العربي الجديد-
أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية في ليبيا، الأربعاء الماضي، انتشال 15 جثة مجهولة الهوية من مقبرتين جماعيتين اكتشفتا بساحة مستشفى ابن سينا التعليمي في مدينة سرت.
وأوضحت أن فريقاً تابعاً لها استخرج 7 جثث مجهولة الهوية من المقبرة الأولى، و5 جثث أخرى مجهولة الهوية أيضاً من المقبرة الثانية. وأكدت أن فرقها ستعمل لإعادة دفن الجثث في حضور ممثلين عن النيابة العامة والطب الشرعي في سرت.
وقبل عملية إعادة الدفن ستأخذ فرق الهيئة عينات من الجثث لاستخلاص الحمض النووي، ومقارنتها بالعينات المرجعية لأهالي المفقودين المسجلين في القوائم.
وفي نهاية أغسطس الماضي، انتشلت فرق الهيئة سبع جثث من مقبرة جماعية في ساحة مستشفى ابن سينا التعليمي في سرت، وهي تعمل لمطابقة نتائج عينات الحمض النووي للجثث مع العينات المسجلة لديها من أهالي المفقودين.
وفيما تشكل الجثث التي عثر عليها في سرت أول تأكيد لامتداد ملف المفقودين الى مدن خارج ترهونة، تؤكد الناشطة الحقوقية بدرية الحاسي لـ”العربي الجديد” وجود حالات مماثلة في مدن عدة شهدت معارك خلال السنوات الماضية، وأيضاً مناطق قريبة أو محاذية لمقار السجون الكبيرة. وتسأل: “أين تدفن جثث المخطوفين على أيدي مقاتلي المليشيات شرق البلاد، والتي يجري إبلاغ الأهالي بالعثور عليها دون تسليمها إليهم؟”.
في غضون ذلك، ما زالت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تركز على العمل في مدينة ترهونة. وقد أعلنت الأسبوع الماضي أن فرقها اكتشفت، بالتعاون مع جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التابع لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، مقبرة جديدة انتشلت منها 7 جثث.
وجاء ذلك بعدما اعتقل جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة أحد المتورطين في جريمة المقابر الجماعية، والذي حدد أماكن بعضها، وأحدها في مكب للقمامة على أطراف ترهونة. ووصل إجمالي الجثث المستخرجة من مدينة ترهونة ومحيطها، منذ يونيو 2020 إلى 266، انتشلت من 83 مقبرة، وجرى التعرف على هوية 120 منها.
وكانت حصيلة تحقيقات نشرها أخيراً مكتب النائب العام في شأن حجم الجرائم المرتكبة في ترهونة ونوع الانتهاكات خاصة خلال الحرب التي شنتها مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس وضواحيها، أثارت الرأي العام.
وأوضح مكتب النائب العام أن التحقيقات تشمل 280 قضية، وأنه أصدر 376 أمراً بالقبض والإحضار، وأحال 10 قضايا على المحاكم، من دون أن يكشف مصير هذه القضايا.
وأشار المكتب إلى تكليف لجنة من المباحث الجنائية تولي مهمة الرصد وجمع المعلومات المتعلقة بالجرائم، وتشكيل غرفة أمنية تضم أجهزة تنفيذ القانون، ومأموري الضبط القضائي، للتحري والبحث عن مطلوبين في قضايا جرائم مدينة ترهونة. وكشف أن هذه اللجنة حددت أماكن وجود عدد من المطلوبين في الخارج، وتحديداً في تونس ومصر والسعودية.
وشهد العامان الأخيران تنظيم أهالي ضحايا مجازر ترهونة وقفات احتجاج لمطالبة الحكومة والنيابة العامة بكشف مصير أبنائهم، ومحاسبة الجناة، علماً أن هيئة التعرف على المفقودين كانت أفادت في بيانات سابقة بأن عدد المقابر المُكتشفة بلغ 80 مقبرة، منها 43 جماعية، و37 فردية، وتشير مصادر إلى أن عدد الأسر التي أبلغت عن مفقوديها في ترهونة يتجاوز 450.
وكانت مليشيا “الكانيات” تفرض سيطرتها المطلقة على مدينة ترهونة التي تبعد 95 كيلومتراً من جنوب شرقي العاصمة طرابلس، قبل أن تنضم إلى مليشيات خليفة حفتر في حربه على العاصمة، وتعتقل وتخفي كل من يشتبه في معارضته الحرب، ما خلّف عشرات من المقابر الجماعية والفردية التي بدأت تكتشف إثر انسحاب “الكانيات” من المدينة مع مليشيات حفتر في يونيو 2020.
وتلفت الحاسي إلى أن “نشاط الهيئة الحكومية الخاصة بكشف المقابر والبحث عن المفقودين جاء بعد أول إعلان من السلطات في قضية المقابر الجماعية، ويدل على بدء اهتمام السلطات بالملف والاعتراف به”.
وترى أن “كشف وجود مقابر جماعية خارج ترهونة سيضيق دائرة البحث والتحقيق، ويضغط في اتجاه السماح للبحث في مناطق أخرى، ما يمهد الطريق لفتح ملفات جنائية كبيرة ستترافق مع تسمية متورطين آخرين الى جانب مليشيا الكانيات”.
تتابع: “من المنطقي أن تحتوي مناطق الجنوب التي كانت دوماً مسرحاً للحرب، وكذلك مدن بنغازي ودرنة التي شهدت معارك ضارية لسنوات، مقابر لإخفاء جرائم لا يريد كثيرون أن تظهر”.
وتأسف الحاسي لكون مستشفى ابن سينا التعليمي في سرت ساحة لهذه الجرائم، “فهذه وحدها جريمة بعد تحويل مستشفى يفترض أن يقدم خدمات إنسانية إلى مكان لإخفاء الجرائم”.