العربي الجديد-
من المتوقّع أن يعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا قريباً عن النتائج النهائية للمسح الوطني الخاص بعوامل خطر الأمراض غير السارية. ويهدف هذا المسح إلى تمكين وزارة الصحة والمركز الوطني لمكافحة الأمراض من وضع استراتيجيات وتدخّلات ضرورية لتحسين الوضع الصحي المتعلق بالأمراض المزمنة في المجتمع الليبي.
وكان المسح الوطني لتقييم عوامل خطر الأمراض غير السارية أو الأمراض المزمنة قد انطلق في ليبيا قبل أقلّ من عام، في نوفمبر 2022 بعد توقّف استمرّ أكثر من 14 عاماً.
يُذكر أنّ المدير العام للمركز الوطني حيدر السائح قد عقد في الأيام الأخيرة اجتماعاً فنياً، مع خبراء من منظمة الصحة العالمية من المكتبَين الرئيسي والإقليمي ومع ممثّل المنظمة لدى ليبيا وكذلك الإدارات المعنية في المركز، من أجل تحليل ومناقشة نتائج المسح الأولية.
وقد أُنجزت عمليات المسح التي شملت أكثر من ستة آلاف أسرة ليبية، بالتعاون مع مركز المعلومات والتوثيق في وزارة الصحة ومصلحة الإحصاء والتعداد، بإشراف لجنة فنية من الخبراء الوطنيين، ومشاركة أكثر من 250 باحثاً ميدانياً.
وأفاد المكتب الإعلامي التابع للمركز الوطني لمكافحة الأمراض، أنّ المسح أتى في ثلاث مراحل أساسية، جرى في أولاها الاستدلال على عوامل الخطر للأمراض غير السارية، لا سيّما السكري وارتفاع ضغط الدم والربو والأورام، من قبيل التدخين والسمنة والغذاء غير الصحي وارتفاع نسبة الدهون في الدم.
وفي المرحلة الثانية، كان قياس وزن المستهدفين بالمسح ومؤشرات كتل الجسم وضغط الدم ونبضات القلب. أمّا المرحلة الثالثة فخُصّصت لقياس مستويات السكر في الدم ومعدّل السكر التراكمي وقياس الدهون، بالإضافة إلى أخذ عيّنات مخبرية لقياس معدّل استهلاك الملح في المجتمع.
وتصنّف منظمة الصحة العالمية الأمراض المزمنة أو تلك المرتبطة بنمط الحياة أمراضاً غير سارية، من بينها أربعة رئيسية هي أمراض القلب والأوعية، وأمراض السرطان، والأمراض التنفسية المزمنة، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، يُضاف إلى ذلك مرض الزهايمر وهشاشة العظام.
وفي ظلّ عدم توفّر إحصاءات وقواعد بيانات رسمية منشورة حول مدى انتشار الأمراض غير السارية في ليبيا، بسبب التخبّط الذي تعيش فيه البلاد وانقسام المؤسسات بما فيها المؤسسة الصحية بين حكومتَين في الشرق والغرب، يقدّر الطبيب المتخصّص في أمراض القلب والأوعية هاني القمودي أنّ “ليبيا من بين أكثر دول العالم إصابة بأمراض مزمنة”. ويوضح القمودي لـ”العربي الجديد” أنّ “أعداد الحالات التي نشخّصها ونتابعها تدعو إلى القلق، وبعضها يكثر لدى الأطفال مثل الربو”.
وبينما يثني القمودي على “الجهود التي تبذل أو تحقّق أيّ تقدّم في مجال مكافحة هذه الأمراض المستوطنة”، ينتقد السلطات الصحية والإحصائية لعدم توفيرها قواعد بيانات دورية لمنحنى انتشار تلك الأمراض، ولعدم تكليف متخصّصين لدراستها وتحليلها قبل افتراض الحلول والسعي إلى التطبيق.
ويشرح القمودي أنّ ذلك “يستدعي تعاون كلّ الجهات المعنية مثل وزارة الصحة والمركز الوطني لمكافحة الأمراض ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية ونقابات الأطباء والصيادلة، وحتى إدارات المنافذ والجمارك التي تتسرّب منها الأغذية والأدوية الفاسدة إلى ليبيا من دون رقابة مجدية”.
ويرى القمودي أنّ الدولة الليبية “فقدت السيطرة على النظام الصحي مع تراجع مستوى الخدمات في المؤسسات الصحية العامة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، في حين يتزايد نشاط القطاع الخاص في المقابل من دون رقابة حكومية”. يضيف أنّه “من الصعب الآن أن تنشئ الجهات الصحية الرسمية قواعد بيانات لمرضى السكري. فهؤلاء لا يتابعون أوضاعهم لدى مرافق الدولة الصحية، بسبب سوء الخدمة فيها، ويستعيضون عن ذلك بالعيادات والمستشفيات والصيدليات الخاصة”.
يتابع القمودي أنّ “الإدارات الصحية لم تتمكّن من الخروج ببيانات ومتابعات يُعتمَد عليها، حتى في أيام إمساك الدولة بالقطاع الصحي بالكامل، فما بالك باليوم والعيادات والمستشفيات والصيدليات الخاصة في كلّ مكان وتعمل بمعزل تام عن الدولة التائهة؟”.
من جهته، يشير الصيدلاني عبد المجيد جبريل إلى “خروج سوق الدواء في ليبيا كلياً عن سيطرة الدولة”. ويقول لـ”العربي الجديد” إنّ “الأدوية والمعدّات الطبية تُدار من سوق جملة في أحد أحياء العاصمة طرابلس، لا تتوفّر فيه أبسط الاشتراطات لا الصحية ولا الإدارية، وليس للدولة أيّ سلطة محكمة عليه”، مضيفاً أنّه “من الطبيعي أن تكون أدوية الأمراض غير السارية الأكثر تداولاً فيه والأكثر عرضة للغشّ في تصنيعها وكذلك المضاربة بأسعارها”.
ويلفت القمودي إلى أنّ “الأمراض المزمنة معقّدة. صحيح أنّها غير معدية من جهة غير أنّها فتاكة من الجهة الأخرى وترفع نسب الوفيات” في المجتمع. ويثني على جهود المركز الوطني لمكافحة الأمراض، إذ إنّ “عمليات مكافحة الأمراض تبدأ من مكاتب الإدارة بالتزامن والتنسيق مع حجرات الكشف الطبي”.