العربي الجديد-
تشهد الساحة الليبية وشرق البحر المتوسط تطورات متسارعة في الآونة الأخيرة. ويعد أبرزها التقارب الملحوظ بين الحكومة الإيطالية وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وتجلى الأمر في زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى ليبيا، في أواخر شهر يناير الماضي، والتي شهدت توقيع اتفاق بين المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وشركة “إيني” الإيطالية.
وعقب ذلك، سلّم وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، الثلاثاء الماضي، زورق دورية في أدريا بمقاطعة روفيغو الإيطالية، وهو نموذج تستخدمه السلطات الإيطالية للقيام بدوريات على السواحل والتصدي للمتاجرين بالبشر، وهو جزء من تمويل الاتحاد الأوروبي لدول شمال أفريقيا.
وقال مفوض شؤون التوسع وسياسة الجوار بالاتحاد الأوروبي أوليفر فارهيلي، خلال الحفل الذي أقيم في حوض بناء السفن فيتوريا في أدريا، إن السفينة هي الأولى من أربع ستُسلّم إلى ليبيا، اثنتان منها جديدتان واثنتان سبق أن استُخدمتا.
ويشمل المشروع الذي يموله الاتحاد الأوروبي بنحو 57 مليون يورو، بالإضافة إلى زوارق الدورية، تمويل تكاليف الصيانة والتخزين ودعم تدريب خفر السواحل الليبي والمعدات وتنفيذ مركز تنسيق الإنقاذ البحري.
وفي مقابل ذلك، وكدليل على الحضور المصري في شرق البحر المتوسط، أعلنت الرئاسة المصرية، الجمعة الماضي، عن تلقّي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، تناول بحث سبل تعزيز العلاقات التي تجمع البلدين، والتشاور السياسي “المكثف” حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، خصوصاً بما يتعلق بتطورات الأوضاع في منطقة شرق المتوسط، بحسب بيان رئاسي مصري.
وقال دبلوماسي غربي في القاهرة إنه “يمكن فهم القلق المصري من التحركات الدولية في ليبيا وشرق البحر المتوسط في الآونة الأخيرة، تحديداً مع الدعم الدولي والأممي الذي تحصل عليه حكومة عبد الحميد الدبيبة العاملة في العاصمة طرابلس، باعتبارها الحكومة الشرعية الممثلة للدولة الليبية، ما يمكنها من التوسع في عقد الاتفاقيات الدولية السياسية والاقتصادية التي تعزز موقفها داخلياً وخارجياً”.
تنافس القاهرة وطرابلس
وأشار المصدر، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “التنافس بين القاهرة وطرابلس وصل إلى أقصى مداه في أزمة الحدود البحرية بين البلدين، عندما وقع الرئيس المصري مرسوماً بتحديد الحدود البحرية من جانب واحد، وهو ما اعتبره البعض تعدياً على المنطقة البحرية الليبية. وكان لافتاً أنّ حكومة الدبيبة في طرابلس وحلفاء مصر في شرق ليبيا اجتمعوا على رفضه”.
ولفت المصدر إلى أن “اليونان، من جهتها، احتفت بالقرار المصري بتحديد الحدود البحرية مع ليبيا، نظراً إلى أن لأثينا خلافات مع طرابلس وأنقرة في شرق المتوسط”.
وحول هذه التطورات، يقول دبلوماسي مصري سابق إن “المخاوف المصرية من ناحية الغرب الليبي لا تقتصر فقط على مصالحها الاقتصادية في منطقة شرق البحر المتوسط، لكنها تتعلق أيضاً بمخاوف جيوسياسية مرتبطة بالأمن القومي للبلاد”.
ويوضح في حديثٍ لـ”العربي الجديد” هذه المخاوف، ومنها “ضرورة ضمان عدم تشكيل الجارة الغربية أي خطر على الدولة المصرية، يمكن أن يأتي عبر تمركز جماعات محددة في الشرق الليبي، إذ تشترك ليبيا مع مصر في حدود طويلة تصل إلى 1200 كيلومتر، وهذه الحدود تشكل حالة من العبء الأمني بما يخلق تحديات للسيادة المصرية، مثل احتمال تسلل العناصر الإرهابية وعمليات التهريب”.
ويضيف الدبلوماسي السابق أن أجندة القاهرة في هذا السياق تتمثل في “توجيه الجهود لدعم وإسناد المؤسسات الليبية الدستورية، من خلال دعم الدولة الوطنية الليبية، واستعادة سيادتها كاملة، وتوحيد المؤسسات الأمنية والاقتصادية والتنفيذية، وإنهاء سطوة التنظيمات العسكرية غير القانونية، وإبعاد المرتزقة وغيرهم، وإنهاء الوجود العسكري غير الشرعي لأي طرف كان”.
ويشدّد على “الحرص في أن تكون مساعي الحل نابعة من الأطراف والمؤسسات الليبية، لذا استضافت مصر، مرات عديدة، وفوداً ممثلة للقوى الاجتماعية، كالقبائل والمجالس الاجتماعية الليبية، ومؤسسات، كالبرلمان الليبي والجيش الوطني وحكومة الوفاق”.
واستضافت القاهرة، الاثنين الماضي، اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5” برعاية الأمم المتحدة، والتي انعقدت على مدار يومين بمشاركة المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، وممثلين عن دول جوار ليبيا (السودان – تشاد – النيجر)، لبحث “خطة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، وأزمة المليشيات”.
استحالة وضع دستور للدولة الليبية
من جهته، يقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، لـ”العربي الجديد”، إن “كل الحديث الذي يدور منذ اتفاق الصخيرات برعاية أممية في المغرب، عام 2015، عن أن المخرج الوحيد من النفق المظلم في النزاع السياسي والعسكري والاقتصادي المستفحل بين الشرق والغرب الليبيين هو إرساء دستور دائم للدولة الليبية يجابه المتغيرات والتطورات الداخلية، عبارة عن أضغاث أحلام، لأنه من المحال وضع دستور دائم جديد للدولة الليبية، في ظل ما يمكن تسميته باحتلال عسكري أجنبي للدولة، حتى وإن كان احتلالاً عسكرياً بموجب اتفاق، وذلك فضلاً عن وجود المليشيات المسلحة المتناحرة”.
ويضيف سلامة أن “هذه الحالة من التناحر والاقتتال بين المليشيات المسلحة الليبية، بمختلف قياداتها العسكرية والسياسة، تختلف تماماً عن سائر النزاعات المسلحة الدولية، التي تتقاتل فيها المليشيات ولا تحارب جيشاً نظامياً لدولة مستقرة”.