
الناس-
نفى الصديق الكبير المحافظ السابق لمصرف ليبيا المركزي تمسكه بمنصبه في المصرف قائلا إنه لو كان هذا هو هدفه “لاستجبت لمطالب الدبيبة لكني رفضت”.
وقال في معرض رده على ماوصفه بالادعاءات في كتاب المبعوثة الأممية السابقة “ستيفاني ويليامز” بأنه تعاون “مع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي بهدف الحفاظ على استقلالية المصرف وحياديته واحترافيته، وحماية ليبيا من العقوبات المصرفية، ومعارضة قرارات المجلس الرئاسي غير القانونية، ومكافحة فساد الشركات المتغلغلة في مؤسسات الدولة”.
وكانت رئيس بعثة الأمم المتحدة بالإنابة “ستيفاني ويليامز” نشرت مؤخرا كتابا عن تجربتها في ليبيا، جاء تحت عنوان “ليبيا بعد القذافي: الفوضى والبحث عن السلام” تطرقت فيه للتجاذبات حول مصرف ليبيا المركزي، ويبدو أنها كالت اتهامات للمحافظ السابق، والذي جاء رده في بيان مؤرخ في 23 يونيو 2025، وضح فيه من وجهة نظره أهم المسائل التي عرضت لها المبعوثة الأممية السابقة بدءا من العام 2014.
أولا، أزمة كيف انقسم المصرف المركزي إلى مصرفين؟
يقول الكبير إن انقسام المصرف ابتدأ مع انتقال البرلمان إلى طبرق عام 2014م، وانتقال حكومة الثني إلى البيضاء: “اتصل عقيلة صالح (رئيس البرلمان) وطلب مني تحويل مبالغ مالية لتغطية مصروفات البرلمان، فعرضت عليه أن يتم إعداد ميزانية من قبل حكومة الثني يعتمدها البرلمان، ثم يأتي دور المصرف لتنفيذها”.
لم يرد عقيلة على الطلب، لكن نائبه امحمد شعيب اتصل بالكبير بعده وكرر نفس الطلب، وسمع نفس الإجابة.
في الرابع من سبتمبر -حسب رواية الكبير- قام الحبري بتنفيذ عملية “قرصنة” على حساب المؤتمر الوطني العام ورئاسة الأركان العامة للجيش، وحوّل أرصدتهما البالغة (80) مليون دينار إلى حساب معلق، وحوّل منها مبلغ (15) مليون دينار لحساب البرلمان، ولم يكشف الأمر إلا بعد أيام، حين تفاجأت إدارة العمليات بالمصرف المركزي برجوع صكوك المؤتمر والأركان، لعدم وجود أرصدة!.. فما كان من إدارة المركزي إلا أن أحالت الموضوع إلى لجنة استشارية قانونية، أوصت هذه اللجنة بفصل فرع بنغازي عن منظومة المصرف المركزي تجنبا لتكرار مثل هذا التصرف.
المصارف التجارية ليست منقسمة
ونفى الكبير إعطاء الاعتمادات لمصارف دون أخرى يقول: “بعكس ما ذكرت ستيفاني فلا يوجد مصارف في غرب ليبيا وأخرى في شرقها، ويستطيع رجال الأعمال فتح الاعتمادات من أي فرع بغض النظر عن مقر إدارته العامة وفق شروط وضوابط تنظيمية. لكن الأمر ازداد سوءا عندما قرر الحبري إنشاء غرفة مقاصة يدوية في المصرف المركزي الموازي بالبيضاء”.
ميزانية استرشادية. وطباعة العملة في روسيا
وعن علاقة المحافظ بالحكومات يؤكد الكبير بأنه لم يتدخل في صلاحيات الحكومة من خلال حجب مدفوعات الميزانية والتشكيك في خطة الإنفاق، موضحا أن الصرف استمر وفق مبدأ (1/ 12) منذ العام 2014.
لكنه وفق بيانه دعا في العام 2013 البنك وصندوق النقد الدوليين للمساعدة في إعداد ميزانية استرشادية، بعد قفل الحقول والموانئ النفطية بحضور تكنوقراط من الشرق والغرب.
ونفى صحة الادعاء بأن طباعة العملة في روسيا كانت لتغطية مرتبات ومصروفات المنطقة الشرقية، لأن المركزي قام بدفع المرتبات والمصروفات الأخرى كما كان قبل الانقسام، بالتنسيق مع البنك وصندوق النقد الدوليين والسفارة الأمريكية والمبعوث الأمريكي.
تمويل حكومة السراج. بعد اتفاق الصخيرات
بعد اتفاق الصخيرات عرض الكبير على السراج في يناير 2016 مقترح الميزانية الاسترشادية لدراستها وإبداء الرأي بشأنها، وكان ذلك بعد زيارته في تونس، ولم يرد السراج، فزاره مرة أخرى في أبريل 2016، ولم يرد أيضا.
استشعر المصرف الخطر فخاطب مجددا رئاسي حكومة الوفاق في سبتمبر 2016، فقد كان من المتوقع أن يصل العجز التراكمي للميزانية إلى 50 مليار دينار مع نهاية العام، وكان على الحكومة أن تتصرف بإطلاق حزمة من الإصلاحات الجوهرية، يأتي على رأسها التعجيل بإنهاء أزمة الحقول والموانئ النفطية. وإعادة النظر في سعر الصرف، وتنفيذ كافة الإصلاحات الهيكلية وإجراءات ترشيد الإنفاق.
ومن الإصلاحات التي طالب بها أيضا إلغاء دعم المحروقات، ووقف نزيف الإنفاق خارج الميزانية في المنطقة الشرقية، وبسط الأمن ووحدة البلاد وإنهاء الحروب.
لكن الحال استمر دون اعتماد ترتيبات مالية حتى أكتوبر 2016، حيث اعتمدت ترتيبات مالية لبقية العام، وترتيبات مالية للعام 2017 في ظل رفض البرلمان اعتماد الميزانية.
تمويل حكومة الدبيبة
ويأتي الكبير إلى تعامله مع حكومة الدبيبة، فيقول إنه “لم يفتح خزائن المصرف أمام الدبيبة” مفيدا بأنه اعتمد الصرف على أساس (1/12) في ظل غياب ميزانية معتمدة، آخذا في الاعتبار تغير سعر الصرف الرسمي مطلع 2021، ودمج مصروفات المنطقة الشرقية والغربية في نهاية 2020م. لإيقاف الصرف الموازي.
وأوضح أنه “خلال السنوات 2021- 2023 لا يوجد أي عجز في الميزانية العامة ولا في ميزان المدفوعات”.
توحيد المصرف المركزي
نقطة التحول باتجاه توحيد المصرف المركزي مجددا عند الكبير كانت بتغيير نائب المحافظ وتكليف “مرعي البرعصي” حيث عملا في صمت لمدة ثمانية أشهر وتوصلا لتوحيد المصرف في 20 أغسطس 2023م.
وكان الواقع على الأرض ان ليبيا صارت بحكومتين مجددا، فطالب المركزي بإعداد ميزانية موحدة للعام 2024 واعتمادها من البرلمان، وتم فعلا الاتفاق على مقترح الميزانية..
يقول الكبير إن من تراجع بالآخر ورفض توحيد الميزانية هو الدبيبة، الذي أصر على استمرار الصرف على أساس (1/12). الأمر الذي رفضه المصرف، “إذ لا يمكن ترشيد الإنفاق ولا المحافظة على استقرار سعر الصرف ولا المحافظة على الاستدامة المالية للدولة”- يقول الكبير.
المراجعة الدولية لأعمال المصرف المركزي في الغرب والشرق
وعن اعمال المراجعة على أعمال المصرف منذ انقسامه، يقول البيان إن المركزي طرابلس كان أول من طالب بالمراجعة على أعمال المصرف يوم (03 أبريل 2016) في كتاب موجه لرئيس حكومة الوفاق الوطني. بعد لقاء بين الكبير والحبري امتثالا لقرار مجلس الأمن بإلغاء ازدواجية المؤسسات.
وسرد الكبير التسلسل الزمني لتطوير هذه المسألة وفق التالي:
يوم 09 مايو 2016 خاطبت اللجنة المالية بمجلس النواب اقترحت فيه تكليف مكتب محاسبة دولي لمراجعة أعمال المصرف المركزي والمصرف الموازي بالبيضاء خلال الفترة من يوليو 2014 حتى تاريخه، وطالبت بعدم المساس باحتياطي الذهب الموجود بالبيضاء، وبإيقاف طباعة العملة في روسيا.
في 12 مايو 2016 اتفقنا في تونس على إجراء المراجعة الشاملة.
10 يوليو 2018 أحال السراج كتابا لمجلس الامن مطالبا بتكليف شركة دولية للمراجعة.
31 يوليو 2018 أبدى ديوان المحاسبة ملاحظاته ومحاذيره بشأن إجراءات المراجعة الدولية في كتاب وجهه لرئيس بعثة الامم المتحدة.
13 سبتمبر، صدر قرار مجلس الأمن رقم (2434) بتشجيع إجراء المراجعة الدولية بناء على طلب السراج.
18 نوفمبر 2018 أكد رئيس ديوان المحاسبة على ملاحظاته السابقة.
15 يوليو 2020 وافق ديوان المحاسبة على تنفيذ إذن الصرف الوارد من وزارة المالية
15 يوليو 2020م/ تسلم المصرف كتاب رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام بتنفيذ إذن الصرف دونما شرط وموافاة النيابة العامة بإشعار التنفيذ
15 يوليو نفذ المصرف إذن الصرف وأشعر ستيفاني ويليامز بذلك.
فرض الرسوم على استخدام النقد الأجنبي
في العام 2018 فرضت حكومة الوفاق رسوما على مبيعات النقد الأجنبي، وبها قفز سعر الدولار من 1.30 من المصرف إلى حوالي 4.5 دينار ليبي. دون تعديل رسمي في سعر الصرف، وعن هذه المسألة أوضح الكبير بأن المصرف هو من اقترح هذه الخطوة لتقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، وقد قدم المقترح للسراج منذ دخوله إلى طرابلس في 2016م، لكنه رفض بداعي أن ستيفاني رفضت فكرة المقترح.
واستمر الرفض للمقترح حتى وقع عليه السراج يوم 12 سبتمبر 2018م، بعد تأكده من موافقة ستيفاني- حسب الكبير.
يعتقد الصديق الكبير المحافظ السابق أن “ويليامز” كانت متحاملة عليه شخصيا في كتابها، وقد ذكر ذلك في الصفحة الخامسة من البيان الذي جاء في 11 صفحة.. الذي قد ينتظر الرد من الحبري أو السراج أو غيرهم من ذوي العلاقة بما ورد.
كيف انتهت ولاية الكبير محافظا؟
يشار إلى أن الصديق عمر الكبير عين محافظا للمصرف المركزي ابتداء من 2011م، وظل في المنصب لأطول فترة لمحافظ منذ تأسيس المصرف في 1956م.
وقد أقيل من منصبه في أغسطس 2024 بقرار من المجلس الرئاسي، دخل إثرها المصرف في نفق من الصراعات انتهت بتعيين المحافظ الحالي “ناجي عيسى” الذي باشر أعماله مطلع أكتوبر 2024م.
وشهد العام 2024 اهتزازات وأزمات حادة، إذ تعرض موقعه الرسمي ومنصة حجز العملة الأجنبية به لهجوم سيبراني في مطلع أبريل، قبل أن يكتشف وجود نسختين مزورتين من العملة الليبية فئة خمسين دينارا. كما أعلن المحافظ على عجز بقيمة خمسة مليار دينار بالمصرف!
وفي أغسطس وبعد بدء مواجهة الإطاحة بالكبير اتهمه مكتب استرداد الأموال الليبية في الخارج باستخدام أموال ليبيا المستردة لتمويل شركات شبه عسكرية تنشط في شمال أفريقيا.
عقب إقالته كلف الرئاسي “محمد الشكري” مكانه، فاعتذر، ثم كلف “عبدالفتاح عبدالغفار” الذي قاد المصرف في شهر سبتمبر. قبل أن يصوت البرلمان بإجماع الحاضرين على تكليف “ناجي عيسى” المحافظ الحالي.