العربي الجديد-
يُواجه مرضى الإيدز (فيروس نقص المناعة البشرية) في ليبيا تحديات كبيرة تؤثر على استمرار علاجهم، في ظل التباطؤ الحكومي في التجاوب مع مطالبهم، في وقت ترتفع أعداد الوفيات بين المصابين. والأسبوع الماضي، أعلن عضو اللجنة العليا لرعاية الأطفال المحقونين بفيروس نقص المناعة إدريس الآغا، عن وفاة أحد المصابين، في وقت يواجه مصاب آخر بالمرض نفسه خطر الموت بعد دخوله في غيبوبة في إحدى المصحات بتونس.
وأعلن الآغا عن وفاة 130 مصاباً بالإيدز بسبب عدم معالجة ملف المصابين بشكل جذري، معتبراً أن الحل هو نقل جميع الأطفال المصابين إلى الخارج. وفي حال عجزت الدولة عن ذلك، يتوجب عليها توفير العلاج في الوقت المناسب وإنشاء مستشفى خاص بهم، على حد قوله.
عام 1999، طفت على سطح المشهد الليبي قضية الإيدز التي تورطت فيها خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني كانوا يعملون في مستشفى الفاتح للأطفال في بنغازي، واتّهموا بحقن أكثر من 400 طفل بدم ملوث بفيروس الإيدز، واستمر التحقيق بالقضية حتى عام 2007، وقد سويت بإطلاق سراح المتهمين ودفع تعويضات لأسر الأطفال الضحايا. لكن أعداد المصابين بالإيدز إلى ارتفاع، وكشف المركز الوطني لمكافحة الأمراض الحكومي أن عدد المصابين بالإيدز في ليبيا بلغ 8000 حتى نهاية 2021.
وأوضح المركز في إحصاء له مطلع إبريل الماضي أن عدد المصابين من الذكور فوق سن 15 عاماً بلغ 5000 مصاب، فيما بلغ عدد الأطفال المصابين دون سن الـ 14 عاماً 100 مصاب. كما بلغ عدد المصابين من النساء فوق سن 15 عاماً 2900 مصابة.
وتشكلت اللجنة العليا لرعاية الأطفال المحقونين بفيروس الإيدز عقب تسوية القضية ودفع تعويضات لأسر الضحايا لتتولى الإشراف على توفير الأدوية اللازمة لتعايش المصابين مع مرضهم، وخصصت عيادة للأطفال الضحايا لتلقي العلاج. لكن الآغا كشف عن توقف المخصصات المالية الخاصة باستيراد الأدوية اللازمة من قبل الحكومة في طرابلس منذ أغسطس من العام الماضي، ما تسبب في فقدان الأدوية نهائياً. وأشار إلى ثلاث وفيات بعد توقف المخصصات المالية، وقد وصف العيادة المخصصة للمصابين بالإيدز في بنغازي بـ “المتهالكة”.
لكن عضو فرق الرصد والاستجابة الحكومية رمزي أبو ستة، يلفت إلى أن الأعداد المعلن عنها في إحصاء منظمة الصحة العالمية عام 2021 لا تشمل فقط الأطفال المحقونين عام 1999. ويقول لـ “العربي الجديد” إن “وسائل انتقال فيروس الإيدز محددة، وأكثر الفئات عرضة للعدوى من الأطفال هي الأمهات. ولم يسجل بين أمهات الأطفال المحقونين إلا 14 إصابة فقط”، مشيراً إلى أن ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس جاء عن طريق وسائل أخرى. يضيف: “الوسائل الأخرى تشمل الاتصال الجنسي أو نقل الدم أو غير ذلك. وفي ظروف الانهيار الذي تعيشه البلاد منذ قرابة العقد، فإن العدوى بهذه الوسائل ممكنة جداً، وخصوصاً مع توافد العمالة إلى البلاد من دون الاكتراث لطلب شهادات صحية”.
ويستند أبو ستة إلى إعلان سابق للمركز الوطني لمكافحة الأمراض تضمن بيانات عن توزيع أدوية الإيدز عام 2014 على الأقسام السارية في سبعة مرافق صحية، استهدفت 3700 متعايش مع مرض الإيدز. ويقول إن “ارتفاع عدد المصابين من هذا الرقم إلى 8000 مصاب نهاية عام 2021 يؤكد تفشي وسائل انتقال المرض، وربما يتطلب الأمر مراقبة دقيقة لمراكز التبرع بالدم المنتشرة في غالبية المدن الليبية”.
ويؤكد أبو ستة أهمية دقة الإحصائيات التي تمكن الجهات والمراكز الصحية من متابعة المرضى، مشيراً إلى وجود كفاءات وعناصر طبية ليبية مؤهلة لمتابعة المتعايش مع المرض. لكنه يوضح أن “ما تحتاجه المراكز الصحية في الأقسام السارية هو الأدوية والتجهيزات، وليس من المعقول أن تستقبل عيادة بنغازي الخاصة بالأطفال المحقونين مرضاها على أسرّة متهالكة، ولا تكاد توجد فيها أية تجهيزات”.
ويعمل المركز الوطني لمكافحة الأمراض على مساعدة المتعايشين مع الإيدز، منها التدريب المستمر للفرق الطبية للتعامل مع المرضى. وكان آخر هذه الجهود عقد اجتماع موسع ضم مسؤولي المركز مع موظفين في برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز الشهر الماضي، لتطوير الاستراتيجية الوطنية لمرض الإيدز وتوسع نطاقها الزمني حتى عام 2028.
إلى ذلك، يؤكد والد أحد الأطفال المصابين، عبد الكريم كويري، ضرورة التجاوب مع مطالب توفير الأدوية، ويقول لـ “العربي الجديد” إن “متابعة أولادنا لعلاجهم في الخارج يمكن أن يتضمن توفير فرص للدراسة ليتمكنوا من الاندماج. فمثل هذه البرامج موجودة في الخارج”. يتابع: “في كل الظروف، أولادنا باتوا متعايشين مع المرض وينقصهم الدواء، لكن ماذا عن بقية الأطفال والشباب؟ لا بد من توعيتهم وحمايتهم من مصادر انتقال الفيروس من خلال المدارس ووسائل الإعلام والمساجد، بالإضافة إلى ضرورة مراقبة الأهل لهم”.