رأي- مشهد من الماضي.. الفساد المزمن
* كتب/ أحمد نصر،
عندما توفى اخو الأستاذ مصطفى بعيو (أحمد أبو عبد الحميد) جاء من الخارج إلى مصراتة لحضور المأتم وقبول العزاء في أخيه…
وفي الليلة الثالثة او الرابعة من ليالي العزاء وقد خف المعزون كانت لنا فرصة أن نلتف حوله في خيمة العزاء نحن جمع من شباب قريته وأقاربه، ولعلني كنت أكبرهم سنا، وكان سعيدا بنا حوله، فانبسط معنا في حديث ماضوي عن أيام توليه وزارة التربية والتعليم في عهد المملكة، وعن المشاكل التي واجهها في الوزارة وتدخلات النواب في مالا يعنيهم وتقصير المدراء ووكلاء الوزارات في آداء واجبهم كما ينبغي، ذكر لنا موقف النائب في زاوية المحجوب من مدرسة اختير مكان إنشائها على يسار الطريق الساحلي لتخدم الجميع، وكان يريدها على يمين الطريق لتكون الأقرب لمؤيديه في الانتخابات.
وحدثنا عن مشكلة الكتاب المدرسي التي أحدثت ضجة في المجتمع وربكة في الوزارة وتشنيعا عن الصحافة ووسائل الإعلام أثناء توليه الوزارة في الستينات فقال: (كنا في الوزارة قد أخذنا احتياطنا في توفير الكتاب المدرسي قبل بداية الدراسة حتى يكون الكتاب في يدي التلميذ من اليوم الاول؛ فطلبنا لكل المدارس ان تأتينا بكشوفات تبين احتياجاتها من الكتب للسنة القادمة، وأضفنا لكل مدرسة زيادة احتياطية لأي احتمال، وبناء على احتياجات كل المدارس والاحتياط الذي أضفناه تم طبع الكتب في لبنان وجاءت الكتب في موعدها، ووزعت على المدارس قبل بدأ الدراسة، وكل شيء ماض على ما يرام؛ ولكن ما كادت تمر الأيام الأولى في المدارس حتى اشتكت المدارس من نقص في الكتب..
الكتب لا تفي بحاجة التلاميذ!!.. كيف؟!!، وأخذ الإعلام ينتقد ويشنع، والناس تلوم الوزارة وتسب وتتهم بالإهمال والتقصير، ونحن في الوزارة اصابنا الارتباك وبدأنا نحقق مع المسؤولين في الإدارات حتى اكتشفنا الحقيقة المرة؛ ذلك أن الشركة في بيروت التي طبعت الكتب تضع على (الكرتونة) 40 نسخة وفي داخلها 30 نسخة فقط.. سرقة جهارا نهارا..
ثم التفت إلي وقال هل تذكر يا أحمد المقال الذي كتبته في مجلة (ليبيا الحديثة)؟…
واسمحوا لي أن أشير إلى هذا المقال قبل أن أذكر ما قاله الأستاذ مصطفى عنه في تلك الجلسة الساهرة: في السنة التي عينت فيها مدرسا في مصراتة كان قد عين بمصراتة محافظ جديد، وكان على غير العادة شاب نشط وكشاف أيضا (جمعة إبراهيم) وكنت حينها عضوا للثقافة في نادي الإتحاد المصراتي، وأكتب في (مجلة الإذاعة والتلفزيون) بطرابلس، فطلب إلي السيد المحافظ أن أكون مراسلا لمجلة (ليبيا الحديثة) لأمدها بأنشطة المحافظة من مصراتة؛ فقبلت وعينت، وكان أول مقال كتبته على توزيع أعمدة الكهرباء حيث لاحظت مديرها يوزعها على مزاجه؛ فكان المفترض أن توزع الكهرباء إلى القرى الأقرب فالأقرب من المدينة وكانت قريتي التي أعيش فيها حينها أقرب إلى محطة (السنترال) لكن المدير تخطى قريتي وقرى أخرى وواصل إمداد الأعمدة إلى قرية أبعد فذهبت إليه في مكتبه وناقشته في هذا الموضوع فتغطرس في وجهي، وقال لي بعنجهية (التوزيع يخص الشركة) فخرجت من عنده وهو لا يعرف أني سأكتب ما دار بيني وبينه. كتبت المقال وأذنت فيه المهندس المصري المدير المسؤول على التوزيع، وكأني أذنته بالمحسوبية والرشوة وخدمة البعض على حساب البعض ثم سلمت المقال للأستاذ رئيس تحرير المجلة (صالحين نتفة) فما كان منه إلا أن نشره ووضع صورة السيد المحافظ في نصف صفحة (والمجلة من الحجم الكبير) وكتب تحت الصورة (المطلوب من المحافظ أن يتدخل).
هذا هو موضوع المقال.. اما ما أخبرنا به عنه الأستاذ مصطفى بعيو قائلا: إن هذا المقال ناقشناه في رئاسة الوزراء واحتد النقاش والجدل فيه، لكنها هذه مشاكل دولتنا، الوساطة والمحسوبية والرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وهذا مايؤخرنا، وعانينا منه الكثير. وكان المفترض هذا المدير المهندس أن يفصل من عمله ويسفر الى بلده؛ لكن للأسف ما حدث أنه أبعد عن مصراتة وكفى!!، وسيجد مكانا آخر يزاول فيه أخلاقه وإفساده لأنه تبين أنه من نسائب أحد رؤساء الوزارات السابقين..
اما أنا فقد أرسلت المقال الثاني فلم تنشره المجلة وفصلت، وانتهى الأمر بسبب هذا المقال. رحم الله الأستاذ التربوي والمؤرخ الكبير أستاذنا مصطفى عبد الله بعيو وأسكنه فسيح جناته.