العربي الجديد-
تشهد كواليس الأزمة الليبية تحركات دولية لإحداث اختراق في جدار الانسداد السياسي، الذي عمقته عودة الخلافات بين الأطراف الليبية حول قوانين الانتخابات، المؤجلة منذ نهاية عام 2021.
وتحدثت مصادر ليبية متطابقة عن نشاط دبلوماسي لعواصم غربية على علاقة بالملف الليبي، لدعم مقترح أممي يقضي بطرح كل الخلافات السياسية بشأن القوانين الانتخابية على طاولة حوار جديدة، تجمع القادة الأساسيين في المشهد.
ووفقاً لمعلومات المصادر، التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن مسؤولين في عواصم غربية، بينها واشنطن ولندن، بدأوا نشاطاً دبلوماسياً لتمرير مقترح لإجراء حوار بين القادة الليبيين، يبدأ بلقاءات بين ممثلين عنهم، وصولاً إلى اجتماع القادة أنفسهم برعاية البعثة الأممية، بهدف تفكيك نقاط الخلافات في القوانين الانتخابية والوصول إلى شكل من التوافق حول إطار قانوني شامل يتضمن خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
دعم خطة باتيلي لتوسيع المشاورات
وأشار أحد المصادر، وهو دبلوماسي سابق ومستشار حالي في رئاسة مجلس النواب، إلى أن هذه المساعي تحدث حالياً لدعم خطة المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، الرامية إلى توسيع المشاورات، لتشمل ممثلين عن كل الأطراف في المشهد، بالإضافة إلى مجلسي النواب والدولة.
ورجح أن يعلن باتيلي قريباً عن موقفه من القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب أخيراً، وأعادت الخلافات حول الانتخابات إلى المربع الأول.
وأشار المصدر إلى وجود شعور سائد داخل أوساط النواب بأن عودة الانسداد بين مجلسي النواب والدولة سيشكل أرضية مناسبة ليعود باتيلي للدعوة لما سبق وأن أعلن عنه، بشأن ضرورة توسيع دائرة المشاركة السياسية للوصول إلى توافق حول الإطار القانوني للانتخابات من خلال تجاوز الخلاف حول النقاط الجدلية في القوانين الانتخابية.
وأوضح أن “الصيغة التي سيقدمها باتيلي لخطته غير واضحة حتى الآن، والأرجح بالنسبة للمعطيات المتوفرة أنه سيعمل على إعلانها بالتنسيق مع المجلس الرئاسي، كسلطة تجمع صلاحيات سياسية وعسكرية”.
الحوار ليس نسخة عن الملتقى السياسي السابق
وعن الأطراف المستهدفة، نفى المستشار في رئاسة مجلس النواب أن يكون الحوار نسخة عن ملتقى الحوار السياسي السابق، والذي ضم 75 شخصية ليبية، موضحاً أن المستهدفين بالحوار هم رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والدولة محمد تكالة، وحفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة لشراكة البعثة مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وتنسيقها معه للإشراف على عملية الحوار.
وأكد أن “موافقة عقيلة صالح على أي مقترح يهدف لعملية سياسية جديدة، حتى وإن كان على أسس قوانين الانتخابات، لا تزال بعيدة، وهو كان أبلغ باتيلي في السابق بعدم قناعته بأي حوار جديد”.
وسبق وأن أعلن باتيلي مرات عديدة عن رغبته بإطلاق مسار تفاوضي شامل لتجاوز العقبات التي تعترض إجراء الانتخابات، بالانطلاق من القوانين الانتخابية وجعلها قابلة للتنفيذ، إلا أن الدعوة لم تلق ترحيباً من جانب صالح، الذي أكد أخيراً إصراره على المضي قدماً في دعم إجراء الانتخابات وفقاً للنسخة المعدلة من القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب، الأربعاء الماضي.
وفيما أبدى تكالة تمسكه بنسخة القوانين الانتخابية التي وقع عليها أعضاء لجنة “6+ 6” المشتركة في 3 يونيو الماضي في بوزنيقة المغربية، إلا أنه أشار، وبشكل ضمني، لدعمه توجه البعثة الأممية إطلاق مشاورات سياسية أوسع حول القوانين الانتخابية.
ودعا تكالة، خلال خطاب وجهه إلى صالح، أخيراً، “جميع الأطراف المنخرطة في العملية السياسية والمعنية بتسوية الأزمة باستئناف السير في هذه العملية، من خلال بحث ومعالجة القضايا الخلافية، واقتراح سبل تبني واعتماد إطار قانوني يكون قابلاً للتنفيذ، يقود إلى إجراء انتخابات وطنية شاملة يقبل الجميع بنتائجها”.
لقاء باتيلي ورئيس مفوضية الانتخابات
وفي آخر تحركاته بشأن الانتخابات، أعلن باتيلي، في تدوينة على منصة “أكس”، أنه التقى رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، أمس الثلاثاء، وأجرى معه قراءة شاملة للقوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب أخيراً، ومدى قابليتها للتطبيق.
وفيما أثنى باتيلي على جهود مفوضية الانتخابات واستعدادها الفني لوضع هذه القوانين موضع التنفيذ، بما يلبي تطلعات الليبيين لإجراء انتخابات تعيد للمؤسسات الليبية شرعيتها، فقد جدد تأكيده على دعم الأمم المتحدة للمفوضية من “أجل توفير ظروف النجاح الكامل لمهمتها الصعبة، المتمثلة في تنظيم الانتخابات، كخطوة أساسية نحو السلام والاستقرار والتقدم في ليبيا”.
وجاء لقاء باتيلي والسائح، أمس، بعد إعلان مفوضية الانتخابات عن تسلّمها قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي اعتمدها مجلس النواب، الأربعاء الماضي، ودعوتها الأطراف السياسية إلى “التوافق على استكمال متطلبات إنجاز العملية الانتخابية، وتمهيد الطريق أمام المفوضية لتحمل مسؤولياتها”.
خلاف جديد بين مجلسي النواب والدولة
وجاءت دعوة المفوضية للتوافق، بعد خلاف جديد بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. فبينما أصدر الأول قوانين لجنة “6+6” بشكل رسمي، وأحالها إلى مفوضية الانتخابات، أعلن الثاني تمسكه بالقوانين التي وقعت عليها لجنة “6+6” في 3 يونيو الماضي في بوزنيقة المغربية، رافضاً إجراء أي تعديلات أخرى عليها.
ووجه تكالة، أخيراً، خطاباً إلى رئيس المفوضية طالبه فيه بـ”ضرورة التقيد بالتعديل الدستوري الثالث عشر، والامتناع عن تنفيذ أي تشريعات مخالفة لنسخة القوانين الانتخابية الأولى الموقعة في بوزنيقة”، في إشارة لرفض النسخة المعدلة التي أصدرها مجلس النواب الأربعاء الماضي.
وعقب موقف تكالة، خرج صالح، في عدة لقاءات مع ممثلي مكونات اجتماعية وقبائل، مؤكداً أن مجلس النواب أصدر القوانين كما صاغتها وأقرتها لجنة “6+ 6” ووفقاً لما نص عليه الإعلان الدستوري، في إشارة ضمنية لنفي علاقته بإدخال اللجنة تعديلات على نص القوانين.
وتبدو التعديلات المضافة على نصوص القوانين الانتخابية هي نفسها النقاط الخلافية حول ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية التي اعترضت توافق المجلسين طيلة السنوات الماضية على الإطار القانوني للانتخابات. ففي كلمته الافتتاحية لجلسة مجلس النواب الاثنين الماضي، التي جرى خلالها التصويت بالموافقة على إصدار القوانين، أكد صالح بأن القوانين “لا تقصي أحداً ممن تتوافر فيه الشروط المعروفة للترشح، ولكل مواطن الحق في الترشح مدنياً أو عسكرياً دون إقصاء لأحد، ومن لم يفز في الانتخابات يعود لوظيفته السابقة”.