العربي الجديد-
زادت وتيرة اكتشافات الجثث في المقابر الجماعية المرتبطة بالحروب التي شهدتها ليبيا خلال السنوات السابقة، فيما لا تزال أسر ضحايا هذه المقابر تنتظر عدالة السلطات والقضاء.
وفي آخر حصيلة الجثث المكتشفة، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية العثور على ثلاث جثث مجهولة الهوية في منطقة طريق سالم علي بمدينة ترهونة، وهي منطقة جديدة أدرجت للمرة الأولى على قائمة المناطق التي تضم مقابر جماعية.
وجاء ذلك غداة انتشال ثماني جثث من منطقة المكب العام في مدينة ترهونة التي سبق أن انتشلت عشرات الجثث منها، وكشفت هويات بعض أصحابها، فيما لا تزال أخرى تنتظر في ثلاجات الموتى.
إلى ذلك، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين انتشال 18 جثة مجهولة الهوية في مقبرة جماعية بمنطقة الظهرة في مدينة سرت.
وأوضحت الهيئة أن الجثث أحيلت على الطب الشرعي، وأن فرقها ستأخذ عينات منها، تمهيداً لإحالتها على المختبرات من أجل مطابقتها بعينات مرجعية خاصة بأسر المفقودين. أما الجثث المنتشلة من سرت، فخضعت لإجراءات أخذ عينات من العظام بعد عرضها على الطب الشرعي، ثم نقلت إلى مختبرات الهيئة للعمل عليها، قبل إعادة دفن الجثث.
يقول محمد الزياني، شقيق أحد المفقودين، لـ”العربي الجديد” باستياء، إن “إعلانات العثور على الجثث واكتشاف المقابر الجديدة باتت مواد مستهلكة أفقدت وسائل الإعلام دورها في إثارة الرأي العام، وتوجيهه للضغط على السلطات الرسمية”.
ويعلّق على ما تعيشه أسرته بالقول: “جميع أفراد أسر المفقودين يساورهم شعور بأن أبناءهم قتلوا ودفنوا في مقابر لم تكتشف. وبالنسبة إلى الأمل في القصاص، لم يعد موجوداً، ونهاية قصة أي أسرة في علاقتها بالسلطة اليوم تتمثل بتبليغ السلطات إياها بالعثور على جثة ابنها، وتسليمه لدفنه. ورغم أن الأمر مؤلم بالنسبة إلى أي أسرة تعلم أن ابنها المفقود منذ سنوات موجود في إحدى المقابر، لكن معرفة ذلك ستوصلها إلى نهاية الألم والمعاناة”.
ويشير الناشط الحقوقي صالح الهمالي، إلى أن عدد المفقودين الذين أُبلغ عنهم يؤكد وجود مقابر أخرى لم تكتشف، ويلفت إلى ضعف تعاطي السلطات مع القضية والتدابير المتخذة لملاحقة المتورطين بها. ويقول لـ”العربي الجديد”: “غياب الإرادة السياسية للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب جعل الملف في حال مراوحة كاملة لا جديد فيها سوى الإعلان عن الجثث والمقابر الجديدة. وقد توقف أيضاً التعاطي الدولي منذ أن زار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان مقابر جماعية في مدينة ترهونة، في نوفمبر الماضي، حين تعهد بملاحقة مرتكبي الجرائم”.
ويعلّق الزياني بالقول: “أعتقد أن تصريحات خان لن تتجاوز حد إعلان عدد الجثث التي عثر عليها والمقابر، والتعهد بإجراء تحقيق وملاحقة المجرمين، ولن يحدث أي شيء آخر”.
وكانت السلطات الليبية قد أعلنت أن إجمالي عدد الجثث التي عثر عليها في مدينة ترهونة وضواحيها منذ يونيو 2020 ناهز 300، وأوضحت أنها انتشلت من نحو 90 مقبرة جماعية وفردية، وجرى التعرف إلى هوية نحو نصفها حتى الآن.
ويتهم أهالي الضحايا عناصر قوة اللواء التاسع التي تعرف بكتيبة الكانيات، بارتكاب مجازر مدينة ترهونة، ودفن جثث الضحايا في مقابر جماعية، علماً أن هذه القوة تنتمي إلى المدينة، وتتبع عسكرياً حفتر. وسبق أن شاركت في معاركه للعدوان على العاصمة طرابلس وضواحيها عامي 2019 و2020، قبل أن تنسحب برفقة باقي مليشيات حفتر من المدينة في يونيو 2020، وتترك وراءها عشرات المقابر الجماعية.
وفي حديث سابق لـ”العربي الجديد”، رجح الناشط الحقوقي جمال الأنصاري، ارتباط وجود أعداد كبيرة من الجثث في مقابر ترهونة بتصفية مليشيات كتيبة الكانيات كل من كانوا موجودين في سجونها تباعاً عندما عرفت أن خسارتها الحرب باتت وشيكة. وقال: “كان غرض مليشيا الكانيات إخفاء أي أثر لجرائمها، ويمكن أن يكون أفرادها قد بادروا إلى نقل بعض المعتقلين معهم وأخفوهم في سجون اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك قبل إعلان تصفية مجموعة مجهولة زعيم الكتيبة محمد الكاني في بنغازي وسط ظروف غامضة في يوليو 2021، الذي أرى أنه يدل على محاولة إخفاء أهم أدلة صلة خليفة حفتر وقياداته بجرائم ترهونة”.