* كتب/ عطية صالح الأوجلي
أنت تحصد ما تزرع…!!..
فالشعوب التي تهتم “بالتوعية” وبغرس القيم الإنسانية وتعلم صغارها مبكرا معاني الرفق والصدق والتعاون و”احترام العمل” ستحصد النجاح والتقدم والتميز.
والشعوب التي تعلم صغارها “الغش” والكذب والنفاق و”الاعتداء على حقوق الغير” والتعصب واحتقار العمل ستحصد الفساد و”الأزمات” والخصومات الدامية.. وستغوص حتى أخمص رأسها في العجز.
المسألة لا سحر بها..
ففي أبريل 2011 ضرب اليابان زلزال فتأثرت محطة فوكوشيما النووية وانهار أحد جدرانها. تسبب الزلزال في موت وتشرد الآلاف وخلف العديد من المآسي. غير أن الملفت للنظر في هذه المأساة هو تصرف الشعب الياباني بشكل يثير الإعجاب والاحترام… فقد تميز رد فعله بالآتي:
1- الهدوء وضبط النفس. لم يكن هناك صراخ بالشوارع أو نواح وإنما حزن يتسامى.
2- احترام الطوابير والنظام. فرغم الظروف الصعبة لم تشهد الطوابير أي عراك أو سباب أو حوادث عنف.
3- الرحمة. اشترى كل من الناس ما يحتاجه وكان هناك ما يتيح الفرصة للجميع لشراء شيء ما. فلم تشهد الأسواق هيجانا في التسوق أو نقصا حادا بالبضائع.
4- ضبط النفس. لم تشهد الأسواق ولا المصارف حالات نهب أو سرقة.
5- الإعلام أبدى درجة كبيرة من المسؤولية. فلا تعليقات تافهة أو تصفية حسابات أو استغلال الأزمة لنيل المكاسب السياسية.
6- التضحية. بقى حوالي خمسون عاملاً في المحطة النووية يضخون ماء البحر لتبريدها وخوفاً من انفجارها رغم المخاطر الواضحة.
7- قامت المطاعم بتخفيض أسعارها تضامناً منها مع المتضررين.
8- عندما انقطعت الكهرباء أعاد الناس في الأسواق ما كانوا يحملونه إلى الأرفف وخرجوا بهدوء.
9- تفيد تقارير للشرطة اليابانية عن تلك الفترة بأن الناس قد سلموها مبالغ كبيرة قد جمعوها من جثث موتى الأنقاض.
كل هذه التصرفات لم تأت من “فراغ”، فالمجتمع الياباني لم يكن بهذه السمات منذ حوالى قرن مضى، وإنما اكتسب الكثير منها نتيجة عقود من العمل المتواصل ومن “التربية والتعليم” والتدريب والتخطيط.. و”غرس القيم الجيدة”.. والاستفادة من “الأخطاء” ومن تجارب الغير والابتعاد عن “المهاترات” التي تضيع “الوقت والجهد والمال” وتنهك الشعوب دونما جدوى.
أخيراً.. الطريق الذي سلكته اليابان لازال “مفتوحاً” و “متاحاً” أمام الآخرين. فقط عليهم أن يعترفوا بأن أزمتهم الحقيقية هي أزمة “أخلاقية” و”معرفية” وأن يكفوا عن “الشكوى والتذمر” وتبادل التهم وإصدار الأحكام.. وإدمان العراك ويتجهوا نحو “العمل” ويحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا الغير.. فهل من فاعلين؟