العربي الجديد-
يتتبع تحقيق “العربي الجديد” مرتزقة حفتر التشاديين بدءا من أنجامينا وانتهاءً بثلاجات الموتى في مشافي العاصمة الليبية، ولم تنته الظاهرة عند هذا الحد، إذ لا تزال حركات مسلحة ترفد مليشيات اللواء المتقاعد بالمقاتلين.
– يعترف المستشار السابق في جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد FACT، حسن آدم سليمان، بتعاون رئيس الجبهة الدكتور مهدي علي محمد، مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر في تجنيد مرتزقة تشاديين للقتال في صفوف مليشياته، قائلا: “عرض علي رئيس الجبهة في 28 من مايو 2018 فكرة التحالف مع حفتر، لكن رفضت، لضرورة أن نكون على مسافة واحدة من الشأن الليبي والتركيز على القضية الأساسية التي جئنا من أجلها إلى ليبيا، وهي مواجهة نظام إدريس ديبي، وفي اليوم التالي دعاني مهدي على انفراد وطلب مني التراجع عن موقفي، أبلغته مجددا برفضي، ولدى مغادرتي لزيارة صديق في منطقة الجفرة، تم اعتقالي من قبل مليشيات حفتر لأكثر من عام”.
ما تقوم به جبهة الوفاق، تورطت فيه حركات تشادية أخرى، ومنها المجلس الديمقراطي الثوري CDR الذي شارك في حرب حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية بـ 1700 مرتزق، تم جلبهم من مناطق التعدين شمال تشاد، فضلا عن اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية (UFDD)، وحزب العمل التشادي والذي لقي رئيسه المؤسس قربان جدي نكور حتفه برفقة عدد من المرتزقة التشاديين، على أيدي قوات حكومة الوفاق الوطني، خلال مواجهات بمحور الوشكة، في إبريل الماضي، وفق ما يؤكده لـ”العربي الجديد” أحمد علي القيادي السابق في مجلس القيادة العسكرية لجبهة إنقاذ الجمهورية ccmsr (إحدى فصائل المعارضة التشادية جنوب ليبيا).
وهو ما يؤيده القيادي السابق في ذات المجلس كنغابي أوغوزيمي تابول والذي يقيم في سويسرا، مؤكدا لـ”العربي الجديد” أن ما بين 5 و7 آلاف مرتزق تشادي يقاتلون مع حفتر، مقابل الحصول على أجور تصل إلى 5 آلاف دينار ليبي لمقاتلين، “بعضهم حارب مع قوات حفتر منذ عام 2018″، بحسب ما يقوله عيسى عبد المجيد رئيس الكونغرس التباوي (كيان يمثل قبائل التبو) في ليبيا، مضيفا لـ”العربي الجديد”: “في مدينة مرزق التي يعد التبو مكونا أصيلا فيها، ساندوه ضد أهلها رغم أن منهم مقاتلين من التبو”.
وخلال مشاركة جبهة الوفاق في الهجوم على مدينة طرابلس قُتل 300 من مرتزقتها، بينهم حسني بوقرمي القائد العام للجبهة ونائبه محمد زين سيري، فضلا عن مقتل قيادات أخرى منضوية في حركات تشادية مسلحة مثل عقيد الشرطة السابق إسماعيل بولوكي النائب الثاني لرئيس الحركة الثورية التشادية UFDD ونوري حسن، ومحمد بريمي من قيادات جبهة الوفاق، وحسن تني، وإبراهيم مردقي، وفق تأكيد عبد الرحمن محمد زين المتحدث الإعلامي السابق في مجلس القيادة العسكرية وحسن آدم سليمان.
كيف يصل المرتزقة التشاديون إلى ليبيا؟
يوثق فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا في تقريره الصادر في 8 ديسمبر 2019 والذي حصلت “العربي الجديد” على نسخة منه، دعم جماعتين تشاديتين معارضتين لقوات خليفة حفتر، هما جبهة الوفاق بقيادة مهدي علي محمد والتي دعمت قوات حفتر بـ 700 مقاتل موجودين في معسكر الجفرة وتكلفها قوات حفتر بالدفاع عن المنطقة، والثانية اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية والتي يتوزع مقاتلوها إلى فصائل يتمركزون في منطقة واو الكبير (جنوب وسط ليبيا) بعضها دعم حفتر وآخرين دعموا حكومة الوفاق.
ويقر القيادي السابق في اتحاد القوى التشادية من أجل الديمقراطية والتنمية، الدكتور شريف جاكو المقيم في فرنسا، بوجود مرتزقة تشاديين من أبناء قبائل التبو القرعان وأولاد العرب من المحاميد والحساونة يقاتلون إلى جانب حفتر، وتابع قائلا لـ”العربي الجديد”، إنهم يبحثون عن لقمة العيش، ولا ينضم الجميع عبر حركات معارضة، بل توجد تحركات ارتزاقية فردية تتم عبر المعارف.
ويقوم مسعود جدي وحسن معتوق الزادمة قائدا كتيبتي 116، و128 التابعتين لحفتر بتجنيد مقاتلين تشاديين وسودانيين بصورة مستمرة في جنوب ليبيا، وفق ما يؤكده تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة. ويصل المرتزقة التشاديون إلى الجنوب الليبي عبر مسارات مختلفة، الأول من العاصمة التشادية انجامينا مرورا بمدينة موسورو (على بعد 300 كيلومتر من العاصمة) وصولاً إلى مدينة زوار، ومنها عبر سلسلة جبال تيبستي (الواقع شمال تشاد وأقصى جنوب ليبيا)، وصولاً إلى مدينة زواركي على الحدود التشادية الليبية ومن مناطق تنقيب الذهب شمال تشاد وصولاً إلى مدينة القطرون جنوب ليبيا. علما أن الرحلة تستغرق خمسة أيام بتكلفة إجمالية ما بين 250 و350 دولارا، وفق ما وثقه معد التحقيق من خلال مصادر التحقيق ومنهم عبد الرحمن زين، ومهرب السيارات أبكر محمد الذي يعمل عبر تلك المسارات.
ويبدأ المسار الثاني من مرزق مرورا بأم الأرانب (تقع إلى الشمال الشرقي من مرزق بنحو 93 كيلومترا وإلى الجنوب من سبها بنحو 173 كيلومترا) وينتهي في منطقة جالو (تبعد 400 كيلومتر جنوب مدينة بنغاري)، وفق تأكيد أبكر لـ”العربي الجديد”. وعند إغلاق الحدود التشادية مع الجنوب الليبي، يتسلل المرتزقة التشاديون عبر المناطق الحدودية الشرقية مع السودان، والغربية مع النيجر وصولا إلى أم الأرانب، ومنها يتفرع طريقان، الأول إلى مرزق والثاني إلى سبها، حسب ما يقول زين، مضيفا أن نقل المرتزقة التشاديين يتم بسيارات مهربين من طراز تويوتا تندرا وهايلوكس 200.
سماسرة حفتر
يبرم حفتر تحالفات مع الحركات التشادية المسلحة، كما حدث مع جبهة الوفاق، التي اتفق معها على إمداده بـ 4 آلاف مقاتل في حال توفرهم، على أن يتكفل بنفقاتهم ورواتبهم، وفق ما يؤكده زين، وهو ما تأكد منه تحقيق “العربي الجديد” عبر وثيقة موجهة من غرفة عمليات الجفرة التابعة لحفتر، إلى جبهة الوفاق التشادية في 26 مايو 2017، جاء فيها “إن قوتكم المتمركزة في منطقة الجفرة معسكر الوشكة، هي قوة مساندة للقوات المسلحة العربية الليبية وتؤول تبعيتها لغرفة عمليات الجفرة”.
لكن محمد آدم عضو لجنة التجنيد في جبهة الوفاق نفى في البداية مشاركة قواتهم في القتال بجانب حفتر. وبعد مواجهة معد التحقيق له بتلك الوثيقة، قال: “هذه الكتيبة في الغرب ونحن في بنغازي، لكنه استدرك: “ربما صحيح”، لكن تقرير فريق الخبراء يؤكد الأمر ويحدد عدد المقاتلين في المنطقة بـ 700 رجل تابعين للجبهة مهمتهم الدفاع عن المنطقة ضد الهجمات المحتملة، أي هجمات الإرهابيين وفق نص التقرير.
ويستعين رئيس جبهة الوفاق في جلب المرتزقة التشاديين بوجهاء من التبو والقبائل العربية، ومنهم علي سيدي التباوي وعلي وجيج، ومحمد شيري، وضابط يدعى الكابتن إسماعيل موسى نائب رئيس جبهة إنقاذ الجمهورية FSR، وعمر توقيمي، وبركة شريمي، وأفندي علي، وصالح سليمان، ويوسف متاري وبركه صالح عبدالرحمن قهني، ويونس شهد الله، تحت وعود كاذبة تتمثل في توفير فرص عمل في مراقبة الحقول النفطية في منطقة جالو شرقي ليبيا، وبعد وصولهم يتم توزيعهم على كتائب مليشيات حفتر، وفق ما كشفه زين.
ويؤكد الدكتور إسحاق عيسى يوسف، مقرر لجنة الدفاع والأمن في البرلمان التشادي وقيادي سابق في حزب الحركة التشادية من أجل السلام والتنمية MPDT (استقال فبراير الماضي)، عدم وجود أي دور فاعل للحكومة التشادية في منع تجنيد حفتر لمقاتلين، واستدرك موضحا لـ”العربي الجديد”: “هناك عدة حركات تشادية مسلحة تقاتل مع حفتر من أجل مصالح متبادلة، لكنها بعيدة عن متناول الحكومة التشادية”.
ويدخل الارتزاق ضمن الأعمال الإجرامية الواردة في الفقرة الأولى من المادة 115 من قانون العقوبات التشادي رقم 001 لسنة 2017 وفق ما يقول يوسف توم، مدعي الجمهورية في تشاد لـ”العربي الجديد”. ونصت تلك الفقرة على أن “المرتزق يعتبر أي شخص ينطبق عليه الآتي: (أ) الذي تم تجنيده خصيصاً للاقتتال في أي نزاع مسلح في البلاد أو في الخارج. (ب) تشارك في الواقع بشكل مباشر في الأعمال العدائية (ج) يشارك في الأعمال العدائية بغرض الحصول على منفعة شخصية ومن أجل ذلك وعد بالفعل من قبل أو نيابة عن طرف في النزاع، بالمكافآت”.
ويفترض أن تقوم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان CNDH (حكومية تأسست في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018) بالتحقيق في تلك الأعمال التي تدخل في مهامها، لكن الدكتور العابد مصطفى البشير، رئيس دائرة حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية باللجنة، يقول نعم نستطيع فتح تحقيق بكل ما يمس بحقوق الإنسان وترفع التوصيات إلى رئيس الجمهورية أو رئيس البرلمان التشادي، وبناء على تلك التوصيات بإمكان الحكومة أن تتحرك في اتخاذ ما يلزم وفق تأكيده لـ”العربي الجديد”، لكن حتى اليوم لم تفتح اللجنة سوى تحقيق واحد في وفاة 44 عنصرا من بوكوحرام في سجون تشاد في إبريل الماضي.
جثث القتلى في الثلاجات
“العملية تجاوزت حد السمسرة” كما يقول حسن آدم سليمان، مضيفا: “هناك حملة قامت بها مليشيات حفتر، إذ يتم القبض على كل من لديه إثبات هوية تشادية ويتم زجهم في المعسكرات تحت التهديد”.
ويقدر عبد المالك المدني المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية بركان الغضب، عدد المرتزقة التشاديين ممن قضوا في معركة طرابلس بـ 1000 قتيل، بينما وقع قرابة 100 في الأسر، وفق ما يؤكده في تصريحات خاصة لمراسل “العربي الجديد” في طرابلس.
وجرى الاحتفاظ بجثث القتلى في ثلاجات بمشافي طرابلس، وفق تأكيد رئيس تحرير المركز الإعلامي لبركان الغضب رضا عيسى لـ”العربي الجديد”. وهو ما جعل العشريني التشادي أحمد عمر، يتساءل بعد علمه بمقتل عمه عيسى أثناء قتاله مع حفتر ضمن جبهة الوفاق من أجل التغيير: “هل سيتم دفنه هنا أم هناك؟” لكنه لم يعثر على إجابة حتى اليوم، وفق قوله.