكفات بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس عبد الحميد الدبيبة من جهة والحكومة المكلفة برئاسة أسامة حماد في طبرق من جهة أخرى.
وقال الدبيبة في تصريحات حديثة إن قرار رفع الدعم عن المحروقات لا رجعة فيه، بينما رفضت حكومة حماد من جهتها القرار، في وقت أعلنت فيه عن توفير دعم جديد للسلع الأساسية.
وأكدت الحكومة المكلفة عزمها تنفيذ الأحكام القضائية ذات الصلة بتعيين حراس قضائيين لحماية الثروة النفطية، مطالبة إياهم بمباشرة مهامهم في هذا الشأن.
وتدعم ليبيا المحروقات الذي يذهب معظمه إلى التهريب، ويكلف لتر البنزين الدولة الليبية نحو (دولار أميركي واحد) بينما يباع بنحو 20 قرشاً (16 سنتاً) في المتوسط.
مناكفات حكومية
وقال المحلل الاقتصادي محمد الشيباني إن “ملف الدعم دخل مرحلة المناكفات بين الحكومتين كل هذا له تأثيرات اقتصادية على معيشة المواطن”.
وأوضح الشيباني في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن “هناك نقصاً في إمدادات الوقود لمختلف أنحاء البلاد، وبالمقارنة بين الكميات الموردة مع حجم التحصيل النقدي عن مبيعات البنزين والديزل فهي لا تتعدى 450 مليون دينار (نحو 94 مليون دولار)”.
وأضاف أن “العائدات زهيدة للغاية مما يكشف عن مشكلة في تحصيل الأموال من شركات توزيع المشتقات النفطية التي تبيعها بسعر مدعوم”.
ودعا الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة إلى ضرورة مراجعة سياسات توزيع الدخل في الاقتصاد الليبي، والحد من تضخم الإنفاق العام غير الانتاجي.
وقال أبوسنينة في تصريحات لـ”العربي الجديد” إن “الدعم ينبغي أن يكون لمستحقيه من الفئات الهشة وليس لكل الناس”.
وأشار إلى أن “الدعم السلعي بشكله الحالي يستفيد منه الأغنياء على حساب الفقراء، بينما الدعم النقدي يذهب للمستحقين فقط”.
ورأى المحلل الاقتصادي محمد الأسود أن “رفع الدعم عن المحروقات في ظل دولة هشة سيؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، ومن ثم عدم قدرة الحكومة على تغطية الدعم النقدي لوجود مشكلة في عرض النقود التي تعد الأداة الأساسية في إدارة الاقتصاد”.
وأوضح لـ”العربي الجديد” أن ” الحكومات أخلت بوعدها بشأن استبدال الدعم السلعي بالنقدي سنة 2015 ومن ثم فرض ضريبة على سعر الدولار على حساب جيب المواطن، ومن ثم تخفيض قيمة العملة 70% عبر العمل بسعر الصرف الموحد مطلع عام 2021″.
وأضاف أن ذلك “أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للدينار دون تعويض المواطن”، متسائلا: “من يحمي المواطن من بطش الحكومة”، على حدّ وصفه.
وتساءل الأسود “من يحمي المستهلك من بطش الحكومة؟” على حد وصفه.
ويقدر دعم ليبيا للوقود بما يناهز 3.9 مليارات دولار، بنسبة 17.7% من الناتج المحلي الإجمالي، أما سعر البنزين فيعد الأرخص في ليبيا من ضمن جميع دول أفريقيا وفق تقديرات دولية.
وحسب دراسات للبنك الدولي، سيتطلب أثر إصلاح نظام الدعم، على الفقراء والطبقة المتوسطة، إدراج آليات مالية مختلفة.
مخاوف التضخم
وتشير الدراسات إلى أن التحرير الكامل، لأسعار الطاقة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 7 إلى 10%. وكان صندوق النقد الدولي قد طالب ليبيا في نهاية عام 2010 خلال عهد القذافي، الذي أطاحته الثورة، بضرورة إلغاء دعم السلع والمشتقات النفطية.
من جهته، قال المحلل المالي محمود سالم إن “ليبيا مجبرة على رفع الدعم عن المحروقات للطلب المتزايد على البنزين والديزل في الأسواق مع عدم حصول المستهلك على السلعة، خاصة في مناطق الجنوب في ليبيا يصل لتر البنزين إلى دينارين”.
وأضاف أن “الغني وليس الفقير هو من يستفيد من شكل الدعم الحالي للمحروقات”، داعيا إلى “رفع الدعم أو صرف بطاقات إلكترونية للمواطنين يحدد من خلالها قيمة الاستهلاك سنويا”.
ويحظى الوقود في ليبيا بدعم قوي من الحكومة، ما يجعل سعره في مستوى أقل من يورو واحد للصفيحة سعة 20 لترا، ليصبح تهريبه بابا للإثراء في البلد الذي يشهد انفلاتا أمنيا وصراعات سياسية ومسلحة مستمرة .
وتشير تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط إلى أن ما بين 30% و40% من الوقود المكرر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة أو التهريب.
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد عادل المقرحي أن “هناك صعوبة تواجه تطبيق رفع الدعم عن المحروقات في ظل وجود حكومتين وعدم الاستقرار السياسي بالبلاد”.
وذكر التقرير السنوي لديوان المحاسبة أن دعم المحروقات خلال عام 2022 بلغ نحو 83 مليار دينار (17.2 مليار دولار)، مبينا أن إجمالي المحروقات الموردة من الخارج خلال عام 2022 بلغت قيمتها 8.8 مليار دولار وهي تمثل المبادلة نظير النفط الخام بالمشتقات الأخرى ومبلغ 53 مليون دولار مشتريات.
كما بلغت قيمة النفط المخصص للتكرير لتغطية متطلبات السوق المحلي نحو 3.9 مليارات دولار، إضافة إلى وكذلك النفط الخام المخصص لتشغيل محطة كهرباء أوباري بنحو 405 ملايين دولار، والغاز الطبيعي المستهلك محليا لتشغيل محطات الكهرباء بنحو 3.97 مليارات دولار.