
الناس-
بعد أسبوعين من التأجيل، انطلق صباح الأحد (05 أكتوبر 2025م) العام الدراسي بمدرسة شهداء مرباط للتعليم الأساسي بمصراتة، كنتيجة لشهر ونصف من العمل الأهلي، الذي قاده أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، في بادرة لم تكلف وزارة التعليم درهما أو دينارا.
خاتمة العمل الأهلي الجبار حكاية تروى، وإن لم تكن كما تمنى الجميع. بأن يدرس قرابة 700 تلميذ في قريتهم، ولا يضطروا للانتقال لوسط المدينة وقت الذروة ليشغلوا مبنى مدرسة ثانوية فترة ما بعد الظهر مؤقتا.
خمسة وأربعين يوما كانت كافية لتجهيز (15) فصلا دراسيا و(7) حجرات للإدارة والمنافع
النهاية السعيدة هي إنجاز العمل في موعد قياسي. وما ينقص تتويج الجهود هو تأثيث الفصول بالمقاعد ووسائل الإيضاح. فهل ستعجز وزارة التعليم عن توفير (350) مقعدا وخمسة عشر سبورة؟
الناس رصدت هذه القصة التي بدأت بمبادرة..
هدم وإعادة إنشاء
في أواخر العام الدراسي الماضي نقل تلاميذ وتلميذات المدرسة إلى مبنى “مدرسة مصراتة الثانوية للبنات”، التي تبعد قرابة ثلاثة كيلو مترات عن مقرها، والسبب هو إزالة المبنى القديم المتهالك للمدرسة لإعادة بنائها وفق خطة الوزارة.
هذا الأمر تسبب في إرباك كبير لأولياء الأمور، ففي آخر شهور السنة الدراسية كانوا مضطرين لإيصال أبنائهم وقت الذروة لأكثر الأماكن ازدحاما بالمدينة، خاصة وأن التوقيت يتقاطع مع وقت خروج طالبات المدرسة الثانوية، لذلك رأى أولياء الأمور التحرك بسرعة، خاصة وهم يعتقدون أن فترة (18) شهرا –هي المحددة لإنجاز المبنى الجديد- لن تكون كافية، ما يعني مزيدا من الإرباك لأعمالهم في ظل عدم وجود ركوبة عامة منظمة بالبلدية.
البحث عن البديل
تحرك الأهالي للبحث عن مكان بديل، فطُرح نقل الذكور لمدرسة القادسية ونقل البنات لمدرسة القرضابية، وكلتا المدرستين تقعان في نفس القرية، لكن المشكلة التي واجهتهم هو القدرة الاستيعابية للمدرستين، فنقل قرابة (700) طالب، سيربك حسابات أي مدرسة.
بعد تواصل واجتماعات استقر الرأي على التواصل مع إدارة مدرسة القرضابية لتتنازل لهم مؤقتا عن الفناء الخلفي للمدرسة، ليتم تجهيزه لاستقبال التلاميذ، وكان الأهالي ممتنون جدا للتجاوب السريع، وتقديم كل التسهيلات للمضي في المشروع.
شكرا للقرضابية
في العشرين من أغسطس انطلق العمل فعليا، بأشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة، واصلوا الليل بالنهار لتهيئة المكان، مستعينين بشركة النظافة، وبعض الجهات الأخرى للتوصيلات الكهربائية وتسوية الأرضية، وأنجزوا الكثير من الأعمال بالاستعانة بالمتطوعين، وأخرى بمقابل مادي، فيما مضى آخرون للبحث عن الدعم، إذ صار العام الدراسي على بعد شهر واحد..
كانت الأيام الأولى صعبة، لكن بعد مضي أسبوعين وثلاثة التف آخرون على المشروع، وشمروا عن ساعد العمل، فقدم أحد المتبرعين مثلا مبلغ عشرة آلاف دينار لمواد البناء، وتكفلت إحدى العائلات بتوفير وجبة الغذاء للمناوبين في موقع العمل. وفي أيام معدودة صارت الفصول الدراسية الجاهزة تصل، بمساعي أفراد فريق العمل المصغر.
المشروع يرى النور
22 فصلا دراسيا جاهزا بسعة تصل إلى (24- 30) طالبا، مفروشة الأرضية، ومجهزة بالتكييف.
تم رصف الساحات بالكامل، وحفر بالموقع بئر للمياه، ركبت فوقه منظمة تحلية، لتوفير مياه الشرب النقية، كما عزز بمنظومة لتصريف المياه بشكل لائق حتى لا تسبب مياه العادم في برك راكدة.
استغنت مدرسة القرضابية عن بعض مرافقها التي أمكنها الاستغناء عنها لصالح المدرسة الوليدة، وأضيفت مرافق أخرى على نفقة المتبرعين.
ستكون للإدارة مقرا مجهزا، كما ستكون للمعلمات حجرتهن الخاصة، وللخفارة حجرتها مع مرفقاتها.
سيكون للمدرسة أيضا ساحتين مرصوفتين ومسقوفتين لتتلاءما مع الظروف الجوية لو ساءت، ويوضح القائمون على المشروع أن تقسيم الساحات وتوزيع الفصول كان وفق رغبة إدارة المدرسة، ووفق خريطة أمدت بها فريق العمل.. برؤية هندسية تلائم البيئة التربوية المدرسية.
هنيئا لليبيا
وأخيرا فقد رفع القائمون على المشروع شكرهم وتقديرهم لكل من وقف وساند وتبرع، وقال كلمة طيبة، فلم يبق إلا أن تقوم إدارة المدرسة بإحضار أثاثها المدرسي وانطلاقة العام الدراسي الذي انقضى منه أسبوعان، ويأملون أن يأتي الوقت الذي يذكر فيه ويكرم فيه فاعلو الخير، وما عند الله خير وأبقى..
وإذ لم يذكروا أرقاما فإننا نكتفي برقم مقارب تقديري، فإن 22 فصلا مضروبا في (30) ألف دينار تقريبا، سيصل بالقيمة إلى أكثر من 600 ألف دينار، غير المصاريف الأخرى. ولازلنا نتحدث عن أن هذا لم يكلف وزارة التعليم دينارا.. فهنيئا لليبيا بأبنائها.
لمحة عن تأسيس المدرسة
يشار إلى أن مدرسة شهداء مرباط تأسست في العام الدراسي 1967- 1968، كمدرسة ابتدائية بستة فصول، وفي العام 1985 أنشئت مدرسة القرضابية القريبة منها ونقل إليها جميع طلابها، فيما آل المبنى إلى معهد صحي متوسط، ثم تناوبت عليه أكثر من جهة، واستضاف مرة “مستوصف الصحة المدرسية مرباط” أثناء صيانته، كما استغل كمعهد لتعليم التصميم وفصالة الملابس للبنات، وخرج دفعات عدة، وآل لخرابة مهجورة فترة من الزمن..
في العام 2007 ومع اكتظاظ مدرسة القرضابية، أعيد افتتاح المدرسة من جديد لاستقبال تلاميذ وتلميذات التعليم الأساسي، وبنفس الكيفية اليوم، فقد تطوع الكثير من جيران المدرسة في أعمال البناء والصيانة، وأضيف لها لاحقا فصول متنقلة، لتستوعب –إضافة- المرحلة الإعدادية لفئة الإناث.
في أبريل 2025، رسا العطاء على المدرسة -وقد تهالكت- لإعادة الإنشاء، فنقل طلابها وسويت بالأرض تماما، وقد شرعت الشركة المنفذة في أعمالها مؤخرا، وحدد موعد التسليم في سبتمبر 2026م. وإذا أنجز العمل في موعده فسيكون العام الدراسي القادم في مقرها الجديد..
آخر ما رصدته الصحيفة للمبنى الجديد أن المبنى بدأ في الارتفاع، بعد وضع الأساسات والشروع في بناء الحوائط الأولى..
سيظل لخدمة أهل المنطقة
سألنا -بدافع الفضول- القائمين على مشروع المدرسة المنجزة حديثا: ما هو تصوركم لهذا المكان حين يعود طلابها إلى مقر مدرستهم المعاد إنشاؤها؟ فأعربوا عن رغبتهم في أن يتحول إلى منفعة تخدم أهل المنطقة.. وأن لا يسمح بتخريبه أو تركه دون فائدة، أو استغلاله لأمور أخرى ومصالح بعيدة عن القرية والمنطقة..