العربي الجديد-
أفادت معلومات خاصة توفرت لـ”العربي الجديد” بتنامي القلق المصري إزاء تطورات المشهد الليبي، خصوصاً في ما يتعلق بالموقف المتغير في صفوف المليشيات التابعة لحفتر، والمخاوف من تصاعد الصراعات داخل هذا المعسكر التي تشكل تهديداً مباشراً لمصر، لا سيما مع الحديث المتواتر عن انخراط حفتر في دعم قوات الدعم السريع في السودان بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما يتعارض مع موقف مصر الداعم للجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ويعقد الحسابات المصرية في المنطقة.
ويزيد من تعقيد الموقف، التفاهمات المحتملة بين حفتر وروسيا بشأن نقل قواعد عسكرية وقوات روسية من سورية إلى ليبيا، إذ تثير مثل هذه التحركات مخاوف مصر من تصاعد النفوذ الروسي في ليبيا، الذي قد يُخل بموازين القوى الإقليمية ويؤثر على الأمن القومي المصري، خاصة مع احتمال استخدام الأراضي الليبية منصة لتوسيع النفوذ الروسي في شمال أفريقيا.
وعلمت “العربي الجديد”، أن حفتر، وصل مساء الخميس (16 يناير 2025م) إلى القاهرة، في زيارة لم يعلن عنها من قبل، للقاء مسؤولين مصريين، من المرجح أن يكون على رأسهم وزير المخابرات العامة المصري اللواء حسن رشاد ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد خليفة، وذلك بعد دخول قافلة كبيرة من المقاتلين الجنجويد والمعدات من ليبيا إلى دارفور لدعم حميدتي.
وفي ظل هذه التحديات، أكدت المعلومات حرص القاهرة على تعزيز التنسيق مع أنقرة في الملف الليبي، وأنه على الرغم من اعتراض مصر على بعض المسائل، مثل الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا لدعم حكومة عبدالحميد الدبيبة، فإن هناك اعتقاد داخل الإدارة المصرية بأن التحالف مع تركيا في هذا المجال قد يكون الخيار الأفضل لحماية المصالح المصرية.
تحسين علاقات مصر وتركيا
وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار تحسين العلاقات المصرية- التركية، ويؤكد شريف عبد الله، مدير المركز الليبي للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، أن التفاهم بين مصر وتركيا سيستمر رغم التحديات التي يفرضها الملف الليبي، مشيراً إلى وجود تقاطع متزايد في المصالح المصرية والتركية داخل الملف الليبي، وهو ما قد يؤدي إلى بعض التعثر في قضايا كبرى، مثل احتمالية جر ليبيا إلى دائرة الصراع الدولي. ويوضح أن الحديث عن نقل روسيا لقواتها من سورية إلى ليبيا سيخلق محوراً جديداً للصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي من جهة، وتركيا من جهة أخرى، ما يعقّد الأوضاع بشكل أكبر.
ويضيف عبد الله، أن قضية خروج المرتزقة، التي تثار من قبل بعض الأطراف، تبدو للاستهلاك الإعلامي أكثر منها خطوة حقيقية، وأن مصر تركز على تأثير الوجود الروسي المتزايد في ليبيا، والذي قد يعقّد علاقاتها مع حلفائها في الداخل الليبي، مثل البرلمان، وحفتر.
ويرى عبد الله أن حفتر لم يعد الحليف الاستراتيجي الأبرز لمصر، نتيجة لخلافات متعددة، أبرزها تعامله مع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في السودان، بالتنسيق مع الإمارات، في تناقض مع الموقف المصري الداعم للجيش السوداني بقيادة البرهان. ويشير إلى أن الوجود الروسي القوي في ليبيا يمثل تحديًا كبيرًا لدول الجوار، خاصة مصر والجزائر، مؤكداً أن أي تصعيد في الأراضي الليبية قد يؤدي إلى تفاقم تهريب السلاح، وإعادة تشكيل الجماعات الإرهابية، ما سيشكل ضغطاً كبيراً على الحدود المصرية الغربية والجيش المصري.
وفيما يتعلق بالتفاهمات بين مصر وتركيا، يتوقع عبد الله أن تشهد العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التعاون، خاصة إذا دخلت تركيا في تفاهمات مع روسيا بشأن الملف الليبي، وأن مصر قد تجد في تركيا حليفاً استراتيجياً للتعامل مع التطورات الليبية، في ظل تراجع النفوذ المصري في الشرق الليبي مع تصاعد الحضور الروسي. وعن نقاط الخلاف بين مصر وتركيا، يوضح عبد الله أن هناك قضيتين رئيسيتين: الأولى تتعلق باستمرار حكومة الدبيبة، حيث ترغب مصر في تشكيل حكومة موحدة جديدة، بينما ترى تركيا أن استمرار الدبيبة في منصبه يصب في صالح استراتيجياتها، أما القضية الثانية فتتعلق بالوجود الروسي في ليبيا، خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية القريبة من الحدود المصرية. ويختتم عبد الله تصريحاته بالتأكيد أن التفاهم بين مصر وتركيا ضرورة استراتيجية في المرحلة الراهنة، وأن التعاون بين البلدين قد يكون السبيل الوحيد لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي يفرضها المشهد الليبي.
في المقابل، يقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، لـ”العربي الجديد”، إن التعاون الأمني بين مصر والسلطات الليبية، خصوصاً في المناطق الشرقية، لا يزال مستمراً ويمثل أولوية لمواجهة التحديات المشتركة، مشيراً إلى الزيارة السابقة لرئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى شرق ليبيا والتي يقول إنها جاءت في إطار التنسيق المستمر بين الجانبين، خاصة في ضوء قرب هذه المناطق من الحدود المصرية، التي تشكل محوراً استراتيجياً لأمن القاهرة.
ويوضح حسن أن هذا التعاون يهدف بشكل أساسي إلى مراقبة تحركات العناصر الإرهابية في ليبيا ودول الجوار، والعمل على منع تمددها نحو الأراضي المصرية، وأن تعزيز هذا التنسيق أصبح ضرورة في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، خاصة تلك المرتبطة بالتطورات في سورية وأثرها على المنطقة. ويلفت إلى أن الوضع في سورية، بما في ذلك مخيمات مثل الهول، التي تضم أعدادًا كبيرة من أفراد وأسر تنظيم “داعش”، يشكل مصدر قلق كبير، وأن رفض بعض الدول استقبال مواطنيها المرتبطين بالتنظيم قد يؤدي إلى انتقال هذه العناصر إلى مناطق أخرى، بما في ذلك أفريقيا. ويضيف: “هذا الواقع يستدعي تنسيقاً أمنياً إقليمياً واسعاً بين دول المنطقة، بما فيها ليبيا، لضمان احتواء هذه التهديدات قبل أن تتحول إلى أزمة أوسع”.
وفي هذا الإطار، عقد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اجتماعاً مع القائمة بأعمال البعثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، خلال زيارتها إلى القاهرة. وأشار الوزير إلى مواصلة مصر جهودها في تعزيز مسار الحل الليبي-الليبي، مع احترام مؤسسات الدولة ودعم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن. وشدد على أهمية خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من ليبيا للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها